تتصدر مشاهد المعاناة الذي يعيشها المواطن، مواقع التواصل الاجتماع وسط استمرار الاحتجاجات التي تجتاح المدن اللبنانية، فبعد مشهد الاذلال على “كيس حليب” في سوبرماركت “سبينيس”، انتشر مقطع جديد تحت عنوان ” الزيت المدعوم”، يظهر تهافت الناس بشكل كبير على السلع المدعومة في إحدى التعاونيات.
فيديو “الحليب” انتشر على مواقع التواصل كـ”النار في الهشيم”، اذ يظهر وقوع شجار يوم أمس “الخميس” بين رجل وامرأة بأحد “السوبرماركات” “سبينيس” في ضاحية “الحازمية” بالعاصمة اللبنانية بيروت، بسبب كيس حليب مدعوم، ليتطور الخلاف إلى مشادة كلامية وتضارب بالأيدي بين الرجل وموظف في السوبرماركت.
السلع المدعومة..
وأصدرت إدارة السوبرماركت بياناً قالت: “يهمنا توضيح خلفيات الإشكال الذي حصل في أحد فروعنا والذي أدى إلى تعرض مدير الفرع للضرب وحصول مشادة كلامية بين الموظفين وأحد الزبائن الذي أصر على شراء كمية كبيرة من الحليب والزيت المدعومين من دون مراعاة الكميات المحدودة المتوفرة من الأصناف المدعومة والتي يجب توفيرها لأكبر عدد ممكن من المواطنين بشكل متواز”.
وانهارت الليرة اللبنانية، لتصل يوم الثلاثاء الفائت، إلى عشرة آلاف ليرة مقابل الدولار، وشهدت أسعار السلع الاستهلاكية مثل حفاضات الأطفال والحبوب ارتفاعاً كبيراً إلى نحو 3 أمثالها منذ بدء الأزمة.
إلى جانب ذلك، طالبت إدارة “السوبرماركت” المعنيين باقتراح حل شامل لأزمة البضائع المدعومة تجنباً لأحداث مماثلة مرتبطة بالاحتكار والتخزين”. لافتة إلى أنها ” ستستمر في تأمين الأمن الغذائي للمواطنين بالتساوي”.
ووصل الانتقاد إلى الوسط الفني إذ شن الفنان اللبناني، راغب علامة، هجوما عنيفا على المسؤولين بعد انتشار مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي.
“راغب” نشر عبر حسابه على موقع “تويتر” مقطع فيديو المشاجرة وعلق عليها بالقول: “يا أولاد الحرام اللي قاعدين عالكراسي ودمرتوا لبنان الجميل وأذليتوا شعبنا المعروف بطيبته وكرمه وشهامته، صارت الناس عم تتقاتل على كيلو حليب للأطفال”.
وأضاف الفنان اللبناني: “يا أولاد الحرام الله ينتقم منكم ويذلكم متل ما ذليتوا المساكين اللي وصلوكم عالكراسي، بإذن الله نهايتكم وخيمة، اقرأوا التاريخ”.
بدورها، تؤكد وسائل الاعلام اللبنانية أن فقدان حليب الأطفال من السوق، يبقى بيد الاحتكار وسيطرة 3 إلى 4 شركات على نحو 80 في المئة من حجم السوق، وتحكّمها بالأسعار والكميات المسلّمة. لافتة إلى أن “المسؤولية لا تسقط عن مصرف لبنان بسبب التأخر بإعطاء الموافقات لفتح اعتمادات الاستيراد من جهة”.
ومنذ ثلاثة أسابيع، يعاني اللبنانيون من عدم إمكانية الحصول على حليب الأطفال بعد فقدانه من الأسواق، وسط اتهامات للتجار باحتكار هذه المادة لبيعها بسعر مضاعف. كما هرع المواطنون إلى شراء الأصناف المدعومة مع الفتح التدريجي للبلاد، بعد إقفال استمر قرابة الشهرين جراء تفشّي فيروس كورونا بشكل كبير.
عودة الاحتجاجات..
الانهيار الجديد الذي يواجهه لبنان، يعود إلى انخفاض قيمة العملة الوطنية أمام الدولار بشكل غير مسبوق، الأمر الذي أدى إلى خلق حالة من الغضب والذعر، وانعكس ذلك في التظاهرات في عدد من المدن، وانتشار مشاهد للشجار بين مواطنين على السلع الغذائية المدعمة.
وكانت احتجاجات شعبية انطلقت قبل أيام في عدة مناطق بلبنان بعد بلوغ سعر صرف الدولار عتبة العشرة آلاف ليرة لبنانية، وهو مستوى متدن وغير مسبوق، إلى جانب أن عدم استقرار سعر صرف الدولار تسبب في ارتفاع أسعار العديد من الخدمات والسلع الغذائية، ما زاد من معاناة المواطن اللبناني.
المتظاهرون أغلقوا طرقاً رئيسية في عدد مناطق عديدة بلبنان في ثالث يوم من الاحتجاجات، اذ بدأت الثلاثاء بعد هبوط قيمة العملة إلى مستوى قياسي جديد مما زاد من غضب المواطنين القلقين منذ فترة طويلة بسبب الانهيار المالي.
ويشهد لبنان شهد منذ صيف العام 2019 انتفاضة شعبية ضد القادة السياسيين، وإفلاس الدولة والقطاع المصرفي، وشهد تفشي جائحة كوفيد-19. وفي 4 أغسطس 2020 وقع انفجار ضخم قتل 200 شخص ودمر أجزاء من بيروت.
وقام المحتجون بإغلاق مكاتب الصرافة في عدة مناطق بمختلف المدن بالقوة، فيما رشق شبان يستقلون درجات واجهات المصارف بالحجارة. فيما انتشرت قوات من الجيش في الشوارع التي يوجد بها مكاتب الصرافة، لمنع حدوث أي أعمال شغب.
أسباب ارتفاع الدولار..
الدولار لم يشهد تراجعات كبيرة خلال الأيام الماضية، في ظل الحال السياسية والاقتصادية، وبقي الانخفاض الذي يشهده السعر لا يتجاوز المئة ليرة، اذ سجّل سعر الصرف اليوم الجمعة، نحو 9900 ليرة للشراء ونحو 9950 ليرة للمبيع.
وظلت المنصة الإلكترونية تحدد سعر الدولار لدى الصرّافين بـ3850 ليرة للشراء، و3900 ليرة للمبيع، ويأتي الانخفاض القياسي بعد إعلان مصرف لبنان بدء مراجعة أوضاع البنوك بعد انتهاء مهلة حددها لها من أجل زيادة رأسمالها، ضمن خطة لإعادة هيكلة القطاع المصرفي.
وتراجع قيمة العملة المحلية وخسارة قيمتها أكثر من 80% من قيمتها مقابل الدولار، بينما طلب المصرف المركزي في تعميم صيف العام 2020 من المصارف زيادة رأسمالها بنسبة 20% بحلول نهاية فبراير/شباط الماضي، وظل سعر صرف الدولار في مصرف لبنان “البنك المركزي” عند 1507.5 ليرة لكل دولار واحد، ويخصص للسلع الأساسية فقط.
كما حددت البنوك اللبنانية سعر 3850 ليرة للدولار، عند سحب الدولار لصغار المودعين قبل فترة وما زال معمولا به حتى اليوم، وثبتت نقابة الصرافين في لبنان تسعير سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية بهامش متحرك بين سعر 3850 ليرة للشراء، و 3900 ليرة، للبيع كحد أقصى.
من جانبها، نفت جمعية المصارف في وقت سابق أن تكون المصارف لعبت أي دور في ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء، موضحة أن “متطّلبات السيولة المصرفية في الخارج من قبل مصرف لبنان وفق التعميم 154 تتعدّى 3.4 مليار دولار على مستوى القطاع، معتبرة أن جذب المصارف للدولارات من السوق السوداء المحلّية، التي لا يتجاوز حجمها بعض الملايين من الدولارات أمر غير منطقي.
وعزت الجمعية الأسباب الكامنة وراء ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء إلى ” الضبابيّة السياسية في البلاد، في ظلّ التخبّط السياسي والتجاذبات والمناكفات، في غياب أي جهد جدّي وحقيقي لتأليف الحكومة العتيدة، بعد مرور 7 أشهر من استقالة الحكومة السابقة”، بالإضافة إلى ” الاستيراد غير المدعوم من مصرف لبنان، والذي تقدّر قيمته بما لا يقلّ عن 5 مليارات دولار سنوياً، على نحو يلجأ فيه المستوردون إلى السوق السوداء لتأمين الدولارات النقدية المطلوبة”.
الجمعية أعادت أسباب أخرى منها ” شحّ الدولار في السوق المحلّية، في سياق انخفاض حركة الأموال الوافدة بشكل ملحوظ، ما أدّى إلى عجز في ميزان المدفوعات بمقدار 10.5 مليار دولار في العام 2020، وهو أكبر عجز عرفه لبنان ” و”خلق النقد بالليرة اللبنانية، لاسيّما لتنقيد عجز الدولة، ما أدى إلى ارتفاع حجم النقد المتداول بالليرة من 9818 مليار ليرة في نهاية العام 2019 إلى 29242 مليار ليرة في نهاية العام 2020″.
وختمت الجمعية في بيانها أن” التداول الناشط بصورة غير شرعية للدولار، عبر المنصّات الإلكترونيّة، ما يستوجب الملاحقة القانونية لإقفال هذه المنصّة، بالإضافة إلى تخزين الدولار في المنازل من قبل المواطنين، في ظلّ التخوّف من الآفاق المستقبلية مع انعدام الثقة بشكل عام لعب دوراً أيضاً في ارتفاع سعر الدولار”.
كما أشارت جمعية المصارف إلى أن “المصارف تعتمد في الحصول على السيولة الخارجية على بيع وحداتها في الخارج وعلى خصم قروضها بالدولار، إضافةً إلى مساهمات نقدية من مستثمرين ومودعين (حسب التعميم رقم 154)، ولا حاجة بالتالي للّجوء إلى السوق الموازي في لبنان”. موضحة أن “السيطرة على تفلّت الدولار في السوق السوداء رهن بتطورات سياسية، تعيد الثقة إلى اللبنانيّين وباعتماد سياسات احتوائية من مختلف السلطات المعنيّة، للسيطرة على عجوزات لبنان المالية الخارجية”.