بعد أن أحيى الجزائريون الذكرى الثانية لذكرى “الحراك الشعبي” الذي أطاح بالنظام السابق والدائرة الفاسدة، خرج اليوم الجمعة آلاف المواطنين إلى الشارع يطالبون بعودة الحراك ورحيل السلطة الحالية، وذلك رغم التغيرات والإجراءات التي اتخذها الرئيس “عبد المجيد تبون” مؤخراً.
قوات الشرطة فتحت الطريق لوصول مئات المتظاهرين إلى ساحة البريد المركزي في العاصمة الجزائرية، وسط تعزيزات أمنية كثيفة، بينما ردد المتظاهرون شعارات تطالب برحيل رموز النظام السابق عن السلطة، واحداث تغيير جذري.
وكانت قوات الأمن قد أغلقت مداخل العاصمة قبل بدء المظاهرات، ومنعت المحتجين من التحرك لساحة البريد المركزي في شارع “ديدوش مراد”، وذلك بعد عام من توقف التظاهرات بسبب الاجراءحزب جبهات المتبعة لمواجهة فيروس “كورونا المستجد”.
عودة الحراك..
التظاهرات التي نظمت في عدد من أحياء العاصمة وسار المشاركين فيها إلى وسط المدينة، تجددت لأول مرة منذ مارس/آذار 2020، اذ كان يوم الجمعة الموعد الدائم للحراك الشعبي منذ خروجه في 22 فبراير/شباط 2019 والذي أجبر الرئيس السابق “عبد العزيز بوتفليقة” على الاستقالة.
ورفض المحتجون المسارات السياسية التي اختارتها الحكومة والتي تنوي القيام بها في المرحلة المقبلة، وكان شعار “دولة مدنية وليست عسكرية” الأكثر ترديدا بين المتظاهرين، بالإضافة إلى هتافات أخرى منها “الشعب يريد الاستقلال” و”الشعب يريد إسقاط النظام”، كما حمل المتظاهرون لافتات بمطالب سابقة تدعو إلى تطبيق المادتين الدستوريتين الـ7 والـ8 والتي تنص على أن “الشعب هو مصدر السلطة”.
بدوره، ندد حزب جبهة القوى الاشتراكية، أعرق أحزاب المعارضة الجزائرية، بـ”الطابع الاستبدادي للنظام” وبـ”تجاهله” للحراك. متوقعة “عودة الثورة الشعبية بأكثر عزيمة وصرامة إن واصل النظام تجاهل انشغالات المواطنين وطموحاتهم”.
وقالت الهيئة الرئاسية لحزب جبهة القوى الاشتراكية، في بيان لها، إن “من مظاهر هذا التجاهل تكثيف الإجراءات القمعية، وتوظيف بعض وسائل الاعلام ورفض كل مبادرة سياسية تهدف للخروج من الأزمة، والتي تقترح حلولا ملموسة وتوافقية، من أجل نزع فتيل هذا السياق المتفجر بشكل خاص”.
ولفتت الهيئة إلى أن “التجند الشعبي عبر كل التراب الجزائري وفي الخارج، كشف أيضا الطابع القمعي للنظام وضرورة تغييره جذريا”، لأنه “فشل في إخراج البلاد من الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والصحية”. مجددة الدعوة إلى “تغليب صوت الحكمة على السيناريوهات الكارثية للمتطرفين من كل جهة”، ولا سيما “أصحاب القرار” الذين طالبتهم بـ”تغليب المصلحة العليا للأمة من خلال السماح بانطلاق وثبة وطنية من أجل التغيير السلمي للنظام القائم”.
ركود سياسي..
إلى جانب ذلك، أوضح زعيم حزب “جيل جديد” الجزائري، سفيان جيلالي، الذي التقى ثلاث مرات مع رئيس الدولة، كانت آخر مرة في 14 فبراير، أن “الجزائر اليوم في التقاء العديد من المشاكل التي يجب حلها وجهاً لوجه، في نفس الوقت، وهو ما يعقد الوضع”.
وتعهد الرئيس الجزائري “عبد المجيد تبون”، ببذل المزيد من الجهود لبناء “جمهورية جديدة بلا فساد ولا كراهية”، وذلك بعد أيام من قرار ثبت “عبد العزيز جراد”، بمنصب رئيس الحكومة، بالإضافة إلى تقليص عدد الحقائب الوزارية في الحكومة الحالية.
كما أكد السياسي الجزائري “جيلالي” في لقاء اعلامي أن “الأحداث التي يمكن أن نتصورها تشبه أعراض مرض غير مرئي، اذ أن البلاد سئمت من حكمها ومن الأخطاء السياسية التي تبعت بعضها البعض وتراكمت منذ عشرين عاما على الأقل”، موضحاً أنه “لم يكن هناك أبدًا بناء عقلاني لعمل الدولة، وعلاوة على ذلك، كان للبلد فترتان أخيرتان لرئيس مريض (عبد العزيز بوتفليقة) وطريح الفراش، حيث كان هناك عمليًا انحلال كامل لسلطة الدولة”.
وأشار “جيلالي” إلى أنه “22 فبراير 2021 ليس مفاجأة ولا حداثة، بل مجرد فرصة للنظر إلى الوراء في ذكرى مع الرغبة في طرد الغضب والتوتر الذي يغزو الجميع بعد عام من الاحتواء”. مشدداً على أن “ركود البلاد بقيادة حكومة لا تتواصل ولا تعطي الحماس للجزائريين وتعطي الانطباع بانتظار الحلول من مكان آخر”.
رئيس حزب “جيل جديد” أوضح أن “هناك ارتباكًا خطيرًا داخل الطبقة السياسية التي، في رأيي، راكدة بسبب المفاهيم الخاطئة للفعل الذي سيكون ضروريًا لقيادتهم، ولديهم شعور بأن الصورة الشخصية، التي يرغب المرء في ترسيخها، هي التي ستنجح في خلق القائد وتحويل الأشياء وهذا نهج خاطئ تمامًا”.
المطالب وتعديلات شكلية…
وأعلن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، في خطابه للأمة في 18 فبراير بمناسبة يوم الشهيد، حل المجلس الشعبي الوطني وتنظيم انتخابات تشريعية مبكرة وتعديل حكومي وإطلاق سراح نحو 60 معتقلا من الحراك. كجزء من عفو رئاسي، وهو ما يراه البعض خطوة للتعبير عن إيمان السلطة الحالية بمشروعية الحراك ومطالبه.
التغيرات لم تمنع آلاف الجزائريين من النزول إلى الشوارع يوم 22 فبراير في الذكرى الثانية للحراك، بعد أكثر من عام، اذ يعتقدون أن الحكومة التي تم تنصيبها في أعقاب انتخاب “تبون” في ديسمبر 2019 قد فشلت في تقديم استجابات مناسبة لمختلف المشكلات السياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية
ويرى القانوني الجزائري “عمار خبابة” أن أول المطالب التي تحققت هو إبطال العهدة الخامسة بالانتخاب الشكلي، أو بواسطة التمديد عن طريق مبادرة سياسية أعلن عنها. موضحاً أن “مطالب محاكمة رموز الفساد تحقق، إلى جانب تغيير جملة من ممارسات وسلوكيات النظام السابق، مثل الامتياز القضائي، ووقف نزيف المال العام من احتياطي الصرف، بإعادة النظر في دواليب تسييره.
القانوني “خبابة” يشير في حديثه لوسائل الاعلام، إلى أنه “تحققت في استقلال القضاء بإبعاد السلطة التنفيذية عن المجلس الأعلى للقضاء، وتعزيز دور الدفاع، وفسح المجال أمام المجتمع المدني للإسهام في إدارة الشأن العام بمقتضى العديد من التدابير”.
ودفعت هذه الأجواء الرئيس “تبون” إلى اتخاذ عدد من الإجراءات الاستباقية لامتصاص حالة الغضب، اذ شملت دعوة عدد من الأحزاب للقصر الرئاسي للتشاور بشأن الانتخابات التشريعية المقبلة والمناخ السياسي في البلاد، وكان من بين الأحزاب المدعوة حزب جبهة القوى الاشتراكية المعارض، الذي طالب الرئيس بإجراء تغييرات سياسية حقيقة تعيد ثقة الجزائريين في الحكومة.
ورفضت أحزاب معارضة أخرى دعوة الرئيس، من بينها حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية. وترى هذه الأحزاب أن الشارع الجزائري يريد تغيير النظام السياسي بالكامل، وليس مجرد الحديث عن انتخابات تشريعية، لكن يبدو أن هذه الخطوات الاستباقية لم تنجح بشكلٍ كافٍ في احتواء حالة الغضب.
يذكر أن بداية الحراك كانت في يوم الجمعة 22 فبراير 2019، اذ عمت المظاهرات العاصمة ومدنا أخرى، تحت عنوان رفض التمديد لبوتفليقة، الامر الذي دفع الرئيس للخروج في الـ24 من فبراير ليطالب الشعب بالوعي والحفاظ على الاستقرار، وسافر بعدها إلى سويسرا للعلاج، الا أن الأحداث تطورت جمعة بعد جمعة لتنتهي بإعلان “قايد صالح” في الـ26 من مارس/آذار تفعيل المادة 102 من الدستور الجزائري، والذي يعني تفعيلها الإعلان عن شغور منصب رئيس الجمهورية بسبب مرضه.