إن المدخل الحقيقي والصحيح للخروج من هذا الواقع المأسوي نحو مستقبل أفضل بوجه عام من خلال السعي لبناء دولة، لا يكون إلا بالفصل الواضح بينها وبين الدين، ليس على قاعدة موقف سلبي من الدين، فليس العداء للدين مهمة الدولة، لا في بلداننا، ولا في بلدان العالم الأخرى، ولا هو مهمة أي مؤسسة في المؤسسات التي تأخذ على عاتقها تحقيق التحديث والتطوير.
والقاعدة الأساسية للفصل بين الدين والدولة هي قاعدة ذات شقين: الشق الأول: يتعلق بتحرير الدولة من الاستخدام السلبي لوظائفها ومؤسساتها، من مدّعي النطق باسم الدين، وباسم أحكامه، من أجل أن تتطور هذه الدولة وتحقق الأغراض والأهداف والوظائف المنوطة بها، في متغيرات العصر وحاجاتنا فيه.
الشق الثاني: يتعلق بتحرير الدين من مدعي احتكار النطق باسمه الذين يفرغونه من قيمه الأساسية، ليتمكنوا من استخدامه، عبر سيطرتهم على الدولة باسمه، في تحقيق أغراضهم الدنيوية التي تتناقض مع قيم الدين التي تعمم أنماط الاستغلال والاستعباد، والقهر الاجتماعي، بوصفه واقعاً ثابتاً وأبدياً لا مجال لتغييره، لكن مهمة تحقيق هذا الهدف لا تنحصر في الإصلاح الديني، أي في الجهد الذي يبذله المستنيرون من المفكرين الدينيين، الحريصين على جعل الدين يتطور مع العصر، ويتطابق مع حاجات البشر فيه.