خطوة جديدة يكشف عنها، من شأنها إنهاء أزمة التعديل الوزاري في تونس، مع الإعلان عن لقاء مرتقب من المقرر أن يجمع بين رئيس الجمهورية، “قيس سعيد” ورئيس الحكومة، “هشام المشيشي”، لبحث طريقة إخراج البلاد من الازمة السياسية المستمرة منذ أسابيع.
يشار إلى أن الازمة بدأت الشهر الماضي، مع إعلان “المشيشي”، تعديل حكومي شمل 11 وزيراً، وهو ما رفضه رئيس الجمهورية للتعديلات واستقبال الوزراء الجدد لحلف اليمين، على خلفية وجود شبهات فساد تلاحق بعض الوزراء الجدد.
وبحسب المصادر التونسية، فإن اللقاء من المقرر أن يناقش أيضاً، آلية عقد الحوار الوطني الذي دعا إليه اتحاد الشغل بهدف تجاوز الأزمة السياسية القائمة في البلاد.
نقطة في ميزان القوى
توجه “المشيشي” إلى عقد اللقاء مع “سعيد” يرى فيه المحلل السياسي، “محمد المرزوق”، أن رئيس الحكومة ومن خلفه حركة النهضة، التي تدعمه في مواجهة الرئيس، أدركوا صعوبة تجميد الرئيس في المعادلة السياسية، وإخراده من معادلة الحكم، لافتاً إلى أن “سعيد” حتى الآن تمكن من تثبيت صلاحياته ووجوده في المشهد التونسي.
كما يعتبر “المزروق” أن أساس الأزمة ليس شكل التعديلات وإنما في ما يدور خلف كواليسها، على اعتبار أن الهدف كان تحييد “سعيد” وإقصاءه، لافتاً إلى أن حركة النهضة كانت تخشى تصاعد قوة مؤسسة الرئاسة، خاصة في ظل ما تردد قبيل الأزمة الحالية، عن وجود تحركات إلى إعادة نظام الحكم إلى النظام الرئاسي بدلاً من النظام شبه البرلماني، الذي يقسم الصلاحيات بين مؤسسات الرئاسة ورئاسة البرلمان ورئاسة الحكومة.
يذكر أن نظام الحكم الحالي، تم إقراره عام 2013، بعد إسقاط نظام الرئيس الراحل، “زين العابدين بن علي”، ويعتبر عدد من المحللين السياسيين، أن النظام الحالي مكن حركة النهضة من الاستمرار في حكم البلاد عبر مؤسسة الحكومة منذ ذلك الوقت، لا سيما وأن مرشحيها فشلوا في النجاح بالانتخابات الرئاسية.
في السياق ذاته، يشير “المرزوق” إلى أن النهضة عملياً خسرت المعركة ضد “سعيد”، خاصةً وأن عدد من قيادييها هددوا بالتصعيد ضد الرئيس وتجاوزه والنزول إلى الشارع لتمرير التعديلات الحكومية، معتبراً أن الحديث عن اجتماع “المشيشي” بالرئيس “سعيد” مؤشراً إلى عجز الحركة في تنفيذ تهديداتها السابقة، وهو ما يعكس تراجعاً في قوة موقف الحركة ورئيس الحكومة ضمن الملف السياسي.
يشار إلى أن رئيس الحكومة التونسية “هشام المشيشي”، قد أعفى الأسبوع الماضي، خمسة وزراء من مهامهم، ممن شملهم التعديل الوزاري الأخير، وافق عليهم البرلمان مؤخرا، بحسب ما أعلنته رئاسة الحكومة التونسية، مشيرةً أن القرر شمل إعفاء كل من وزير العدل “محمد بوستة”، ووزيرة الصناعة والطاقة والمناجم “سلوى الصغير”، ووزير الشباب والرياضة والإدماج المهني “كمال دقيش”، بالإضافة الى وزيرة أملاك الدولة والشؤون العقارية “ليلى جفال”، ووزيرة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري “عاقصة البحري”، من مهامهم.
ضغوط متزايدة وحصار سياسي
يعلق المحلل السياسي، ” مراد سليم” على إمكانية عقد الاجتماع بين “سعيد” والمشيشي”، بأن حركة النهضة خلال الفترة الأخيرة عانت من عدة ضغوط وحصار سياسي داخل البرلمان التونسي، خاصة مع استمرار الحملات النيابية، المطالبة بإقصاء رئيس الحركة، “راشد الغنوشي”، من منصب رئاسة البرلمان، لافتاً إلى أن وضع الحركة لا يتحمل استمرار الأزمة مع الرئيس، خاصةً وأن الشارع التونسي أيضاً شهد تصاعداً في معدلات الاحتجاجات الشعبية بسبب الأزمة المالية والاقتصادية الحاصلة في البلاد.
يذكر أن عدة تيارات نيابية تونسية، بينها الحزب الدستوري الحر، أعلنت عن حشد المزيد من أصوات النواب في المجلس لعزل “الغنوشي” وسحب الثقة منه.
كما سبق لرئيس كتلة الإصلاح الوطني “حسونة الناصفي”، أن اعتبر قضية سحب الثقة من رئيس البرلمان زعيم “حركة النهضة” راشد الغنوشي على أنها “أمر ضروري” لتغيير المشهد البرلماني بما يكفل حسن إدارة الخلافات والتعامل على المسافة ذاتها مع جميع الأطراف السياسية، لافتاً إلى وجود اتفاق بين الكتل البرلمانية على تقديم عريضة سحب الثّقة من رئيس البرلمان عند بلوغ الأغلبية المطلقة المقدرة دستورياً بـ109 أصوات، وسيتم الكشف عن التوقيعات كافة عند الانتهاء منها”.
من جهته، يشدد الباحث في الشؤون التونسية، “لسعيد مبروك”، على أن الجانب المعيشي والاقتصادي، قد يكون له دور في ترجع حركة النهضة خطوة إلى الوراء في الأزمة الحكومية، مشيراً إلى أن الحركة تعيش حالة قلق من اندلاع ثورة جديدة في البلاد على خلفية سوء الأحوال العامة والفشل السياسي والاقتصادي للحكومات المتتابعة.
كما يشير “مبروك” إلى أن المؤشرات الاقتصادية والمعيشية تفيد باقتراب البلاد من أزمة خانقة، قد تمثل مستقلباً، عاملاً للإطاحة بالحكومة الحالية والنظام القائم برمته، وهو ما يتعارض مع مصالح الحركة، موضحاً أن تصاعد معدلات البطالة والهجرة للشباب التونسي، تعكس حالة الشعب.
يذكر أن أعلنت السلطات التونسية، أعلنت الجمعة، عن إحباط هجرة 18 شخصا بشكل غير نظامي كانوا على متن مركب متجه من مدينة سوسة إلى إيطاليا، في حين كشف المنتدى التونسي للحقوق الاجتماعية والاقتصادية، أن موجات الھجرة غیر النظامية شهدت تواصلا رغم العوامل المناخیة، حيث ارتفع عدد الواصلين إلى إیطالیا بـ%54 مقارنة بسنة 2018، كما ارتفع عدد من تم منع اجتیازھم بـ%238 مقارنة بسنة 2018، في حين يتوسع الفارق أكثر مقارنة بعام 2019 الذي عرفت فیھ الھجرة غير الشرعية أدنى مؤشراتھا”.
كما كان المعهد الوطني التونسي للإحصاء، بين أن نسبة البطالة وصلت إلى 17.4 بالمئة من التونسيين في سن العمل، مشيراً إلى أن عدد العاطلين عن العمل خلال الربع الأخير من العام الماضي، وصل إلى 725.1 ألف شخص، مقابل 676.6 ألف تم تسجيلهم في الربع الثالث من العام ذاته، لافتاً إلى أن نسبة البطالة لدى الذكور بلفت 14.4 بالمئة مقابل 24.9 في المئة لدى الإناث.