كثيراً ما يتم تداول الأخبار حول السجون الإيرانية وما تشهده من انتهاكات بحق المعتقلين، وسط حالة التكتم والسرية الشديدة المحيطة بتلك المعتقلات، إلا أن سجن إيفين تحديداً يبرز كعلامة ظاهرة بين تلك السجون، لما له من سمعة سيئة في مجال حقوق الإنسان وانتهاكاتها، حيث يعتبر السجن أحد أظلم أقبية الاعتقال في البلاد وأكثرها بطشاً، بحسب ما يصفه الناشط الحقوقي، “علي الأحوازي”.
تشير المعلومات المتوفرة حول السجن الإيراني، الواقع شمال العاصمة الإيرانية، إلى أنه يتسع حالياً لـ 15000 سجين، كما أنه يختص بمن يصنفهم النظام الإيراني كمعارضين خطيرين والمحكومين بالإعدام، على خلفية قضايا سياسية، خاصة من الحركات النسوية وأصحاب الرأي والانفصاليين.
مثقفون وأصحاب فكر.. وأبرز أعداء النظام
أبرز ما يتميز به السجن المذكور، بحسب ما يؤكده “الأحوازي”، اسم مستعار لضرورات أمنية، هو ارتفاع نسبة المثقفين والدارسين وأصحاب الفكر، المعارضين للنظام القائم، لافتاً إلى أن المعارضين والناشطين باتوا يطلقون عليه اسم “جامعة إيفين”.
كما يوضح الناشط “الأحوازي” لمرصد مينا، أن السجن كان موجوداً منذ أيام الشاه، إلا أن دوره في قمع الحريات زاد بشكل كبير مع وصول “علي خميني” إلى الحكم في 1979، حيث تحول إلى مكان لإعدام واعتقال المعارضين الشرسين وأصحاب الأنشطة المعارضة المستمرة، والذين يرى فيهم النظام أعداءاً بارزين له، كأعضاء منظمة مجاهدي خلق أو المتهمين بالاعتداء على مسؤولين في النظام أو المشاركين بانتفاضات كبرى.
يشار إلى أن المعارضة الإيرانية قد أعلنت قبل أيامٍ قليلة، عن وفاة سبعة من أعضائها داخل السجن، وسط تكتمٍ من النظام الإيراني.
في الحديث عن الإحصائيات، يؤكد “الأحوازي” أنها ضبابية وما يصدر من إحصائيات هي أرقام تقديرية، بسبب تشدد النظام في مسألة الوصول إلى البيانات الخاصة بالسجناء، بالإضافة إلى أن السجن شيد أساساً على أن يكون مكاناً للمعتقلين الذين ينتظرون محاكمات، ومن ثم نقلهم إلى سجون أخرى، موضحاً: “ما يحصل حالياً أن السجن تحول إلى مكان للاعتقال دون محاكمة والإخفاء القسري، بالإضافة إلى بقاء عدد كبير من المحكومين داخله وعدم ترحيلهم”.
يذكر أن السجن قد شهد مجزرة كبيرة عام 1988، ارتكبها مديره الأسبق، “أسد الله لاجوردي”، ضد من وصفهم النظام حينها بالمرتدين، حيث تكشف المصادر عن إعدام آلاف المنتمين لمنظمة مجاهدي خلق الإيرانية، بفتوى من المرشد الأعلى السابق، “علي خميني”.
حكاية العنبر رقم 209.. عنبر الكفرة والمرتدين
البحث في ملفات سجن إيفين، يقود بشكل فوري وحتمي إلى ما يعرف بالعنبر رقم 209، والذي تصاعد الحديث عنه عقب انتفاضة تشرين الثاني 2019، فوفقاً للباحث في الشأن الإيراني “رضا رسول موسوي”، فإن نسبة كبيرة من المعتقلين على خلفية تلك الانتفاضة تم التحقيق معهم واحتجازهم في ذلك العنبر، الذي يضم أيضاً غرف الاحتجاز المنفردة.
يوضح “موسوي” في حديثه مع مرصد مينا، أن الإنسانية تعتبر مفهوماً لم يدخل في قاموس سجاني ذلك العنبر ولا حتى تردد إلى مسامعهم، لافتاً إلى أن تلك الحالة هي حالة عامة في السجن، إلا أنها تزداد في هذا العنبر، خاصةً وأنه تابع بشكل مباشر إلى قيادة الحرس الثوري الإيراني.
كما يؤكد “موسوي” أن السجناء محرومين من كافة الحقوق أو المساعدات أو حتى الاتصال بمحامين يتولون الدفاع عنهم، لافتاً إلى أن السجانيين يعتبرون المعتقلين مردتين عن الدين وعلى صلات بمنظمات كافرة، ما يجعل من تعذيبهم وقتلهم أمراً محبباً وتقرباً إلى الله، في مفهومهم.
وكانت منظمة العفو الدولية، قد نددت بما يتعرض له المعتقلون الإيرانيون من عمليات تعذيب وحشية، وثقتها من خلال شهادات لـ 7 آلاف معتقل ومعتقلة، بينهم أطفال، تم توقيفهم على خلفية انتفاضة تشرين الثاني 2019.
يقول “موسوي”: “دخولك إلى سجن إيفين عموماً، أشبه بحساب القبر، تجد أمامك أناساً يقرؤون عليك التهم ويهمون بمعاقبتك، ويزداد العقاب كلما ارتبطت التهمة بالدين والارتداد والكفر والفسق، وهي تهم عامة وجاهزة يكاد يتشارك بها معظم السجناء”، لافتاً إلى أن العنبر 209 بشكل خاص يتم انتقاء السجانين فيه بعناية، وأنه العنبر الذي تم إعدام أكثر من 30 ألف سجين فيه عام 1988.
سبايا تحت 18 عاماً.. اغتصاب وتصوير وابتزاز
كلمة معتقلين في السجن بمعناها المذكر تشمل أيضاً المعتقلات من النساء وحتى المعتقلين من الأطفال، بحسب ما يكشف عنه معتقل سابق في السجن، أفرج عنه حديثاً بكفالة، لافتاً إلى أن إدارة السجن والسجانيين يتعاملون مع النساء هناك على مبدأ السبايا، وأن كل شيء مباح لهم ويمنحمهم الأجر والثواب، على حد قوله.
في السياق ذاته، يؤكد المعتقل السابق، أن الانتهاكات الجنسية تأخذ في سجن إيفين عدة أشكال، أبرزها الاغتصاب المباشر أو التحرش أو زرع الكاميرات في دورات المياه الخاصة بالنساء، بالإضافة إلى عمليات الابتزاز بكل ما ذكر، مشدداً على أن الانتهاكات الجنسية وخاصةً الاغتصاب تتم بشكل عنيف مترافق مع الضرب الجسدي والأذى النفسي، والذي لا يستثي حتى من هن تحت سن 18 عاماً.
كما يوضح المعتقل السابق، وبحسب أحاديث دارت بينه وبين معتقلة سابقة، أن أغلب الكاميرات السرية مثبتة في القاطع الثاني الخاص بالنساء، لافتاً إلى أن هذا الجزء يدار أيضاً من قبل عناصر الحرس الثوري الإيراني.
إلى جانب ذلك، ينقل المعتقل السابق عن زميلته السابقة، أن معظم النساء المعتقلات داخل السجن يواجهن تهماً بالدعارة والرذينة وتهماً أخلاقية، للتغطية على التهم السياسية الموجهة لهن، ما يدفع السجانيين وإداراة السجن إلى التعامل معهن بطرق لا أخلاقية، مؤكدةً أن الكثير من النساء تتجنبن الحديث عن تجاربهن بسبب تقاليد المجتمع.
الخروج من جحيم الـ 36 متراً
يصف المعتقل السابق في سجن إيفين، الخروج من السجن المذكور بأنه الخروج من ما أسماه “جحيم الـ 36 متراً”، نسبةً إلى مساحة الزنازين، مشيراً إلى أن الزنانة الواحدة كانت تضم أكثر من 100 معتقلٍ، ناهيك عن الزنازين الانفرادية.
حجيم السجن وكما يصوره المعتقل السابق، يرتبط بعمليات التعذيب التي يعترض لها السجين بشكل مباشر جسدياً ونفسياً، والتي تفوق الوصف على حد قوله، لافتاً إلى أن أبسط شيء قد يخاف منه المعتقل هو الضرب التقليدي، مقابل أساليب التعذيب المبتكرة كالصندوق والشبح والشمعة، بالإضافة إلى التهديد بتعرض عائلته للاعتقال.
كما يمتد حجيم السجن إلى الحرمان من الرعاية الصحية، التي تخلق الموت البطيء والمؤلم، وفقاً لما يقوله المعتقل السابق، مشيراً إلى أن مئات السجناء ماتوا بسبب مضاعفات صحية لأمراض مزمنة، منها ما أصيبوا بها جراء التعذيب أو الأجوء غير الصحية في السجن كالربو وأمراض الكلى والجهاز الهضمي، ومنها ما كانوا مصابين بها سلفاً، كأمراض السرطان وغيرها.
يشار إلى أن المعارضة الإيرانية، قد كشفت قبل أسابيع عن تفشي وباء كورونا المستجد كوفيد 19، داخل السجن، وأن عدد من المعتقلين توفوا نتيجة تلك الإصابات، متهمين السلطات الإيرانية بالإهمال المتعمد والتورط في قتل المصابين