تراجعت حكومة الوفاق الليبية عن رفع سعر”رغيف الخبر”، بعد حالة الغليان الذي شهدها الشارع والاستياء العام من الارتفاع المفاجئ لسعر “رغيف الخبز” اذ وصل سعر ثلاثة أرغفة إلى “دينار ليبي”، بينما رفعت أسعار الدقيق لتصل إلى 210 دنانير للقنطار الواحد، أي ما يعادل 47 دولارا تقريبا، بعد أن كان يباع بـ155 دينارا.
ارتفاع سعر الخبز أثار موجة من الاستياء العام تنذر بثورة شعبية، في ظل ارتفاع أسعار السلع الغذائية التي تضاعفت بسبب غياب الرقابة والفساد المستشري في مفاصل حكومة الوفاق.
وأعلن مركز الرقابة على الأغذية بحكومة الوفاق الليبية الاتفاق على عودة سعر رغيف الخبز إلى ما كان عليه، واتهم نقيب المخابز “سعيد بوخريص” شركات المطاحن العامة والخاصة برفع أسعار الدقيق إلى أعلى مستوى أي إلى 220 دينارا. كما رفعت أسعار المواد الاخرى، كالخميرة والزيت والملح والسكر.
إلى جانب ذلك، أكد مصادر مطلعة لـ”مرصد مينا” أن “ثلاثة أرغفة من الخبز أصبحت تباع بدينار، اذ رُفع سعر الخبز من ربع دينار إلى 33 قرشا”. مشيرة إلى أن “ارتفاع سعر الخبز والمواد الأساسية قد يدفع نحو حراك شعبي، فالمواطن يفتقد إلى أغلب الخدمات الضرورية، بسبب السياسات الفاشلة لحكومة الوفاق”.
اغلاق المخابر..
ووضعت وزارة الاقتصاد تسعيرة جبرية لرغيف الخبز الذي يزن 100 غرام بربع دينار، بينما لم تلتزم المخابز بهذه التسعيرة، نتيجة الارتفاع الحاد بأسعار الدقيق، اذ وصل سعر الدقيق للاستخدام المنزلي الى 250 ديناراً للقنطار “100 غرام”، وبلغ سعر الكيلو غرام 3 دنانير في مختلف المحلات والأسواق.
وأكد مركز الرقابة على الأغذية أنه “قرر العودة إلى السعر السابق للخبز، بعد اجتماع عقده مع مدير عام شركة المطاحن والأعلاف ومدير جهاز الحرس البلدي طرابلس وأعضاء عن نقابة الخبازين”، مؤكداً أن “على جميع المخابز التقيد بالمواصفات القياسية والصحية الخاصة بالمخابز، وعدم استخدام المواد الغذائية المحظورة في تصنيع الخبز”.
وكانت وزارة الاقتصاد في حكومة الوفاق الوطني فرضت أسعارا جديدة لرغيف الخبز زنة 100 غرام بسعر 200 درهم خلال العام الماضي، إلا أن الرغيف بقي في العاصمة طرابلس بقيمة دينار واحد لكل ثلاثة أرغفة، فيما اعتمدت قلة من المخابز التسعيرة الجديدة.
ورفض “بوخريص” تحميل أصحاب المخابز كامل المسؤولية، لافتاً إلى أن “اعتمادات استيراد الدقيق لم تفعّل منذ 8 أشهر، وأسعار الدقيق تشهد ارتفاعاً منذ سنوات، هناك استغلالا واضحا للظروف الحالية من قبل الشركات المختصة”.
كما أكد نقيب الخبازين أن “النقابة حاولت إقناع أصحاب المخابز بالانتظار، وعدم رفع سعر الخبز لأيام، حتى يتم إيجاد حل مع المطاحن والوزارات المعنية، لكنهم لم يستجيبوا.”
وشهدت المدن والبلدات الليبية خلال الأيام القليلة الماضية، إغلاقا شبه تام للمخابز، وذلك نتيجة النقص الكبير في مادة الطحين في الأسواق، وسط الارتفاع الحاد بأسعاره، خاصة بعد خفض سعر العملة المحلية أمام الدولار الأمريكي.
في سياق متصل، قالت وزارة المالية بحكومة الوفاق في بيان لها: إن “الوزير يدرس حال المخابز بعد ارتفاع أسعار الطحين الامر الذي أدى إلى ارتفاع أسعار رغيف الخبز، وتم تكريسه لبحث سير العملية الإنتاجية بالمخابز وتوفر مادة الدقيق والقمح لدى المطاحن والمخابز، وإمكانية الإسراع في توريد المخزون الكافي منهما”. مشدداً على أنه “من الضروري التزام المخابز بضوابط تصنيع الخبز وأسعاره المقررة من الوزارة ومتابعة تنفيذها من قبل الجهات الضبطية”.
الدولار والطحين..
ويؤكد مراقبون لـ”مرصد مينا” أن “رفع سعر الرغيف هو واحد من الانعكاسات السلبية لارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الدينار بنسبة 230 في المئة، بعد دخول قرار توحيد سعر الصرف حيز التنفيذ في يناير/ كانون الثاني الجاري، اذ كان سعر الدولار الرسمي قبل هذه الخطوة يبلغ نحو 1.4 دينار “.
يذكر أن مصرف ليبيا المركزي بدأ، في الثالث من يناير/كانون الثاني الجاري، تطبيق سعر جديد يبلغ 4.48 دينار للدولار الأميركي، بعد الاتفاق على ذلك بين سلطتي غرب وشرق البلاد، ليقترب السعر من القيمة التي يجري التعامل بها في السوق السوداء”.
وأكد أستاذ الاقتصاد بجامعة بنغازي “عطية المهدي الفيتوري” لوسائل الاعلام أن “سعر رغيف الخبز في ارتفاع منذ مدة، والحكومة عاجزة عن المراقبة وفرض سعر معين على المخابز، وحجم الرغيف يتغير، فلا يوجد حجم أو وزن محدد له، متهما مصرف ليبيا المركزي في طرابلس بأنه يساهم في ارتفاع الأسعار بطريقة غير مباشرة”.
كما أشار الفيتوري” إلى أن “استقرار الاقتصاد أهم من انخفاض حجم الاحتياطيات؛ لأن الاحتياطيات غرضها استقرار الاقتصاد، بالإضافة إلى أن ليبيا تملك احتياطيات تكفيها لأكثر من خمس سنوات حتى وإن أغلقت محابس النفط”.
مصادر حكومية رجحت أن يكون ارتفاع أسعار الخبز نتيجة النقص في مادة الدقيق لدى كثير من المخابز خاصة بعد ارتفاع أسعارها في السوق التجارية، نتيجة تعديل سعر الصرف.
واعتمدت ليبيا على مدار السنوات الماضية، سعرين رسميين للصرف: الأول هو 1.40 دينار في مقابل الدولار الواحد، مخصص حصراً للأغراض الحكومية. والثاني 3.9 دينار للأغراض التجارية والشخصية، وقد حدث تعديل سعر صرف الدينار خلال أول اجتماع موحد لمجلس إدارة البنك المركزي الليبي منذ عام 2014.
وبحسب إحصائيات رسمية فقد خسر الدينار الليبي خلال النصف الأول من العام 2020، 54% من قيمته بالسوق الموازية، وخفضت ليبيا عملتها رسمياً بنسبة 62% في العام 2002 بهدف تعزيز قدرتها التنافسية.
مصرف ليبيا المركزي فرض مزيدا من سياسات التقشف وتخفيض الإنفاق العام، الأمر الذي أثر سلبا على المرتبات والدعم، ما فاقم معيشة الليبيين، اذ أعلنت حكومة الوفاق أنّ طرابلس ستواجه أزمة مالية وعجزاً في ميزانية 2020، بسبب استمرار إغلاق المنشآت النفطية.
وتراجع إنتاج ليبيا من النفط بشكل كبير منذ 18 يناير/ كانون الثاني عندما بدأت عمليات الإغلاق، وقالت المؤسسة الوطنية للنفط، الخميس الماضي، إن إنتاج النفط الخام هبط إلى 163.684 ألف برميل يوميا، وكان الإنتاج قبل الثورة عام 2011 يبلغ نحو 1.6 مليون برميل يوميا.
يشار إلى أنه ينتشر في ليبيا أكثر 4100 مخبزاً ينشر على مختلف أنحاء ليبيا، إضافة إلى أكثر 55 مطحن دقيق، فيما تستهلك ليبيا 1.3 مليون طن من القمح سنويا لتغطية حاجة السوق المحلية، تستورد 75 في المئة منها بعدما تراجع الإنتاج المحلي من القمح إلى 250 ألف طن.
وكانت ليبيا تنفق ملياري دولار سنوياً لدعم الدقيق والأرز والسكر والشاي وبعض السلع الأخرى ولكنها رفعت الدعم السلعي منذ العام 2015 دون توفير دعم نقدي للمواطنين.