وجّه 15 برلمانياً يمثلون المدن الكردية في البرلمان الإيراني، قبل أيام رسالة إلى المرشد الإيراني “علي خامنئي”، تنتقد ما أسموه بالإساءات المتكررة في برامج التلفزيون الرسمي، إلى القوميات غير الفارسية في إيران.
النواب الكرد اتهموا في رسالتهم التلفزيون الإيراني بنشر “الكراهية والتزييف والإساءة”، مشتكين من توجهات التلفزيون الإيراني في تعامله مع أبناء القوميات، التي وصفوها بالخاطئة والمعارضة للأمن والتلاحم الوطني.
وتأتي الرسالة بعدما أثار برنامج تلفزيوني في القناة الرسمية الثانية، غضباً بين الأكراد في إيران، حين سأل مقدم البرنامج أحد ضيوفه؛ وهو أكاديمي كردي، عن سبب ارتداء “ملابس الرعاة”، ليرد الضيف بطريقة هادئة بشرح دلالات ملابس الرجال الكرد وجذورها التاريخية، قائلاً إنها “رمز التخلص من قبضة الظلم والأجانب”.
النواب طالبوا “خامنئي”، الذي ينصّب رئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون، أن يمنع تكرار بث برامج “تعارض الوحدة وتسيء للقوميات”، وأن يعاد التدقيق في اختيار المقدمين والضيوف، ونقل موقع “خبر أونلاين” عن النائب “كمال بور حسيني” في إنذار وجهه للتلفزيون من منصة البرلمان، قوله إن “الكرد من أقدم القوميات وأكثرها أصالة في إيران. لماذا يوجه التلفزيون الوطني، الذي تتوفر موازنته من بيت المال، إساءات يومية للقوميات الإيرانية الأصيلة مثل الكرد واللر والتركمان والبلوش؟”.
مواطنون من الدرجة الثانية..
رسالة النواب الأكراد الناقدة للتمييز القومي والطائفي تعتبر الثانية خلال العشرين يوم الاولى من العام الجاري، ففي 6 يناير/ كانون الثاني 2021، بعث الشيخ “مولوي عبد الحميد زهي” الزعيم الروحي لأهل السنة في إيران، رسالة إلى المرشد الأعلى علي خامنئي، قال فيها إنه “بعد 42 عاما من انتصار الثورة الإيرانية، وحتى الآن، ما زال يجري اعتبار أهل السنة مواطنين من الدرجة الثانية”.
الزعيم السني، الذي اعتاد انتقاد ما وصفه بالواقع المرير المتمثل في “عدم وجود حقوق متساوية للأقليات الدينية والقومية في إيران”، واستشهد في رسالته بقضايا عدم تعيينهم في مناصب الوزير، والمحافظ، ومستشار أو مساعد رئيس الجمهورية، أو ممثل المرشد أو مستشاره، و”قلة توظيفهم” في الوزارات، والقوات المسلحة، وكذلك في الدوائر الحكومية بمراكز المحافظات السنية.
وطالب “زهي” دائما بمراعاة الحرية المذهبية لأهل السنة في مجالات التعليم والتربية وإقامة صلاة الجمعة والجماعات والمناسبات الدينية الأخرى وفقا للدستور، وأن لا يٌسمح لأحد بالتدخل في شؤونهم.
في إحدى خطبه السابقة انتقد الزعيم الروحي للسنة سياسة التمييز الطائفي ضدهم، قائلا “إن أهل السنة في إيران، كانت لهم مشاركة في إنجاز الثورة، وكذلك دور بارز في الوحدة الوطنية، لأجل ذلك فإنهم فرصة هامة للنظام يستطيع أن يستغلها في سبيل اكتساب مودة ومحبة كافة أهل السنة في البلاد الإسلامية الأخرى والتقرب إليها”.
وبسبب مواقفه المدافعة عن قضايا حرية الأديان والأحزاب والإعلام وحق التعبير والنشاطات المدنية، تعرض الشيخ “عبد الحميد زهي” إلى مضايقات مستمرة من السلطات، حيث مُنع من السفر إلى المحافظات الأخرى التي تضم سكان من السنة، إضافة إلى منعه منذ سنوات من السفر خارج إيران إلى مؤتمرات إسلامية.
كما يعتبر من الشخصيات السنية المعتدلة التي تحظى بشعبية كبيرة داخل وخارج إيران، وله مواقف سابقة انتقد تدخلات طهران الخارجية، وكذلك هيمنة الحرس الثوري على الحياة السياسية والاقتصادية في البلاد.
خريطة مجتمعية معقدة..
تعد إيران دولة متعددة القوميات، العرقية والإثنية، اذ يصل عدد القوميات العرقية إلي ستة هي: الفارسية، والعربية، والكردية، والبلوشية، والتركمانية، والآذرية.
وتكشف الإحصاءات المتعددة والمختلفة عن تعداد تلك القوميات، لكن كثيرا من التقديرات يشير إلى أنه من بين قرابة 84 مليون نسمة هم تعداد سكان إيران “حسب الإحصائيات الأخيرة”، يشكل الفرس من الناحية القومية نحو 61 بالمئة منهم، فيما تمثل القوميات غير الفارسية حوالي 39 في المائة، منهم الآذريون 16 بالمئة، الأكراد 10 في المائة, اللور 6 بالمئة ، ثم العرب والتركمان والبلوش وكل منهم يمثل 2 بالمئة، وقوميات أخرى تمثل 1 بالمئة.
أما من الناحية المذهبية، يتبع ما يقرب من 84 بالمئة من السكان المذهب الشيعي، فيما يشكل السنة 15 في المائة، وتتوزع نسبة الـ1 بالمئة الباقية بين الأرثوذكس الأرمن واليهود والزرادشت وغيرهم.
دستور بمظاهر تمييز مختلفة..
تتنوع مظاهر التمييز ضد الشعوب غير الفارسية والأقليات الدينية في إيران بين تمييز عرقي وديني، وتختلف شدته من إقليم إلى آخر، لكنها تشترك جميعاً في الإقصاء والتهميش السياسي بكل مستوياته في مناطقهم والمناصب الحكومية.
وتبرز معاناة البلوش والأكراد والتركمان بسبب التهميش المفروض عليهم بسبب انتمائهم الديني. هذا التهميش يبدأ من الدستور، حيث يحتوي الدستور الإيراني على مواد كثيرة تفرض التمييز على الأقليات الدينية؛ ذلك أنه يشترط الالتزام بالمذهب الرسمي للحصول على الحقوق المدنية والحريات المشروعة.
يذكر أن الدستور ينص على أن المذهب الشيعي الاثنى عشري هو الدين الرسمي في البلاد، ويمنع على هذا الأساس أي نشاط دعوي لأتباع باقي المذاهب بمن فيهم أهل السنة والمسيحيون والصابئة المندائيون والزرادشتيون والبهائيون.
كما، يمنع الدستور بوضوح غير المنتمين إلى المذهب الرسمي من تولي مناصب سيادية، مثل منصب مرشد الجمهورية أو عضو مجلس القيادة والمناصب الرئيسية الأخرى، مثل منصب رئيس الجمهورية؛ إذ يجب أن يكون ملتزماً بالمذهب الشيعي، وكذلك هو الحال بالنسبة للمناصب القضائية ورئاسة الأقاليم المختلفة. وتعتمد المؤسسات الحكومية وغير الحكومية العائدة إلى السلطة نظاماً صارماً لتحديد الانتماء الديني للراغبين في العمل قبل قبول طلبات توظيفهم؛ ما يجلب لهم تهميشاً متعمداً في شتى المجالات.
وتفرض المادة 15 من الدستور الإيراني اللغة الفارسية كلغة رسمية للتعليم وفي الدوائر الحكومية والمراسلات، لكنها تعترف بحق الشعوب غير الفارسية بالنشر وتعليم آدابهم بلغاتهم.
ومع هذا تعارض السلطات تنفيذ الجزء الثاني من هذه المادة بذريعة تهديد الأمن القومي، إذ لم يتم تنفيذ مواد الدستور التي تنص على الحقوق المشروعة للأقليات، ومنها على وجه التحديد المادة رقم (15) التي تقضى بضرورة تدريس لغات هذه الأقليات وآدابها في المدارس والسماح لها بإصدار الصحف والمجلات بلغاتها القومية، والمادة (19) التي تنص على التكافؤ في التنمية الاقتصادية والسياسية والثقافية بين جميع الأقليات الايرانية، مما أدى ذلك إلى تزايد مشاعر الإحباط لدى هذه القوميات.
أقليات على المقصلة..
قالت مجموعة «نشطاء حقوق الإنسان» الإيرانية أواخر ديسمبر /كانون الاول العام المنصرم، إن مئات أحكام الإعدام صدرت خلال عام 2020، بحق مواطنين إيرانيين، كما أصدر القضاء أحكاماً بالسجن والجلد ضد عشرات الآلاف من المواطنين.
وأوضحت المجموعة في تقريرها السنوي الصادر حول قمع القضاء ضد الأقليات والشرائح والنقابات الإيرانية خلال عام 2020، أن النظام الإيراني أصدر أحكاماً بالسجن تزيد على 22271 شهراً ضد مختلف الشرائح في المجتمع الإيراني بينهم أطفال ونساء، كما شهدت 2020 في إيران 236 حالة إعدام، غالبيتهم من الأقليات تمت 72 بالمئة منها بشكل سري، حسب موقع “إيران انترناشيونال”.