في وقت يعيش اللبنانيون أزمات سياسية واقتصادية ألقت بظلالها على جميع مناحي الحياة، وارتفاع حاد بأسعار السلع، تشهد نسب تعاطي المخدرات وتجارتها في لبنان ارتفاعا أيضا، حيث تكاد لا تخلو نشرة أخبار من خبر توقيف تاجر أو متعاط.
وعلى الرغم من ارتفاع أسعار جميع السلع والأدوية والمحروقات إلا أن معظم أصناف المخدرات المتوفرة في لبنان بقيت أسعارها على حالها، كما انخفض بعضها بشكل لافت، مقارنة بما كانت عليه أسعار المواد المخدرة نهاية العام 2019 ومطلع العام 2020، أي قبل استفحال الأزمة الاقتصادية، وبين أسعار اليوم، يظهر أنه لم يطرأ تغيير كبير عليها، علما أن سعر صرف الدولار وصل إلى 8700 ليرة.
لا توجد إحصاءات رسميّة حكومية عن أعداد المدمنين والمروجين للمخدرات، لذا تقوم بعض الجمعيات المدنية بهذه الإحصاءات والعمل مع المرجعيات الرسمية للوصول إلى مجتمع خال من المخدرات.
في عام 2018، أعدت إحدى الجمعيات دراسة إحصائية، شارك فيها 3274 شاباً وشابة تراوحت أعمارهم بين 18 و35 سنة من مختلف المناطق اللبنانية، وأظهرت الدراسة أن نسبة المتعلمين هم الأكثر استخداماً وتبلغ نسبتهم 49.7 في المئة، كما تتراوح الأعمار الأكثر استخداماً للمخدرات ما بين 20 و30 سنة، وتبين أن النساء أكثر استخداماً للمخدرات من الرجال، إذ بلغت نسبتهنّ 52.5 في المئة، بينما سجل الرجال 47 في المئة.
وتقول مصادر لبنانية مطلعة، إن هذه النسب مختلفة عما صدر عن مراكز العلاج، خاصة خلال السنة الماضية، مشيرة الى ارتفاع أعداد المتعاطين من الأطفال، ومؤكدة أن نسبة كبيرة من المتعاطين في السجون ما زالوا يحصلون على المخدرات.
أرقام مكتب مكافحة المخدرات المركزي تشير إلى أنّ هناك أكثر من 3 آلاف شخص يلقى القبض عليهم سنوياً ويخلى سبيلهم بسند إقامة، وبين ألفي و3 آلاف يتمّ توقيفهم بقرار قضائي.
ارتفاع أعداد المتعاطين من الأطفال
يكشف الدكتور “سلامة شماعي” وهو مسؤول في أحد المراكز التي تعنى بالمدمنين، عن ارتفاع نسب معدلات الإدمان في لبنان، وسبب تزايد أعداد المتعاطين و المدمنين خلال السنة الأخيرة، مؤكدا أن المركز لاحظ في السنتين الأخيرتين، ازدياد نسبة المتعاطين، وأن الأعمار التي تطالها آفة الإدمان أصبحت ما بين 12 و13 سنة، في حين أن أعمار المدمنين كانت من سن الـ 16 و17 سنة.
ويرى “شماعي” أن أهم أسباب لجوء الشباب والأطفال إلى الإدمان، المشاكل العائلية وتليها محاولة الشباب الاستقلال عن الأهل “بخاصة في بداية سن المراهقة”، من خلال اللجوء إلى جماعات تكون موجودة في الأحياء، أغلبها إما عاطلة من العمل أو تركت المدرسة لأسباب متعددة، فيدخل المراهق في سلوكياتها، والسبب الثالث من حيث الأهمية، البطالة، وهذا السبب يطال الفئات العمرية الأكبر”.
بالإضافة الى ذلك، يشير “شماعي” الى سهولة الحصول على مادة الحشيشة وغيرها من المواد المخدرة بسهولة في المجتمعات اللبنانية المختلفة، فإن هناك أنواعاً من الحبوب محليا وتروّج بأسعار زهيدة.
أما فيما يتعلق بالمدمنين، فيوضح أن مراكز العلاج الموجودة على الأراضي اللبنانية، لا تستطيع استيعاب أكثر من 2000 إلى 3000 مدمن، وعدد اللبنانيين بحسب التقديرات غير الرسمية يتجاوز منذ سنوات 35000 مدمن، مؤكدا انه لا توجد خطة حكومية محددة وواضحة لمكافحة الإدمان.
مراحل الادمان
يرى “شماعي” أن المدمن أو من يتعاطى المخدرات بصورة دورية، يمر بثلاثة مراحل أولها مرحلة الاعتياد حيث يضطر فيها المرء على التعاطي دون أن يعتمد عليه نفسيا أو عضويا وهي مرحلة مبكرة، غير أنها قد تمر قصيرة للغاية أو غير ملحوظة عند تعاطي بعض المخدرات مثل الهيروين، المورفين والكراك، أما المرحلة الثانية فهي مرحلة التحمل و يضطر خلالها المدمن إلى زيادة الجرعة تدريجيا وتصاعديا حتى يحصل على الآثار نفسها من النشوة وتمثل اعتيادا نفسيا وربما عضويا في آن واحد .
المرحلة الثالثة هي الأخطر وتسمى الاستبعاد أو التبعية حيث يذعن فيها المدمن إلى سيطرة المخدر ويصبح اعتماده النفسي والعضوي لا إرادي ويرجع العلماء ذلك إلى تبدلات وظيفية ونسيجية بالمخ، وعندما يبادر المدمن إلى إنقاذ نفسه من الضياع ويطلب المشورة والعلاج فإنه يصل إلى مرحلة الفطام والتي يتم فيها وقف تناول المخدر بدعم من مختصين في العلاج النفسي الطبي وقد يتم فيها الاستعانة بعقاقير خاصة تمنع أعراض الإقلاع.
ملف شائك يخضع للميليشيات والاحزاب
يعتبر الصحفي “نداء عباس” أن ملف المخدرات في لبنان من أبرز الملفات الشائكة، لأسباب عديدة أبرزها أن البنية التي يعتمد عليها التجار والمروجين المرتبطين بالميليشيات والأحزاب التي فرضت قوتها بالسلاح وخاصة في مناطق بعلبك الهرمل والجنوب حيث الشبكات التي تعمل تحت الأرض وتسير أعمالها بعيداً عن عيون الجهات الرسمية.
ويشير “عباس” الى أن مئات المطلوبين بتهم الترويج والتجارة عليهم مذكرات توقيف لم تتمكن أجهزة الأمن من القبض عليهم بسبب الغطاء السياسي الذي يحظون به.
أما عن دور الحكومة فيؤكد “عباس” أن الدولة التي تعاني من الفساد، ربما لن تستطيع السيطرة على مناطق زرع الحشيش، فالمنطقة المفترض الاستثمار فيها (بعلبك – الهرمل) هي منطقة عشائرية تخضع لنفوذ ميليشيات “حزب الله” وحركة الأمل، اللذين يعملان منذ سنوات على تسهيل زراعة وبيع الحشيش وتهريب المخدرات.
وكان رئيس مكتب مكافحة المخدرات المركزي العقيد هنري منصور قد صرح للإعلام أن “هناك صعوبة في ضبط إدخال المخدرات إلى السجون، وكذلك عبر المطار، واعتبر أن لبنان البلد الوحيد الذي لا يملك مكاتب أمنية على الحدود، وأن السبب يعود إلى صراع الأجهزة الأمنية والتنافس و المناكفات وتوزيع الإدارات.
وقبل أيام أحبط الأمن اللبناني محاولة تهريب لأكثر من 800 حبة “كبتاغون”، وقرابة طن من مادة “حشيشة الكيف”، عبر مرفأ بيروت الى إحدى الدول الإفريقية.
كما أعلن الأمن المصري قبل بأسبوع عن ضبط ما وصفه بالكمية “الفلكية” من المخدرات، تمثلت بأكثر من 8 أطنان من مخدر “الحشيش”، إضافة إلى أكثر من 8 ملايين حبة “كبتاغون” المخدرة في حاوية بميناء بورسعيد.