“فوق الموتة عصة قبر” مثل شعبي قاله المواطن السوري “كنان” لمرصد الشرق الأوسط وشمال افريقيا “مينا”، تعليقا على قرار وزارة النقل التابعة للنظام السوري أمس الأربعاء، بإغلاق موانئ الصيد والتنزه على طول الساحل السوري “بسبب سوء الأحوال الجوية”.
وأغلقت وزارة النقل، موانئ الصيد والنزهة على طول الساحل السوري اعتباراً من مساء أمس الأربعاء وحتى إشعار آخر، اذ شهدت مناطق الساحل أمطارا غزيرة، بعد احتباس طويل.
المديرية العامة للموانئ أكدت في بيان لها أنها “أغلقت الموانئ باستثناء ميناء البسيط وإيقاف أعمال الصيد البحري ونقل الركاب بالزوارق بسبب سوء الأحوال الجوية”.
ووصلت مساء أمس الأربعاء العاصفة التي تعرف شعبيا لدى البحارة باسم “نوة الفيضة الكبيرة” إلى الشواطئ السورية، اذ توقعوا أن تبدأ قبل أسبوع اعتمادا على خبرة متوارثة عبر الأجيال.
“كنان” أكد لـ”مرصد مينا” أن “مواطني الساحل السوري بات اعتمادهم الأساسي للمعيشة على الصيد، بعد أن التهمت حرائق أواخر الصيف الماضي غابات الساحل، ورافقها حالة جفاف قتلت إن لم تأكلها النيران، المحاصيل الزراعية التي يعتمد عليها فلاحوا المنطقة.”
التصدير وأزمة الجوع..
مأساة كبرى وفقر مدقع يضرب كافة المناطق السورية بسبب سوء الوضع الاقتصادي والحصار المفروض على النظام، وما زاد “الطين بلة” أن النظام يحاول تفادي الوضع الاقتصادي السيئ بتصدير منتجات الزراعة إلى حلفائه وبالأخص روسيا والعراق، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع غير مسبوق بأسعار المنتجات الزراعية في الداخل السوري، ويعاني المواطنون منه، حسب أهالي.
وهذا ما أكده مدير مكتب الحمضيات في وزارة الزراعة “سهيل حمدان”، في ديسمبر/ كانون الثاني الفائت، موضحاً أنه “يتم تصدّر الفائض من الحمضيات إلى العراق وروسيا، والهدف هو التصدير إلى دول أخرى لأن منتَج الحمضيات مطلوب ومواصفاته جيدة وينضج قبل مصر وتركيا.
من جهته، أكد رئيس غرفة تجارة وصناعة طرطوس “مازن حمّاد” في نوفمبر/ تشرين الثاني، توقيع عقود واتفاقيات مع روسيا، تضمنت تصدير حوالي 700 حاوية من الحمضيات والخضار والفواكه التي تزرع بكثرة في الساحل السوري إلى الأسواق في جنوب روسيا.
ونقلت صحيفة الشرق الأوسط أواخر العام المنصرم عن الهيئة العامة للجمارك السعودية قولها، إن “الصادرات السورية تتدفق بسلاسة عبر المنافذ السعودية إلى الأسواق المحلية، وتدخل الشاحنات القادمة من سوريا إلى السعودية محمّلة بالبضائع السورية من خضار وفواكه وسلع أخرى إلى الأسواق المحلية السعودية، وتتوفر بشكل “شبه دائم”.
بينما يعاني السوريون في مختلف المدن والمناطق السورية من أوضاع معيشية واقتصادية صعب، تمثل بارتفاع أسعار المنتجات محليا وانخفاض قدرتهم الشرائية، نتيجة تدني قيمة العملة المحلية، ما يمنعهم من الوصول إلى جميع المنتجات المتوفرة في الأسواق.
وجاء كل هذا في ظل حديث لنائب منسق الإغاثة الطارئة في الأمم المتحدة، عن تدهور الوضع الاقتصادي في كل مناطق سوريا، موضحًا أن “الناس غير قادرين على إطعام أسرهم”.
هجرة الزراعة..
يعيش الساحل السوري أسوأ سنواته زراعيا، بعد احتراق المحاصيل وأشجار الزيتون والفواكه والحمضيات، إضافة إلى قلة المياه فيما وصف بالجفاف الأقسى على المنطقة العام المنصرم.
أواخر الصيف الماضي التهمت حرائق نشبت في جبال الساحل السوري التهمت الأخضر واليابس، ووصل عدد الحرائق المندلعة، في 10 من تشرين الأول 2020، إلى 79 حريقًا في ريف اللاذقية، وهو الرقم الأكبر في تاريخ سوريا، حسب وزارة الزراعة التابعة لنظام الأسد.
وقالت مصادر محلية لـ”مرصد مينا” إن الحرائق المندلعة في الساحل قضت على أجزاء كبيرة من مواسم الزيتون والفواكه والحمضيات، التي تشكل المورد الاقتصادي الأساسي لسكان المنطقة”.
المصادر أكدت، أن الكثير من سكان المناطق الزراعية البعيدة نوعا ما عن الساحل، والتي تعيش فقط على الموسم الزراعي كدخل رئيسي لها، ومع استمرار الجفاف وانتظار هطول الأمطار باعتبار المحاذية للساحل السوري ليس لديها موارد مائية”. لافتة إلى أن “عدد من شبابها هاجروا إلى المدن الساحلية الأخرى بحثاً عن العمل أو الصيد، أما البعض الآخر هاجر إلى دمشق، والتحق جزء منهم بالجيش بحثا عن دخل مادي يقهم وأهاليهم الجوع والعوزة”.
وأكد مدير مكتب الحمضيات في وزارة الزراعة، أن “نسبة إنتاج الحمضيات لعام 2020 انخفضت بنسبة 25 بالمئة في 2020 عن العام السابق 2019. موضحاً أن “إنتاج الحمضيات بلغ عام 2020 نحو 800 ألف طن مقارنة مع السنوات السابقة، إذ بلغ الإنتاج فيها أكثر من 1.1 مليون طن”.
إقبال على الصيد..
الفقر وانعدام سبل الزراعة للأسباب السابقة، فرض على السكان خياراً واحداً وهو الأسلم لمن لا يريد أن يشارك في معارك النظام ضد شعبه، وهو الذهاب في امتهان الصيد، منه للأكل أو الإتجار به، فارتفع مؤخرا الإقبال على الصيد في الساحل السوري، حتى باتت الناس يأكلون من شدة الفقر والجوع كل ما تتناوله شباكهم من حيوانات بحرية لم يأكلها سكان المنطقة سابقا.
وسجلت مناطق السحل السوري خلال الشهر الجاري العديد من حالات الموت تسمما بسمكة “الفوغو” او البالون، وشهدت محافظتي اللاذقية وطرطوس خلال الايام الفائتة ما سمي بالتسمم الجماعي نتيجة تناول “سمكة النفيخة” كما يطلق عليها السكان المحليون، التي اعتبرت مؤخرا من أرخص الأسماك المباعة هناك، والتي تحوي على سمّ أقوى من سم “السيانيد” بـ 1200 مرة، بحسب الموقع الإلكتروني لشبكة “جيوغرافيك شانيل” المتخصصة بالحياة البرية والبحرية وعلم الأحياء، والتي تعتبر من الأنواع الأغلى ثمناً في اليابان، ويقدم كوجبة يقوم على تحضيرها، كبار الطهاة المجازين بإعداد هذه النوعية عالية الخطورة، من الأسماك التي يبلغ تعدادها 120 نوعاً حول العالم.
اليوم يوقف نظام الأسد الصيد في مناطق الساحل، في الوقت الذي يعجز فيه عن تأمين أبسط سبل العيش لمواطنيه، الذين باتوا يصطفون على طوابير الموت قبل وقوفهم على طوابير الخبز والوقود، وفق وصف سكان محليون، اذ يحرمهم النظام من المنتجات باختفائها أو رفع أسعارها، بسبب تصديره للخارج.