مع تزايد الخطوات باتجاه حلٍ سياسي في ليبيا ونزع قتيل الأزمة بين الجيش الليبي وحكومة الوفاق، يبرز في العاصمة الليبية طرابلس صراع من نوعٍ مختلف، بين رئيس حكومة الوفاق، “فايز السراج” ووزير داخليته، “فتحي باشاغا”، بحسب ما تؤكده مصادر ليبية مطلعة.
الصراع بين الرجلين، ووفقاً لما تشير إليه المصادر بدأ قبل أشهرٍ، بعد إقالة “باشاغا” من منصبه، وعودته مجدداً بضغط من تركيا على “السراج”، لافتةً إلى أن ذلك التطور زاد من حجم “باشاغا” داخل الحكومة كما زاد من طموحاته السياسية.
وكان “السراج” قد أصدر قراراً في آب الماضي، أقال بموجبه، وزير الداخلية “فتحي باشاغا”، لأغراض وصفها بـ”الاحترازية”، مع التعهد بفتح تحقيق ضده حول انتهاكات تعرض لها مظاهرين ليبيين، بأوامر مباشرة من الوزير.
انتهى عصر السراج وخطوات خارج سرب الحكومة
مع تطور الأحداث واتخاذ “السراج” لعدة خطوات لا تتلاءم مع التوجهات التركية، بحسب ما تقوله المصادر، فإن “باشاغا” بات يطرح نفسه كبديلاً “للسراج” بين الأوساط التركية، كما أنه بات يرى بأن زمن “السراج” قد انتهى في الحكم، وأن حكومة الوفاق باتت بحاجة إلى رئيس جديد، لافتةً إلى أن “باشاغا” يرى في نفسه ذلك الرئيس.
كما تشير المصادر إلى أن نظرة “باشاغا” تلك، تدفعه حالياً لاتخاذ قرارات أمنية ومصيرية دون التنسيبق مع الحكومة وبقية الوزارات المعنية ولا حتى رئيس الحكومة، ومن بينها قرار شن العمليات الأمنية في عدة مناطق تسيطر عليها قوات تابعة لحكومة الوفاق.
يشار إلى أن “باشاغا” قد أعلن الاثنين، عن عملية أمنية تحت إشراف وزارة الداخلية، لمكافحة الجريمة المنظمة ومهربي البشر والوقود وتجار المخدرات، في حين نفت وزارة الدفاع الليبية وجود أي تنسيق بينها وبين وزارة الداخلية حول تلك العملية.
تعليقاً على آخر التطورات في ليبيا، يرى الخبير في الشؤون الليبية، “بابكر السنوسي” أن “باشاغا” يحاول أن يقدم نفسه أمام المجتمع الدولي عموماً، على أنه الشخصية الأمنية القادرة على ضبط الأمن ومكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية، لافتاً إلى أن تلك القضايا تمثل المصلحة الاستراتيجية الأولى لدول المنطقة لا سيما على الساحل الأوروبي من المتوسط.
في السياق ذاته، يضيف “السنوسي”: “يريد باشاغا من خلال تلك العملية، القفز فوق نقاط ضعف السراج، وحلحلة المشكلات التي عجز عنها رئيس الحكومة، أو على أقل تقدير الظهور بمظهر أكثر جدية في التصدي لتلك المشكلات”، مشيراً إلى أن وزير الداخلية يهدف من خلال التحرك المنفرد بعيداً عن الحكومة، إلى نسب أي انجازات تتحقق في وزارته، لنفسه ولإدارته وليس لحكومة ككل.
حكومة بلا وفاق وحسابات سيطرة السلاح
بعيداً عن مشكلات السياسة الداخلية والخارجية، يعتبر “السنوسي” أن حكومة الوفاق لم تكن تحمل ذات معاني اسمها داخل مكوناتها، لافتاً إلى أن صراع “باشاغا” و”السراج” ليس إلا جزءاً من خلافات أعمق وأوسع، على المستويين السياسي والعسكري.
من جهته، يؤكد الخبير الأمني، “صالح الجعفري”، أن تبعية الوزراء لميليشيات أو فصائل مسلحة متعددة، انعكس على التنسيق والانسجام في الحكومة، معتبراً أن تلك الانتماءات والخلفيات أثرت إلى حد كبير على عمل مؤسسات حكومة الوفاق وأدخلت وزراءها في صراعات بينهم، خاصة في وزراة الداخلية، والمواقع الأمنية، وهو ما يفسر الصدام الذي حصل بين “باشاغا” وكتيبة ثوار طرابلس، الموالية لحكومة الوفاق.
يشار إلى أن كتيبة ثوار طرابلس، سبق لها أن دخلت بكامل قوتها العسكرية إلى العاصمة، طرابلس، منتصف العام الماضي، في استعراض كبير، وذلك تحدياً لوزير الداخلية، “باشاغا”، المحسوب على ميليشيات مصراتة، والذي تتهمه الكتيبة بمحاولة تصفيتها واتهامها بالفساد.
آخر تطورات المشهد الليبي، وإعلان “باشاغا” العملية الأمنية الأخيرة، يرجعها “الجعفري” إلى وجود رغبة لدى وزير الداخلية بتعزيز قبضته على طرابلس ونشر القوات الداعمة له في المزيد من مناطق البلاد، الخاضعة لسيطرة حكومة الوفاق، مضيفاً: “يمكن القول إن باشاغا يطمح لإجراء عملية تطهير جزئية لمجموعات مناهضة له ما يمنحه المزيد من القوة على الأرض”.
وكانت أرتال عسكرية وعربات مسلحة، قد تحركت الأحد، من مدينة العجيلات التابعة للمنطقة العسكرية الغربية، نحو العاصمة طرابلس، وذلك للإعداد والمشاركة في العملية الأمنية، التي أعلن عنها “باشاغا”.
عملية سياسية مقيدة بالصراعات
حالة الصراع وعدم الانسجام في المشهد السياسي الليبي، تنعكس سلباً على التحضيرات للعملية السياسية في ليبيا، المتضمنة الانتخابات والمجلس الرئاسي والحكومة، وذلك من وجهة نظر المحلل السياسي، “حاتم بن عطية”، موضحاً: “حالة كسر العظم التي تعيشها القوى السياسي فالموجودة في طرابلس والمشكلة لحكومة الوفاق تحد من سرعة إجراء العملية السياسية، خاصةً وأن كل طرف من تلك الأطراف تسعى لإثبات نفسها على حساب الأخرى، بهدف تصدر المشهد”.
كما يشير “بن عطية” إلى أن الفترة القادمة قد تشهد تصاعداً في حدة المواجهات بين “باشاغا” و”السراج” أو أطراف أخرى ضمن حكومة الوفاق، سواءا سياسية كانت أم عسكرية، ما يعني أن غرب ليبيا قد يدخل في مرحلة يمكن وصفها بـ “تجزيء الصراع”، أو صراع الحلفاء على البروز، وهو ما سيؤثر حتماً على انخراط تلك المكونات والأطراف في العملية السياسية، على حد وصفه.