شهد التعليم الديني الإسلامي في العقود الأخيرة تطوراً كبيراً، وحقق حضوره الإيجابي بطرق مختلفة، ونماذج عديدة، في غالبية الدول الأوروبية، لكنه لم يلغِ المشكلات المتعلقة بكيفية إدارة التدريس الديني لضمان حرية العقيدة كأحد الحقوق للأقلية المسلمة، وخلق التوازن بين جملة مركبة من التناقضات “الصراعية” في القيم والمعرفة، التي تجعل تدبير الشأن الديني الإسلامي وتعليمه للأجيال القادمة ضمن أُطر معرفية متعلقاً بمرونة المسلمين في الحدّ من ثنائيات “الهوية والخصوصية الدينية/الثقافية، مقابل العلمانية والتعددية والانفتاح” “الانغلاق والتعصب مقابل الحوار والقبول”، “الإرهاب مقابل الإسلاموفوبيا”، وكذلك في الوظيفة التي يمكن أن يؤديها تعلم الدين الإسلامي لتحقيق التعايش والتفاعل لحفظ الأمن المجتمعي، فجميعنا معاً في الحياة.
التعليم الديني ومسألة الهوية
منذ بداية الدعوة الإسلامية شكّل تعليم الإسلام والتفقّه في معانيه وأحكامه تكليفاً قرآنياً، وتفرّدت “طائفة” من المؤمنين لتعليم الدين وترسيخ أسسه ونشر الدين الإسلامي بين الناس، فالصحابة تلقوا القرآن عن النبي في مكة ثم في المدينة على طرق مختلفة، كما يؤكد ابن خلدون.1 ووردت مجموعة من الأحاديث عن الرسول تحثّ الصحابة على اتخاذ المساجد موضعاً لتعليم القرآن.2 لتُكوِّن النواة الأولى لحلقات التعليم القرآنية، وتلقي المعارف الدينية التي يُقدمها الفقهاء في “الكتاتيب” والمساجد والزوايا، وتركز دورها في تعليم القرآن وحفظه من جيل إلى جيل، والحفاظ على هوية “الأمة”، وتقديم التفاسير والدلالات الدينية لآيات القرآن والأحاديث النبوية وغيرها للتلاميذ. ومنذ التوسع الإسلامي تمّ تقنين هذه الدروس في إطار منظَّم ومستمر، يخضع لرقابة أو وصاية الحكّام.
1 – عبد الرحمن بن محمد بن خلدون. مقدمة ابن خلدون. تحقيق د. علي عبد الواحد وافي. ج3 دار نهضة مصر(2004) ، علوم القرآن من التفسير والقراءات ص: 933
2 – صحيح مسلم الحديث رقم( 803) باب: فضل قراءة القرآن في الصلاة وتعلمه. والحديث رقم (2699) فضل الاجتماع على تلاوة القرآن، وعلى الذكر.