سببت إجراءات دعم الإرهاب التي انتهجها نظام المخلوع “عمر البشير” المحسوب على تيار الإسلام السياسي وإخوان السودان، بسحب الولايات المتحدة سفيرها في 1996 ثم فرض حظر اقتصادي شامل على السودان في العام 1997، لتتبعها بعقوبات بموجب قانوني سلام السودان وسلام دارفور.
في 2012 قضت محكمة أمريكية بدفع السودان أكثر من 300 مليون دولار كتعويضات لضحايا المدمرة كول التي أسفرت عن قتل 17 بحارًا أمريكية عام 2000 و تفجيرات السفارات الأمريكية في نيروبي ودار السلام عام 1998.
بعد سقوط نظام البشير، انفتحت أمريكا على السودان، وبدأ حوار مع السلطة الانتقالية قاد إلى عقد تسويات مالية مع عائلات ضحايا المدمرة الأمريكية كول وتفجير سفارتي واشنطن بنيروبي ودار السلام، والتي اشترطتها الإدارة الأمريكية لرفع الخرطوم من قائمة الإرهاب.
لتشهد نهاية شهر أكتوبر تشرين أول الماضي، إعلان وزارة العدل السودانية، أن حكومة الخرطوم وقعت اتفاقية ثنائية مع الإدارة الأمريكية يتم بمقتضاها منع رفع دعاوى مستقبلية ضد السودان، مع التأكيد على حصانتها السيادية.
وفي 23 أكتوبر تشرين أول المنصرم.. أعلنت وزارة الخارجية السودانية، أن الحكومة الانتقالية وافقت على تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وفق وكالة الأنباء السودانية الرسمية “سونا”.
ليشهد اليوم نفسه، أعلان البيت الأبيض، أن الرئيس ترامب، أبلغ الكونغرس، نيته رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، التي أدرج عليها عام 1993، بعد استضافته آنذاك الزعيم الراحل لتنظيم القاعدة، أسامة بن لادن.
وفي بيان رسمي صدر حينها، قالت الوزارة إن الاتفاقية التي وقعت بمبنى وزارة الخارجية الأمريكية، ترتبط بتسوية القضايا المرفوعة ضد السودان في المحاكم الأمريكية، حيث تشمل تفجير السفارتين في نيروبي ودار السلام(1998).
البيان ذاته نبّه أن حكومة السودان أعادت في هذه الاتفاقية تأكيدها عدم مسؤولية الخرطوم عن تلك الهجمات، لكن الرغبة في تطبيع وتطوير علاقاتها مع الولايات المتحدة دفعتها لتلك الخطوة.
ليؤكد البيان أنه بحسب الاتفاقية سيجري اسقاط الاحكام القضائية المتخذة بحق السودان في تلك القضايا، كما سيتم منع رفع دعاوى مستقبلية ضد الخرطوم مع تأكيد حصانته السيادية.
“وبذلك يكون وضعه القانوني مثل كل الدول التي لا تندرج في قائمة الدول الراعية للإرهاب”.. وفق بيان الوزارة.
وبموجب الاتفاق المذكور، وافق السودان على دفع 335 مليون دولار توضع في حساب مشترك إلى حين قيام أمريكا من جانبها بإستيفاء التزاماتها الخاصة بإكمال حصول السودان على حصانته السيادية بعد خروجه من قائمة الدول الراعية للإرهاب.
رفع من قائمة الإرهاب
بهدف تجنب أي دعاوى قضائية؛ يحتاج السودان لاستعادة حصانته السيادية التي فقدها بعد إدراجه في قائمة الدول الراعية للإرهاب منذ العام 1993..
نوّه بيان وزارة العدل السودانية أن الاتفاقية التي اقتضت دفع مئات ملايين الدولارات لضحايا التفجيرات.. هي الأساس الذي استند إليه قرار الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، المتعلق بإزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب..
كما أن ذات الاتفاقية تغلق الباب أمام أية محاولات مستقبلية لتحريك إجراءات ضد السودان في قضايا متعلقة بالإرهاب بأثر رجعي.
وعليه.. ساد تفاؤل سوداني لإزالة اسم البلاد من القائمة الدول الراعية للإرهاب.. بعد رفع العقوبات الأميركية التي كانت مفروضة على البلاد منذ 1993 حيث سيكون باستطاعة قطاعات عدة استيراد البرمجيات وقطع الغيار الأميركية.
أمل منقوص
قبل أيام من بدء الانتخابات الأمريكية، أعلن الرئيس ترامب أنه وقع أمرًا تنفيذيًا برفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب المدرج بها منذ العام 1993، حيث أخطر الكونجرس الأمريكي بالقرار.
حيث يتوقف اكتمال رفع السودان من القائمة السوداء حاليا على إجازة الكونجرس الأمريكي قانون الحصانات السيادية الذي يمنع ملاحقة الخرطوم بدعاوى قضائية بجرائم إرهاب مستقبلا، وتم إيداع مبلغ التسوية مع عائلات الضحايا والمقدر بـ335 مليون دولار في حساب محايد لحين تمرير هذا التشريع.
مع خسارة الرئيس ترامب للانتخابات الأمريكية مؤخرًا.. ارتفعت حدة المخاوف في كواليس المشهد العام بالخرطوم، حول رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب. بسبب غموض موقف الرئيس المنتظر “جو بايدن” والديمقراطيين من اتفاقيات ترامب..
بدورهم، اعتبر خبراء أن ملف إزالة السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب واستعادة الخرطوم حصانتها السيادية ستتواصل دون عراقيل فعلية حيث لن تتأثر تلك المسألة بتغيير الأشخاص في مؤسسة الرئاسة الأمريكية، معتبرين أن “أمريكا دولة مؤسسات ولا يمكن لأي رئيس التراجع عن الاتفاقيات الثنائية”.
ليشددوا بدورهم أن قضية إلغاء العقوبات الأمريكية عن السودان تستند إلى اتفاقيات قوية بين الحكومة الانتقالية في الخرطوم وإدارة الرئيس دونالد ترامب، حيث ترتب عليها دفع تسويات مالية لعائلات ضحايا التفجيرات.
تكتيك خاص
في تصريحه للـ “العين الإماراتية” توقع السفير السوداني المتقاعد، الطريفي أحمد كرمنو، أن يلجأ ترامب لما أسماها؛ سياسة “المسار السريع” لإنهاء كافة العقوبات عن السودان خلال فترة الشهرين المسموح له بالبقاء في البيت الأبيض، رئيسًا للولايات المتحدة.
الطريفي أسهب موضحًا :”تاريخيًا الديمقراطيين هم الذين أدرجوا السودان في لائحة الإرهاب، وفرضوا عليه الحصار الشامل واستهدفوا مصنع الشفاء بالخرطوم، لكن بايدن سيمضي على ذات الطريق الذي بدأه ترامب في العلاقات مع الخرطوم”.
ليعلن: “نتوقع أن تمضي الإدارة الأمريكية الجديدة قدمًا في دعم الحكومة الانتقالية في السودان للوفاء بالوعد الذي قطعته واشنطن في دعم التحول الديمقراطي في البلاد”.
في ذات الرؤية.. توقع المحلل السياسي، عبده مختار موسى، أن الإدارة الأمريكية الجديدة ستكمل إلغاء كافة العقوبات المفروضة على السودان، حيث يوجد تعاطف واضح لدى مختلف المكونات في الولايات المتحدة مع الخرطوم بفضل نجاح الثورة الشعبية وإنهاء حكم المخلوع عمر البشير.
مختار في تصريحه لـ “العين”، اعتبر أن : “أمريكا دولة مؤسسات ولن تتراجع عن الاتفاق الذي أبرمته مع السودان، فهذه من المسلمات في السياسة الأمريكية”.
لينوه في معرض تعليقه على ضرورة أن تسارع الحكومة الانتقالية السودانية بالتواصل مع الإدارة الأمريكية الجديدة واستغلال الفرص المواتية لإسقاط كافة العقوبات واستعادة حصانة السودان السيادية.
الكونغرس يتعاون
بعد 72 ساعة من قرار الرئيس دونالد ترمب برفع اسم السودان من قائمة الارهاب.. نجح مشرعون بالكونغرس الأمريكي، بتمرير قانون “إستعادة الحصانة السيادية” الذي يعفي الخرطوم مستقبلًا من أي مقاضاة أمام المحاكم الأمريكية بأثر رجعي.
اتفاقية خاصة بواشنطن
المحامي نبيل أديب في حديث لصحيفة التغيير الإلكترونية، أن الاتفاقية المعنية خاصة بالولايات المتحدة الأمريكية وليس بالمحكمة الجنائية وهي تسقط اي دعاوى قد توجه للحكومة السودانية مستقبلا، ولا علاقة لها بالمحكمة الجنائية وجرائم دارفور كما فهم البعض.
وقال أديب : إن السودان كان مستثنى بموجب قانون مكافحة الارهاب والإعلام الفعلي لعام 1996 من قانون حصانات الدول الأجنبية لعام 1967 وأشار إلى أنه بموجب هذا القانون أصبح لوزارة الخارجية سلطة رفع حصانة الدول أمام المحاكم الأمريكية وهذا ما تم بالفعل وصدرت أحكام في دعاوي مدنية ضد السودان فيما يتعلق بقضيتي المدمرة كول وسفارتي امريكا بدار السلام ونيروبي.
فيما أوضح المتابع للشان السوداني الامريكي، الصحفي السوداني المقيم بواشطن واصل علي، لـ التغيير الإلكترونية، أن الاتفاقية التي وقعت بين الخرطوم وواشنطن؛ تحدد تفاصيل التسويات إلا أن قانون الكونغرس في حد ذاته لا يمنح حصانة سيادية.. ليوضح أن : الهدف النهائي من القانون أن تحصن الدولة من الملاحقة المدنية وليست الجنائية بواسطة ضحايا الإرهاب.. حيث أشار إلى أن القضايا ضد السودان هي بأكملها قضايا مدنية، وأكد: القانون مثله مثل أي قانون آخر صادر عن الكونغرس قابل للطعن.
هذا وتأمل الحكومة السودانية ان تضع التسوية التي تمت حدًا لمحاولات أسر ضحايا سبتمبر في الحصول على تعويضات مماثلة لضحايا سفارتي الولايات المتحدة في نيروبي ودار السلام بموجب قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب المعروفة بعد اتجاه زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ الأمريكي “تشاك تشومر” و زعيم الديمقراطيين في لجنة العلاقات الخارجية “روبرت مينيديز” لعرقلة التسوية.
ليعلق أديب على تلك الجزئية بقوله: إن قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب (جاستا)، لا علاقة له بالحكومة السودانية في الوضع الراهن لكونه يسمح للمواطنين الأمريكيين بمقاضاة الدول الأجنبية عن أعمال الإرهاب ارتكبت داخل الاراضي الأمريكية مثل تفجيرات 11 سبتمبر أيلول، إلا أنه أشار إلى أن الحكومة الأمريكية لا تستطيع استثناء السودان منه .
انتظار وقلق
رغم إعلان رئيس الحكومة السودانية، عبد الله حمدوك، أن الـ 11 من ديسمبر كانون الأول الجاري، هو موعد رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.. ليفتتح ذلك الاعلان ترقبًا وحذرًا وأملًا للسودانيين..
لكنه بذات المستوى فتح الإعلان التساؤل – لدى كثير من المراقبين – عن فاعلية شطب اسم الخرطوم بـ “حل مشاكل السودان الاقتصادية وتفريج الضائقة المعيشية”
مع تساؤل أعمق وأهم حول ماذا جهزت الحكومة لما بعد ذلك التاريخ وترتيباتها للمرحلة المقبلة..
في حديثه مع “إندبندنت عربي”، أوضح مدني عباس وزير التجارة والصناعة السوداني، أن “رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب سيزيل عائقًا كبيرًا من أمام الاقتصاد السوداني، وسيذلل الطريق لانطلاقته، وعلى الرغم من ذلك فإنه لا يمثل منفردًا الحل لكل مشاكل السودان الاقتصادية”.
ليبين الوزير أن “هنالك فرصًا يتيحها رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، واستغلال هذه الفرص يتطلب توفر شروط أساسية من أهمها الإصلاحات في النظام المصرفي، وإصلاح الخدمة المدنية والبيئة المهيئة للاستثمار، وإصلاحات القطاع الخاص”.
مؤكدًا أن “بنك السودان يعمل من جانبه على قيادة هذه التغييرات في الإصلاح المصرفي وهو مجهود يحتاج لفترة كي يؤتي أكله.. بالنظر إلى التشوهات العميقة التي ضربت الجهاز المصرفي خلال الأعوام الماضية”.
أما جهاز الخدمة العامة فهو “بحاجة إلى الإسراع بمسار الإصلاح فيه بالأتمتة وتحويل العمل إلى عمل إلكتروني أكثر كفاءة، بالإضافة إلى تأهيل الكوادر، وخصوصًا التي تتعامل مع فرص الاستثمار الخارجي”وفق حديثه الذي أفاد فيه بأن “وزارة الصناعة والتجارة مسرعة الخطى لبداية برنامج النافذة الموحدة بالتعاون مع جميع الجهات الأخرى ذات الصلة بالعمل التجاري، ما من شأنه تسهيل وتحسين بيئة العمل التجاري والاستثماري في السودان؛ إذ تم الاتفاق مبدئيًا مع عدة جهات لتحسين شروط الأعمال في السودان”.
تأخر وإرباك
رأى أستاذ الاقتصاد وعضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني، صدقي كبلو، أن “استعداد السودان لهذا القرار كان ينبغي أن يتم بشكل مبكر تشترك فيه رئاسة الوزراء والمالية وبنك السودان والخارجية، واضعة أمامها خريطة العلاقات الاقتصادية الدولية وأثر القرار في تطويرها، وأن تخرج من ذلك خطة مبرمجة وجاهزة للتنفيذ أهمها كيف نستعيد علاقاتنا التجارية المباشرة من دون وسيط مع أسواقنا التقليدية قبل 1989، خصوصًا فيما يتعلق بالحبوب الزيتية والصمغ والقطن، ثم البحث عن سوق أخرى للذهب واللحوم، وهذا يتطلب تنفيذ قرارات المؤتمر الاقتصادي، وخصوصاً في ما يتعلق بالدعم وإدخال سعر الفائدة، حتى تناسب المعاملات المصرفية”.
وأضاف بحسب “إندبندنت” أنه “يجب البحث عن التمويل السلعي للبنى الأساسية، وخصوصاً مواصلات الحضر، والسكك الحديدية، وآليات الميناء وتوسيعه ومياه بورتسودان، وتنفيذ أجندة السلام فيما يتعلق بعودة النازحين واللاجئين وإعادة التعمير، وكذلك لا بد من الاستفادة من بعثة الفصل السادس التي ستأتي في يناير كانون الثاني، للاستفادة القصوى من تنسيق عمل منظمات الأمم المتحدة التي يمكنها بعد هذا القرار أن تجد تمويلاً أكثر للسودان”.
أمل ومحفزات
طارق أبو صالح، سفير السودان لدى كندا، أكد – بحسب إندبندنت- أنه “ستتم إزالة السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب واستعادة حصانته السيادية من الملاحقات القضائية بحلول منتصف شهر ديسمبر الجاري. وهناك توافق بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي على هذا الأمر، وستتم إجازته في الكونغرس، ولا أعتقد أنه سيحدث تراجع عن ذلك”.
ليربط بين توقيع الرئيس الأميركي دونالد ترامب على الأمر التنفيذي القاضي برفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب المدرج بها منذ عام 1993، وقيامه بإخطار الكونغرس الأميركي بالقرار، معتبرًا أن ذلك يعكس جدية الإدارة الأميركية برفع اسم السودان من هذه القائمة.
ليستدرك أبو صالح، أن “ما يحتاج إليه السودان هو تهيئة المناخ للاستثمار في البلاد، وإصلاح التشريعات وتعديل القوانين الخاصة بالاستثمار لتكون جاذبة، وقبل ذلك رفع الهمم ومضاعفة الانتاج وترقية الصادرات؛ لأن البلاد تزخر بموارد طبيعية هائلة، ونتوقع بعد اكتمال رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب قدوم الشركات العالمية للاستثمار بالسودان في مختلف المجالات”.
حيث نوّه أن “شركة (أوركا غولد) الكندية التي تعمل في التعدين عن الذهب، قد أصدرت بيانًا بعد الإعلان عن رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، ذكرت فيه أن رفع اسم السودان من هذه القائمة سيمهد الطريق لمزيد من التغيير السياسي الإيجابي والانتعاش الاقتصادي في السودان..
في الوقت نفسه فإن تلك الإشارة الإيجابية لمجتمع الاستثمار الدولي ستحفز المساعدات الاقتصادية للسودان، بحسب ما قاله الرئيس التنفيذي للشركة ريتشارد كلارك.. الذي أكد إن السودان بلد مهم للتنقيب عن المعادن وتطوير المناجم في أفريقيا، ويتطلعون إلى أن يحظى هذا البلد بتقدير العالم لفرصه المثيرة للاستثمار والنمو الآن بعد إزالة جميع العقوبات التي كانت مفروضة عليه”.