تزامناً مع استمرار الجدل حول مسلسل شارع شيكاغو، يبدو أن الدراما السورية تتجه نحو منعطف جديد، يقودها أكثر نحو القاع، بحسب ما يقوله الناقد الفني، “موفق الأسعد”، لافتاً إلى أن الدراما في سوريا منذ عام 1990 وحتى 2020، مرت بسلسلة من التناقضات والتحولات الرهيبة.
يذكر أن مسلسل شارع شيكاغو، قد تعرض للكثير من الانتقادات بسبب المشاهد الجنسية والألفاظ النابية، غير المعهودة في المسلسلات السورية، والتي قال العديد من النقاد إنها لا تتلاءم مع طبيعة المجتمع السوري الشرقية.
في 30 عاماً.. مالذي تغير؟
يشير الناقد “الأسعد” إلى أن الفن في سوريا تأثر خلال الأعوام الثلاثين الماضية، بتقلبات السياسة الداخلية للنظام وطبيعة المراحل، التي مرت بها البلاد، لافتاً إلى أن سبب النجاح، الذي حققته المسلسلات السورية خلال الفترة بين 1990 و 2010 كان ملامستها للواقع المحلي والعربي على حدٍ سواء، وطرحها لقضايا الحياة وإن كان بشكل محدود وضمن مساحات حرية مرسومة مسبقاً.
كما يوضح “الأسعد” أن في فترة بين 1990 وحتى 2000، باتت المسلسلات السورية متنفساً للمواطن العادي وناطقاً بلسانه، من خلال تناولها للفقر والفساد والجهل والمشكلات المجتمعية، خاصةً وأن سوريا في ذلك الوقت كانت غارقة بالديكتاتورية المفرطة، وأن تناول المواطن لمثل تلك القضايا كان كفيلاً بإرساله وراء الشمس، مشدداً على أن تلك الحالة خلقت ارتباطاً بين المشاهد والعمل الفني، على الرغم من عدم وجود إمكانيات وميزانيات إنتاجية متطورة كما هو الحال الآن، إلا أن المشاهد كان يرى نفسه وبساطة مجتمعه وحياته فيها.
أما في الفترة بين 2000 إلى 2010، ومع التحسن الملحوظ نسبياً في مستوى معيشة الفرد، يعتبر “الأسعد” أن توجه المسلسلات السورية إلى طرح قضايا المجتمع والمرأة والتركيز على القيم الرجولية المحببة في الشرق الأوسط، تحديداً من خلال أعمال البيئة الشامية كباب الحارة، كانت عنصر الربط الجديد مع المشاهد، لا سيما وأن تلك المسلسلات خلقت شخصيات تحولت إلى أساطير أو آيقونات ليس في المجتمع السوري وحسب وإنما حتى عربياً، كشخصية العكيد وأبو عصام في باب الحارة، وعبود الشامي والمعلم عمر، وأبو جانتي، وغيرهم.
ويضيف “الأسعد”: “كل تلك العوامل جعلت من الدراما السورية رقم واحد في العالم العربي، فجميع المشاهدين كانوا يشعرون بتقاطعات بينهم وبين تلك الشخصيات، قبل أن تبدأ مرحلة الانهيار الكامل بعد عام 2011”.
في تقسيماته لمراحل الدراما السورية، يؤكد “الأسعد” أن بداية العام 2011 كانت البداية الحقيقية لانهيار الأعمال الفنية السورية، ليس بفعل السياسة وحسب، وإنما ببروز جيل جديد من الممثلين والكتاب والمخرجين، البعيدين كل البعد عن الجيل الذي سبقهم، من أمثال “جمال سليمان” و”خالد تاجا” و”منى واصف” و”نجاح حفيظ” وغيرهم.
سياسة ومال وجمال.. ثالوث الدمار الفني في سوريا
خلال تناوله لعوامل إنهيار الأعمال الفنية السورية، يشير الباحث والناقد، “أمين رجائي”، إلى وجود ثلاثة عوامل أساسية لذلك الانهيار، أولها السياسة وثانيها المال وثالثها الجمال، مشيراً إلى كل عامل من تلك العوامل ساهم بطريقته الخاصة في انهيار الدراما والفن السوري وتحويله إلى إعلانات خاصة عن لآخر صيحات عمليات التجميل والموضة، على حد وصفه.
عن السياسة، يقول “رجائي”: “مع اندلاع الثورة السورية حاول النظام السوري تطويع نجاح الدراما لصالحه، وهنا بدأت الأعمال السورية تركز على الطبقة المخملية في المجتمع في محاولة لتصوير أنها تمثل الطبقة الفعلية في سوريا، فبدأ المشاهد يرى السيارات الفارهة والبيوت الفخمة والأحياء الراقية، لدعم فكرة أن الشعب السوري يعيش حياة رغيدة وأن الثورة هي ثورة متطرفين”، لافتاً إلى أن تلك النقطة كانت أولى نقاط انفصال الدراما عن الواقع وعن المشاهد.
أما عن القفز المفاجئ لمن وصفهن بـ”ممثلات عمليات التجميل”، فيوضح “رجائي” إلى أن النظام اعتمد على دعم هذه الطبقة من الممثلات ومنحهن مساحة كبيرة في المسلسلات، للمتاجرة بهن ليكن عامل جذبٍ للمشاهد في ظل حالة الفشل في النص والإخراج والنواحي الفنية، وهو ما يفسر حالة الإثارة والمشاهد الخارجة عن المألوف والألفاظ النابية، مشيراً إلى أن شارع شيكاغو ولد من رحم هذه الحالة.
يشار إلى أن المخرج السوري، “باسل الخطيب” كان قد صرح في وقتٍ سابق، بأنه كثيراً ما يجبر على اختيار ممثلات معينات، بعضهن لا يصلح للدور، بسبب ضغوط من قبل مسؤولين متنفذين في النظام.
كما يكشف “رجائي”، أن عامل المال كان موجد أيضاً، ودخول منتجين على الساحة الفنية، لا يملكون أي خلفيات ثقافية أو فنية أو فكرية، مستشهداً بالمنتج “محمد قبنض”، الذي ظهر بعدة فيديوهات مثيرة للجدل من ناحية طريقة كلامه ومحتواه وتعابيره.
أزمة سيناريو .. سياسة التغييب القسري ونقابة يرأسها مساعد في الأمن
أكثر ما يجتمع عليه الناقدان “الأسعد” و”رجائي”، أن الدراما السورية تعاني من أزمة سيناريو مترافقة مع غياب قدرات إخراجية لدى المخرجين الشباب، لافتين إلى أن معظم المسلسلات باتت مكررة وتناقش ذات القضية بذات الممثلين وطاقم العمل وبدون أي حبكة درامية أو تشويقية مع اختلاف العناوين.
ويشير الناقدان إلى أن التغييب القسري من قبل النظام لعدد كبير من الممثلين السوريين بسبب مواقفهم السياسية، من أمثال، “عبد الحكيم قطيفان” و”مازن الناطور” و”مكسيم خليل” و”يارا صبري”، خلق بدوره خللاً في الدراما وفتح الساحة الفنية لدخول ممثلين يفتقرون للإبداع الفني، على اعتبار أن المشاركات في الدراما السورية باتت مرتبطة بالولاء للنظام.
حالة الإقصاء للفنانيين المعارضين، قادت الناقد “رجائي” إلى التطرق لنقابة الفنانيين، برئاسة “زهير رمضان”، الذي وصف تصرفاته بأنها أقرب إلى كونه مساعد في الأمن السوري أكثر من ممثل ونقيب للفنانين، لافتاً إلى أن “رمضان” لعب دوراً كبيراً في قمع الفنانيين بسبب مواقفهم السياسية.
يذكر أن “رمضان” أصدر خلال السنوات الأولى من الثورة السورية قراراً بفصل عشرات الفنانيين من النقابة ومنعهم من التمثيل في سوريا، بسبب مواقفهم السياسية المعارضة للنظام.
في السياق ذاته، يؤكد “رجائي” أن بطش “رمضان” وعدوانيته لم تقتصر على الممثلين المعارضين، وإنما طالت كل من يوجه له انتقادات و يدخل معه في نقاشات، ليستخدم النقابة كأداة للانتقام، ما أثر أيضاً على مستوى الدراما السورية، مستشهداً بالخلافات بينه وبين الممثل “بشار إسماعيل” والذي يعتبر بدوره أحد أشد موالي النظام السوري.
يشار إلى أن “إسماعيل” قد اتهم “رمضان” في مقطع فيديو، بالاستقواء بالأمن السوري وضباط أمنيين، كاشفاً أن الأخير قال في إحدى المرات أمام أعضاء النقابة أنه موجود بقرار أمني.
أعمال بالإكراه.. شركات انتاج خاصة بطعم حكومي
شركات الإنتاج التلفزيوني من جهتها، كان لها بصمتها في انهيار الدراما السوري، كما يقول مصدر من داخل تلفزيون النظام السوري، لمرصد مينا، لافتاً إلى أن تلك الشركات تدار بأموال خاصة ولكن بتوجه حكومي يتناسب مع التوجهات الأمنية والرسائل السياسية، المراد إيصالها عبر الأعمال الفنية.
ويلفت المصدر إلى أن شركات الإنتاج على اختلافها لا تملك حرية القرار في الكثير من الأعمال، التي تنتجها، وفي كثيرٍ من الأوقات، ترسل النصوص إليها بختم أمني، ما يعني أنها غير قابلة للرفض أو النقاش أو التعديل وأن انتاجها مسؤولية “وطنية”، من وجهة نظر النظام.
كما يكشف المصدر أن النظام عمد بعد 2011 إلى إقحام منتجين جدد على قياس الأعمال المطلوبة، إلى الساحة الفنية، وقدم لهم الدعم الكامل على حساب شركات انتاج عريقة في سوريا، من ناحية التسهيلات والترويج والعرض على القنوات، ما خلق نوعاً من المنافسة غير الشريفة أو المتكافئة بين الشركات الوليدة والشركات القديمة، على حد قوله.
في السياق ذاته، يؤكد المصدر أن العملية الدرامية منذ 1970 وحتى 2020، تسير وفق التوجه الحكومي وعلاقات النظام والتطورات الإقيمية، مشيراً إلى أن دائرة الإنتاج الفني في التلفزيون الرسمي لا تزال هي المسيطرة في عملية رسم خطوط الانتاج الدرامي والفني في البلاد.
ويستشهد المصدر بمسلسلات البيئة الشامية، وتناولها لفترة الوجود التركي في سوريا، لافتاً إلى أن الفترة من 1990 وحتى 2002، كانت تتناول على سبيل المثال، الوجود التركي على أنه احتلال وأنه ارتكب المجازر بحق العرب، والتركيز على أزمات السفربرلك، كما هو الحال في مسلسل أخوة التراب، أما ما بين 2002 وحتى 2010، ومع تطور العلاقات السورية – التركية، بدأ الوجود التركي يعرض في المسلسلات السورية بشكل ثانوي غير أساسي ويصور كدولة قائمة بعيداً عن زاوية الاحتلال وأنه كان جزء من المجتمع السوري، كما هو حال مسلسلات ليالي الصالحية وأهل الراية.