مع تصاعد الحديث عن الحل السياسي في ليبيا، وإنهاء الحرب، تتنامى مأساة آلاف المهاجرين غير الشرعيين الحالمين بالوصول إلى النعيم الأوروبي عبر الأراضي الليبية، بحسب ما تؤكده منظمة العفو الدولية، في تقاريرٍ لها عن الأوضاع الإنسانية في معسكرات المهاجرين، والتي صدرت مؤخراً.
تشير تقارير المنظمة الحقوقية إلى أن مئات اللاجئين والمهاجرين تعرضوا لسوء معاملة من قبل ميليشيات مدعومة من حكومة الوفاق، حيث تؤكد المنظمة بناءاً على شهادات عدد من المهاجرين، أنهم أجبروا على مدار ساعات طويلة على نقل صناديق الذخيرة والعتاد الخاص بتلك الميليشيات، بالقرب من العاصمة الليبية.
دماء “رخيصة”.. وخدمات إلزامية
تعليقاً على ما جاء في تقارير المنظمة الحقوقية، يلفت الناشط في مجال حقوق الإنسان في ليبيا، “مراد بن عطية” إلى أن الميليشيات خلال الأعوام الماضية، حولت المهاجرين إلى عمال سخرة يتم استغلالهم في أعمال عسكرية، خاصة في مناطق التماس، مضيفاً: “هم بالنسبة لتلك الميليشيات عبارة عن دماء رخيصة ولا يتقاضون أي أجور، وبالتالي فإن التضحية بهم ومقتلهم لن يؤثر على قوة الميليشيات بأي شيء”.
كما يشدد “بن عطية” على أن المهاجرين لا يملكون رفاهية القبول أو الرفض، وإنما يملكون رفاهية الطاعة أو الموت، على حد وصفه، كاشفاً أن أعداد كبيرة من معسكرات احتجاز المهاجرين تقع بالقرب من أهداف ومستودعات وثكنات عسكرية.
يذكر أن المنظمة الدولية للهجرة قدرت عدد المهاجرين في ليبيا بـ 570 ألف مهاجر؛ لافتةً إلى أن نحو نصفهم يعيشون في ظروف سيئة للغاية من كافة النواحي بما فيها الصحية والغذائية والإنسانية.
في السياق ذاته، يوضح “بن عطية” أن المهاجرين باتوا أساساً وركيزةً تبني عليها الميليشيات قوتها وإماراتها، موضحاً: “عمليات استغلال المهاجرين تتم منذ لحظة دخولهم الأراضي الليبية وحتى ركوبهم قوارب الموت، فالميليشيات تبدأ بالسيطرة على أموالهم سواء ضمن شبكات التهريب أو التشليح التقليدي، ومن بعدها يتم إجبارهم على العمل في معسكراتها وببعض الأحيان يتم اخذهم دروعاً بشرية، قبل أن توصل من تبقي منهم على قيد الحياة إلى نقطة الانطلاق باتجاه أوروبا”.
في الميدان.. أبرياء يحملون السلاح
انتهاكات حقوق الإنسان وعمليات الاستغلال، وصلت إلى حد إجبار المهاجرين على الانخراط لعدة أشهر في العمليات العسكرية، بحسب ما تكشفه تقارير الأمم المتحدة ومنظمة العفو الدولية، مشددةً على أن توريط المهاجرين تجاوز عمليات الخدمة في الثكنات العسكرية إلى إلزامهم بحمل السلاح والقتال على أكثر الجبهات سخونة.
في ذات السياق، تكشف مصادر ليبية مطلعة بأن زج المهاجرين في عمليات القتال، تضاعف بعد التشديد الحاصل على السواحل الليبية، جراء إطلاق الاتحاد الأوروبي لعملية إيريني في البحر المتوسط، التي أكدت أنها أثرت لحد كبير على عمليات نقل المقاتلين الأجانب إلى ليبيا.
إلى جانب ذلك، تؤكد المصادر أن دخول تركيا على خط المواجهات في إقليم ناغورنو قره باغ وإرسال مجموعات مسلحة من ليبية إلى أذربيجان، خلال فترة الصيف الماضي، زاد من حاجة الميليشيات إلى تجنيد المهاجرين ودعم صفوفها في عدة جبهات، لا سيما على خطوط التماس مع الجيش الليبي.
يشار إلى أن الجيش الليبي قد اتهم الحكومة التركية في وقتٍ سابقـ بتجنيد شبان سوريين وإرسالهم للقتال إلى جانب حكومة الوفاق الوطني، وهو ما أقر به الرئيس التركي، “رجب طيب أردوغان” في وقتٍ لاحق.
كراهية وثارات سابقة
عمليات استغلال المهاجرين، بحسب ما تؤكده منظمة العفو الدولية، تمتزج بمجموعة من الانتهاكات غير الإنسانية لا سيما وأن معظمهم من ذوي البشرة السمراء، ما يضعهم أمام العديد من الممارسات العنصرية، وفقاً للمنظمة.
من جهته، يرجع الحقوقي الليبي، “خالد العريبي” سوء معاملة المهاجرين الأفارقة إلى حالة من الثأر، لدى شرائح من الميليشيات، التي تستذكر المرتزقة الأفارقة، الذين كانوا يحاربون إلى جانب الجيش السابق، إبان حكم “معمر القذافي”، لا سيما وأن عدداً كبيراً من أعضاء تلك الميليشيات قاتلوا ضد قوات “القذافي”.
كما يضيف “العريبي”: “بالإضافة إلى ذلك السبب فإن حالة الكراهية لدى الميليشيات ضد المهاجرين تأتي من تحمليهم مسؤولية انتشار بعض الأوبئة والأمراض، كما أنهم بعضهم يستغل ضعف المهاجرين ليمارس ضدهم الاضطهاد والفوقية وترسيخ الحالة العنصرية”، مشيراً إلى أن الفترة الماضية شهدت مقتل العديد من المهاجرين على يد مهربين تابعين لتلك الميليشيات.