تعود قضية المخدرات في لبنان إلى الواجهة من جديد، بعد إعلان الجهات المختصة اللبنانية عن ضبطها كمية كبيرة من المخدرات، في محاولة جديدة لتهريب كمية كبيرة من المخدرات إلى الخارج.
يشار إلى أن إعلان السلطات اللبنانية، يأتي بعد أسابيع قليلة من ضبط السلطات السعودية شحنة كبيرة من الحبوب المخدرة، منشأها لبنان، والتي كانت مخبأة داخل حبات رمان.
لبنانية المنشأ
تعليقاً على تصاعد كميات المخدرات المضبوطة في لبنان، يعتبر الباحث في الشؤون اللبنانية، “موفق أبو الخير” أن تلك الظاهرة هي إحدى إفرازات سيطرة حزب الله على لبنان وغياب الدولة والقانون، لافتاً إلى أن حالة الأمان التي يمنحها الحزب للعشائر الموالية له في منطقة البقاع، جعلت من زراعة الحشيش والاتجار في المخدرات، نشاطاً علنياً ومتزايداً في ظل الأزمة المالية للبنانيين وللحزب على حدٍ سواء.
كما يشير “أبو الخير” إلى أن اتهام الحزب بالمسؤولية عن نشاط المخدرات في لبنان لا يمكن اعتباره اتهاماً سياسياً، بقدر ما هو اتهام مبني على الوقائع، وأولها تركز عمليات صناعة المخدرات في منطقة البقاع، التي تخضع بشكل شبه كامل لسيطرة الحزب والعشائر المسلحة الموالية له، ما حولها إلى منطقة محرمة على قوات الأمن اللبناني.
إلى جانب ذلك، يوضح “أبو الخير” أن لبنان تحول عملياً إلى ماركة مسجلة في صناعة وترويج المخدرات خلال الأعوام العشرة الأخيرة، لا سيما بعد أن تمكن الحزب من إحكام قبضته على الدولة اللبنانية، بعد أحداث 7 أيار 2008، وإظهار نفسه كقوة تفوق الدولة وأجهزتها، لافتاً إلى أن تلك القوة هي التي توفر الحماية الكاملة لصناع ومروجي المخدرات، وعلى رأسهم “آل زعيتر”.
يذكر أن السلطات اللبنانية كشفت أن حجم الشحنة المضبوطة وصل إلى 32 برميلاً كانوا موزعين في صناديق حديدية على متن شاحنتين معدتين للنقل الخارجي محملتين بخردة الحديد كانتا متوقفتين في شارع فرعي في مدينة صيدا، وأن الوجهة كانت مصر، حيث كان من المقرر أن تحمل الشحنات على ظهر باخرة متجهة نحو السواحل المصرية.
خطورة ظاهرة المخدرات في لبنان، تظهر بشكل كبير من خلال تنوع الجهات والدول التي يتم التهريب إليها، بحسب ما يراه “أبو الخير”، مشيراً إلى أن ذلك يعني أن لبنان بات سوق المخدرات الأول في المنطقة وأن البلاد أصبحت عاجزة عن انتاج أي شيء آخر سوى تلك السموم، ما سيؤثر بشكل مباشر على كمية الصادرات اللبناني واستقبال الأسواق الإقليمية والدولية لها، على حد قوله.
يذكر أن السلطات السعودية أصدرت مؤخراً قراراً بحظر دخول المنتجات الزراعية اللبنانية إلى البلاد، على خلفية شحنة المخدرات المضبوطة في الشهر الماضي، في خطوةٍ لاقت دعماً وتأييداً إقليميين.
قتل حتى آخر نفس
المحلل الاقتصادي والمالي، “محمد زين العابدين” يرى أن سياسات حزب الله تقتل لبنان واللبنانيين حتى آخر نفس وقطرة دم، معتبراً أن خطورة تحول لبنان إلى مصدر أول للمخدرات وتراجع قيمة الصادرات اللبنانية، يعني فقدان آخر مصدر دخل بالقطع الأجنبي بالنسبة للدولة، أي تجذر وترسخ وتعمق الأزمة المالية والمعيشية والغلاء في البلاد.
كما يلفت “زبن العابدي” أن خطر ذلك على الاقتصاد اللبناني يتجاوز بكثير خطر قيام الحرب، على اعتبار أن التضييق على الصادرات اللبنانية في الأسواق العالمية سيجهز على ما تبقى من الاقصاد اللبناني، مشيراً إلى أن ذلك سيدخل البلاد في دوامة فقر وجوع لا يمكن تخيلها.
يذكر أن كلاً من الأردن وإيطاليا والسعودية ومصر واليونان قد أعلنت خلال الأشهر الماضية عن ضبطها شحنات كبيرة جداً من المواد المخدرة والتي كانت قادمة من لبنان.
في ذات السياق، يحذر “زين العابدين” من حالة الفقر والعوز وفقدان الحلول الحكومية والحماية التي يحظى بها تجار المخدرات، قد تدفع المزيد من اللبنانيين إلى امتهان تجارة وتصنيع المخدرات والابتعاد عن الأعمال الأصلية، مؤكداً أن لبنان دخل مرحلة اقتصادية متأزمة جداً تفوق إلى حد كبير الأزمة الحاصلة في سوريا نتيجة الحرب المستمرة منذ أكثر من 10 سنوات متواصلة.
تزامناُ، مع حديث “زين العابدين” عن الكارثة الاقتصادية اللبنانية، تكشف مصادر مطلعة لمرصد مينا، عن وجود وضع تجاري منهار في لبنان، في ظل وصول الأزمة إلى مرحلة الكساد، التي سدفع آلاف الشركات إلى إغلاق أبوابها قريباً، مشيراً إلى أن حجم تراجع الناتج المحلي اللبناني خلال العام الجاري بنسبة قد تصل إلى 50 بالمئة، أي بزيادة 10 بالمئة عن ما هو متوقع رسمياً.
ترويج لهيبة شيخ الجبل
مساعي حزب الله بتركيز نشاط المخدرات في لبنان وتحديداً في منطقة البقاع، لا يظهر فقط من خلال الدعم الأمني للتجار والمروجين، وإنما في العمل على تحسين صورتهم إعلامياً من خلال الدراما، وفقاً لما يقوله المحلل السياسي، “ميشال بوصعب”، لافتاً إلى أن العديد من الأعمال الدرامية، التي صورت برعاية من حزب الله حاولت إظهار جانباً إيجابياً في شخصية أولائك التجار ومتزعمي العشائر.
وفي هذا السياق، يذكر “بوصعب” بالمسلسل السوري – اللبناني المشترك، “الهيبة”، والذي قال إنه خلق صورة غير نمطية لتجار المخدرات والخارج عن القانون في محاولة إلى جعل شخصية جبل شيخ الجبل مع كامل إسقاطاتها السياسية، عراباً للشباب اللبناني، مشيراً إلى أن البيئة التي عرضها العمل في أجزائه الأربعة، تجسد البيئة التي يرعاها حزب الله ولكن بصورة ملمعة.
كما يعتبر “بوصعب” أن حزب الله بات يتبنى فعلياً سياسة تهدف إلى ترسيخ الاتجار بالمخدرات، على اعتبار أنها الممارسة التي تؤمن له كبر قدر من الأموال بالعملة الصعبة، خاصةً مع استغلال حالة الحدود المنفلتة والمعابر الحدودية غير الشرعية.