مع كشف عضو البرلمان العراقي، “كاطع الركابي” عن تصاعد أعمال النهب لعقارات الدولة العراقية وفشل كافة لجان التحقيق في التوصل إلى نتائج قادرة على الحد من عمليات السطو تلك، يفتح ملف فساد آخر في البلد الذي يصنف كواحد من أكثر دول العالم انتشاراً لتلك الظاهرة.
يشير “الركابي” إلى أن تسلط الطبقات السياسية على العقارات المملوكة للدولة بدأ منذ عام 2003، وأنه لا يزال مستمراً منذ ذلك الوقت وبوتيرة متسارعة رفعته إلى مستوى النهب، متهماً جهات متنفذة داخل البلاد بالوقوف خلف تلك العمليات ودعمها ومنع القضاء من متابعة لجان التحقيق.
يذكر أن تقارير دولية، كشفت عن ارتفاع مخيف في معدلات الفساد في العراق، مبينةً أن تكلفة الفساد منذ 2003 وحتى 2020، وصلت إلى 450 مليار دولار أمريكي.
بالأرقام .. واحدة من أكبر مصائب البلاد
يصف “الركابي” عمليات التسلط على العقارات في العراق بانها واحدة من أكبر المصائب، التي تعاني منها الدولة العراقية، خاصة مع ضعف الدولة وعدم قدرتها على التصدي للطبقة المتعدية على أملاك الدولة وأراضيها،
وكانت مصادر في مجلس مكافحة الفساد العراقي، قد أعلنت أن إجمالي ملفات الفساد في العراق تصل إلى 147 ألف ملف، 4 آلاف منها تتعلق بالسطو والهيمنة على الممتلكات العامة في العاصمة بغداد وحدها.
في السياق ذاته، يبين الباحث في الشأن العراقي، “عباس الدليمي”، أن سطوة الميليشيات وارتباطها بطبقة سياسية معينة، شكل ثنائي كبير جداً في ملف الهيمنة والسيطرة على أملاك وعقارات الدولة، مشيراً إلى أن الفساد في العراق عموماً يقوم على تلك الثنائية، سواء الفساد المالي أو الإداري.
كما يضيف “الدليمي”: “كلا الطرفين، الميليشيات أو السياسيين، يشكلان غطاء لبعضهما وحماية من الملاحقة القضائية أو الأمنية، بالإضافة إلى أن تسلط الميليشيات على القرار السياسي صنع شريحة من القادة والمسؤولين أقوى بكثير من الأجهزة القضائية والأمنية”، معتبراً أن تلك المعضلة هي واحدة من المعضلات، التي لا يمكن حلها إلا بتفكيك الميليشيات وتفعيل الأجهزة الرقابية والقضائية.
إلى جانب ذلك، يلفت “الدليمي” إلى أن عدد كبير من الأملاك والأراضي والعقارات الرسمية بيعت بمحاضر وعقود رسمية، لكن بأسعار قريبة من المجان، لصالح قياديين في الميليشيات وسياسيين ومسؤولين، معتبراً أن آفة الفساد في العراق باتت أكبر من المتخيل أو المعلن عنه.
شرائح وأوجه متعددة للفساد
تقسم مصادر عراقية مطلعة السطو على أملاك الدولة العراقية إلى شريحتين أساسيين، أولهما السطو بمعناه المطلق، أي وضع يد السياسي أو المسؤول أو القيادي الميليشيوي على العقار أو الأرض بشكل مباشر وعلني ودون دفع أي مقابلٍ مادي سواء للشراء أو البيع.
أما الشريحة الثانية، فهي تضم بحسب المصادر عقارات وأملاك رسمية تم بيعها أو إيجارها بمبالغ زهيدةٍ جداً، مشيرةً إلى ان السطو يطال أيضاً أملاك إنتاجية واستثمارية مثل الأراضي أو الآليات أو المنشآت الخدمية، والتي تذهب كل عائداتها إلى المسؤول أو السياسي المسيطر عليها.
وتؤكد المصادر أن معظم لجان التحقيق كانت تشكل من قبل أشخاص مرتبطين بتلك العمليات وتضم في عضويتها أيضاً أناساً مستفيدين من الفساد أو مرتشين، أو في أحسن الأحوال تتعرض لضغوط كبيرة جداً من قبل جهات عليا، لتغيير تقاريرها، مشيرةً إلى أن من وقع من طبقة الفاسدين في يد القضاء، وقع لأن الجهات الداعمة له رفعت يدها وغطاءها عنه.
يذكر أن العراق شهد خلال السنوات الماضية، محاكمة عدد قليل من المسؤولين السابقين، بتهم فساد متعددة، بينهم وزير التجارة، “عبد الفلاح السوداني”، الذي حكم عليه بالسجن 21 عام، بعد أن ادين بثلاث قضايا فساد، والنائب السابق في البرلمان، “محمود ملا طلال” والذي عوقب بالسجن 6 سنوات، ووزير التجارة “ملاس الكسنزان”، الذي عوقب بالسجن 7 سنوات غيابياً بتهمة هدر المال العام.
قصور صدام حسين.. بين قوة السلاح والتزوير
تلفت المصادر إلى أن من بين الأملاك الرسمية، التي تعرضت للسطو والاستملاك، هي قصور الرئيس العراقي الأسبق، “صدام حسين”، مشيرةً إلى أن عدداً من عناصر الميليشيات العراقية دخلتها واستولت عليها بقوة السلاح، بحجة تحويلها إلى مقرات.
كما تبين المصادر أن بعض أملاك الرئيس الأسبق، تم الاستيلاء عليها بموجب عقود مزورة، لصالح مجموعة من المتنفذين، وانه تم توثيق تلك العقود في الدوائر الرسمية العراقية، لتكون عقود صحيحة وقانونية.
يشار إلى أن مجلس النواب العراقي قد تعهد عام 2020، بفتح ملف بيع أملاك الدولة، وما رافقه من فساد وسيطرة الأحزاب والكيانات السياسية عليها.