على الرغم من أن الأزمات السياسية والاقتصادية في الأردن ليست بالظاهرة الجديدة، لا سيما خلال العقد الأخير، إلا أن البلاد تواجه حالياً سلسلة من التحديات الكبرى والأحداث غير المسبوقة، خاصة مع أزمة مجلس النواب وحادثة تجميد عضوية النائب “أسامة العجارمة”، التي تسببت بحراك عشائري قوي خلال الأيام القليلة الماضية، يمهد إلى حرب من نوع خاص، بحسب رأي عدد من الباحثين.
تعمقاً بالحالة الأردنية، يلفت المحلل السياسي، “هاشم خوالدة” إلى أن الأردن شهد تطوراً كبيراً في الفكر السياسي خلال السنوات العشر الماضية، تخلله دخول النواب الشباب إلى قبة البرلمان، وهو ما ساعد على كسر الحالة النمطية التي كانت سائدة خلال العقود الماضية، وحركت أجواء البرلمان أكثر باتجاه طرح قضايا الشعب ومساهمة النواب الشباب في قيادة بعض التحركات الشبابية في الشارع الأردني.
كما يشير “خوالدة” إلى أن الأزمات في الأردن لم تتغير ولم تحل أو يطرأ عليها أي تغيير يذكر منذ عقود، ولكن ما اختلف حالياً هو درة فعل الشعب، وهو ما ظهر بشكل كبير جداً مع تحركات دوار الداخلية ضد حكومة “عبد الله النسور” واعتصامات الدوار الرابع، ضد حكومة “هاني الملقي” واحتجاجات إربد ضد حكومة “عبد الرزاز” والتحركات الحالية ضد حكومة “الخصاونة”، لافتاً إلى أن كافة الحكومة التي مرت على الأردن منذ 2013 تمت إقالتها فعلياً تحت الضغط الشعبي وليس نتيجة استحقاقات دستورية كإنتخابات وغيرها.
ماذا يحدث؟
يصف “الخوالدة” ما تشهده البلاد خلال السنوات الأخيرة، بأنها معارك يخوضها الشعب الأردني ضد الفساد بشكليه السياسي والاقتصادي، بعد عجز السلطات عن مكافحة الفساد بالأشكال التقليدية، لافتاً إلى أن قضية النائب “العجارمة” تتجاوز الناحية الشخصية وتمتد إلى حقيقة وجود لوبي سياسي يريد إقصاء كل صوت محارب للفساد، لا سيما وأن القضية تم تفجيرها بعد انتقادات وجهها النائب المستقيل إلى مجلس النواب والحكومة على خلفية انقطاع التيار الكهربائي في البلاد.
كما يعتبر “الخوالدة” أن التحركات الشعبية قد تكون مساعدة إلى حد بعيد في الجهود التي يبذلها الديوان الملكي ممثلاً بالملك “عبد الله”، لمكافحة الفساد، مشيراً إلى أن حجم انتشار الفساد وترسخه يجعل مكافحته تحتاج إلى دعم شعبي واسع أكثر من حاجته لقرار سياسي.
في السياق ذاته يصف الباحث في الشؤون الأردنية “ماجد العتوم” أن التحركات الشعبية وأنشطة المواطنيين الأردنيين ساهمت في توفير رقابة شعبية ساهمت بتنبيه الوزراء والمسؤولين الأردنيين إلى ممارساتهم وتصرفاتهم وقراراتهم، خاصةً في ظل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، مذكراً بإقالة وزيرين سياديين من حكومة “الخصاونة” نتيجة انتهاكهما لقواعد السلامة الصحية المتبعة في البلاد.
نار تحت رماد الفقر والحاجة
استكمالاً للحديث عن التطورات الأردنية، يلفت “العتوم” إلى أن الشعب الأردني لم يعد يحتمل تبعات الفساد السياسي والاقتصادي، التي أوصلت البلاد إلى مستويات غير مقبولة من الفقر والحاجة والأزمات المعيشية، لافتاً إلى ان الأردنيين يخوضون عملياً حرب حياة أو موت ويقاتلون للحصول على لقمة عيشهم.
كما يشير “العتوم” إلى وجود حالة يأس عامة في المناطق الأردني، خصوصاً بعد ما كشفته أزمة انتشار وباء كورونا من هشاشة الاقتصادي الأردني وضياع مئات الخطط، التي قالت الحكومات المتتابعة إنها تعدها لتحسين الأوضاع الاقتصادية، معتبراً أن الحكومات السابقة كانت تأمن العقاب والحساب ما كان يدفعها إساءة التصرف واتفاذ القرارات، التي كانت بعيدة كل البعد عن إيجاد حلول مستدامة للمعضلة الاقتصادية.
يشار إلى أن نسبة الفقر المطلق بين الأردنيين وصلت إلى 15.7 بالمئة بموجب إحصائيات دائرة الإحصاءات العامة (2017-2018)، أي قبل أزمة كورونا، في حين ذكرت منظمات أممية أن 65 بالمئة من الأسر الاردنية أصبحت عاجزة عن تأمين متطلباتها اليومية في ظل تراجع معدل المدخولا المالية نتيجة انتشار الوباء التاجي والإجراءات المتخذة لمكافحته.
الأردن وكمان يرى “العتوم”، دخل الآن في مرحلة مخاض لانتاج واقع سياسي جديد يغير من شكل السلطة السياسية المطلقة ويضمن رقابة وحرية أكبر للشعب الأردني في حال نجحت التحركات الشعبية الحاصلة بتحقيق أهدافها، لافتاً إلى أن قضية “العجارمة” ستوفر احتراماً أكبر لممثلي الشعب داخل قبة البرلمان الأردني، ما يمكنهم من طرح القضايا الشائكة بزخم أكبر وتحديداً قضايا البطالة.
وكان وزير العمل الأردني “يوسف الشمالي”، قد أقر الأسبوع الماضي، بأن معدل البطالة بين الشباب في المملكة وصل إلى 50بالمئة، مضيفاً: “تقرير البنك الدولي بأنّ نسب البطالة بين الشباب 50%، حقيقي وواقعي، ولا ننكر ذلك”.
يشار إلى أن حدة الازمة السياسية في الأردن، قد تصاعدت مع انضمام عشائر جديدة إلى المظاهرات، التي تشهدها العاصمة الأردنية، عمان ومناطق أخرى من البلاد، على خلفية أزمة تجميد عضوية النائب، “أسامة العجارمة”، حيث كشفت مصادر إعلامية عن وصول وفد من عشيرة بني حسن، التي تعتبر أكبر عشائر الأردن للمشاركة في اعتصام بدأته عشيرة العجارمة احتجاجاً على تجميد عضوية النائب المستقيل، لافتةً إلى أن الاعتصام تخلله هجوم قوي ضد الحكومة الأردنية، التي يترسها “بشر الخصاونة”، والمطالبة بتشكيل حكومة إنقاذ وطني مشكلة من كافة أبناء العشائر الأردنية.