مع ارتفاع معدلات الجريمة عموماً في العراق، بدأت تتحول الجرائم الأسرية إلى ظاهرة تجتاح المجتمع العراقي، لا سيما مع تسجيل السلطات الأمنية العراقي، لأربع جرائم مروعة خلال 72 ساعة ماضية، ما يدق ناقوص الخطر بحسب ما تراه منظمات حقوقية عراقية.
يشار إلى أن أولى الجرائم، نفذها أب بحق أولاده الثلاثة، حيث قتلهم شنقاً، حيث أقر بجريمته، وأنه ارتكبها تحت تأثير المخدرات وبسبب خلافات مع زوجته، في حين أن الجريمة الثانية ارتكبها ابن بحق والده حيث قتله حرقاً، بأن سكب عليه مادة سريعة الاشتعال أثناء نومه، دون تبيان السبب، أما الجريمة الرابعة فارتكبها رجل بحق شقيقته، بعد أن أطلق النار عليها.
خيوط جريمة تقود إلى الميراث
آخر الجرائم المسلجة في العراق، تمت الأربعاء، حيث أعلنت الشرطة العراقية أن 3 أشقاء قتلوا والدهم في مدينة بغداد بغرض الوصول إلى ميراثه، مشيرةً إلى أن الأخوة الثلاثة حاولوا أن تظهر على أنها قضية انتحار ، إلا أن القضاء لم شك بواقعة انتحار المجني عليه، ما دفع المحققين توسيع عمليات التحقيقات في القضية التي حدثت قبل أسبوع.
ووفقاً لما نشرته وزارة الداخلية العراقية، فإن الجريمة بدأت بخلافات بين الوالد وأبنائه على خلفية الحصص الخاصة بهم من ميراثه.
يذكر أن العراق قد شهد موجة جدل كبيرة العام 2020، بعد أن أقدمت والدة الطفلين “حر” و”معصومة”، وتدعى نسرين، على إلقائهما في نهر دجلة ما أدى إلى غرقهما ووفاتهما على الفور، وسط روايات أرجعت تصرف الأم إلى خلافات بينها وبين طليقها والد الطفلين.
تعليقاً على ارتفاع معدلات الجريمة الأسرية في المجتمع العراقي، يقول الباحث الاجتماعي، “عمر النعيمي”: “العراق يشهد منذ عام 2003 موجات عنف متصاعدة شهدت عمليات قتل علني، وذلك لعب دوراً كبيراً في تنشئة جيل تعرض لمشاهد القتل والعنف، ما خلق لدى شريحة كبيرة منهم قابلية للقتل حتى ضد الأقارب ولأسباب قد تكون بسيطة في بعض الأحيان”، مشدداً على أن تصرفات الإنسان واستعداداته لقيام بالأعمال ترتبط بحد كبير بالبيئة المحيطة.
ويعتبر “النعيمي” أن بيئة العراق خلال العقدين الماضيين لم تكن سليمة وخلقت ظواهر غير سوية من بينها القتل، وارتفاع مستوى قابلية الفرد لارتكاب الجريمة، منوهاً أن ضعف القضاء والتراخي الأمني أيضاً ساهم بتلك القابلية.
يذكر أن البيانات الرسمية أظهرت في وقتٍ سابق، أن العاصمة بغداد وحدها تسجل أسبوعياً 8 حالات عنف ضد الأطفال، بعضها يصل إلى حد الاعتداء المميت، مشيرةً إلى أن مأساوية قصة الطفلين “حر ومعصومة” وتوثيقها بالفيديو وظروف الجريمة هي ما ساعدت على انتشار قضيتهما، دون غيرها، ما يطرح مطالبات بتحركات جدية من قبل السلطات الأمنية للبحث أكثر في سجلات وفيات الأطفال والوقوف على أسبابها، على حد قولها.
الحالة الاقتصادية والمال
غير بعيدٍ عن الاوضاع العامة في البلاد، تربط خبيرة الأسرة، ”لمياء أركان”، تصاعد الجريمة داخل الأسرة الواحدة بالحالة الاقتصادية والمالية والمعيشية، مشيرةً إلى أن حالة الفقر والغلاء ولدت حالة من الطمع بالمال، وهو ما يفسر قتل الأبناء الثلاثة لوالدهم بغرض الحصول على ميراثه، وفقا لقولها.
وتضيف “أركان”: “من المؤسف تماماً أن أقول بأن العراق يشهد اليوم ارتفاع قيمة الدينار مقابل انخفاض قيمة الإنسان، فكثير من الجرائم الأسرية ترجع إلى قضايا الميراث، فهناك أشقاء قتلوا شقيقاتهم كي لا يحصلوا على الميراث، كما أن أبناء قتلوا والدهم او والدتهم للحصول على ورثها”، مشيرةً أن الحالة الاقتصادية ساهمت في تفكيك لأسرة ما جعل من وقوع تلك الجرائم أمرا غير مستبعد وحوله إلى ظاهرة.
كما تذهب “أركان” في حديثها عن الحالة الاقتصادية في العراق وتأثيراتها على الجرائم الأسرية، إلى أن نلك الحالة أدت في واقائع كثيرة إلى قتل الآباء لأبنائهم، بسبب عجزهم عن تأمين نفقات الحياة، أو أنها ولدت حالات من الخلاف الشديد بين الزوج والزوجة بسبب الفقر التي يدفع الأطفال حياتهم ثمناً لها.
ويعيش المجتمع العراقي على وقع أزمة اقتصادية خانقة، حيث كشفت إحصائيات غير رسمية عن احتمالية ارتفاع معدلات الفقر في العراق إلى أكثر من 40 في المئة حتى نهاية العام الجاري، وسط غياب شبه كامل للخدمات الأساسية وانتشار الجوع.