مع تصاعد الهجمات التي تشنها الميليشيات الموالية لطهران أرتال التحالف الدولي بالإضافة إلى قواعد عسكرية تضم قوات أمريكية في العراق، وبشكل خاص قاعدة عين الاسد واربيل وقاعدة “بلد” الجوية، تدخل أزمة الميليشيات مرحلة جديدة، بدت تتضح ملامحها بعد إعلان وزارة الخارجية الأمريكية تقديم مكافأة مالية، لأي شخص يدلي بمعلومات عن الهجمات التي تستهدف مصالحها في العراق، ما أثار تساؤلات حول دلالات الخطوة الأمريكية والاحتمالات المقبلة المترتبة عليها.
وبينما يأتي الإعلان عن المكافأة، في وقت تبدلت فيه قواعد اللعبة مع دخول الطائرات المسيرة على خط الهجمات التي اعتبرتها واشنطن خطرا يجب المسارعة لمكافحته، يقول محللون إن تغيير الميليشيات الموالية لإيران استراتيجيتها في تنفيذ تلك الهجمات والتهديدات الأخيرة، أجبرت واشنطن على تكثيف جهودها للمواجهة.
يشار إلى أن برنامج “مكافآت من أجل العدالة” التابع للخارجية الأمريكية، أعلن يوم الخميس الماضي، عن مكافأة تبلغ 3 ملايين دولار لمن يدلي معلومات عن الهجمات التي تستهدف مصالح واشنطن في العراق، غداة هجوم بثلاث طائرات مسيرة على قاعدة يتمركز فيها جنود أمريكيون في البلاد.
ويعد هذا الإعلان الأول من نوعه بعد أن كانت الإعلانات المتعلقة بالمكافآت المالية محصورة بأنشطة الجماعات الأصولية، كتنظيم “القاعدة” ومن بعده “داعش”، كما وصف منفذي الهجمات بـ”الإرهابيين الجبناء”، ما بدا مدخلا لحملة تصعيد أميركية مرتقبة ضد الفصائل المسلحة الحليفة لإيران.
تحرك أمريكي منفرد
يرى المحلل السياسي “عمار المشهداني”، أن الإعلان الأمريكي تخصيص مكافأة لمن يدلي بمعلومات عن المليشيات التي تهاجم مصالح واشنطن في العراق “تطور لافت” ينبئ بتحرك عسكري أمريكي فردي ضد تلك الميليشيات باعتبارها تنظيمات إرهابية يجب تصفية قياداتها لإضعافها وتفكيكها، ويشير “المشهداني” إلى أن سعي الولايات المتحدة لجمع معلومات عن هذه المليشيات بشكل علني ومباشر من أفراد المجتمع العراقي يعني أن الولايات المتحدة توصلت إلى قناعة بأن الحكومة العراقية غير قادرة على إيقاف أو تحجيم هذه الهجمات، مرجحا أن تتخذ واشنطن إجراءات عسكرية بناء على أي معلومات تتلقاها مستقبلاً.
يشار إلى أن الجنرال “كينيث ماكينزي”، قائد القيادة المركزية الأميركية في الشرق الأوسط، كان قال إن الجماعات المسلحة التابعة لإيران، باتت تستخدم أنظمة جوية صغيرة بدون طيار “درونز”، بعضها صغير جداً، يمكن أن تكون مميتة، لدفعنا خارج البلاد، مشيرا إلى أن تلك الميليشيات تلجأ إلى هذا الأسلوب لأنها لم تتمكن من إجبار حكومة العراق على طلب رحيل القوات الأميركية، وأن ضغوطها السياسية لم تنجح.
ماكينزي شدد على أن تلك الهجمات مقلقة للغاية بالنسبة لأميركا، إلا أنه أكد في الوقت عينه أن القوات الأميركية لن تتهاون في اتخاذ ما يناسب للدفاع عن نفسها، كاشفا عن وجود مجموعة متنوعة من الإجراءات التي يمكن اللجوء إليها.
يذكر أن صحيفة “نيويورك تايمز” كانت نقلت عن مصدرين في وزارة الدفاع الأمريكية، تأكيدهما أن الوزارة تخطط للحصول على موافقة الرئيس الأميركي “جو بايدن” من أجل توجيه ضربات ضد الميليشيات في العراق، كما أوضح أحد المصدرين لصحيفة “ديلي كولر” أن الإدارة الأميركية “تبحث بجدية مجموعة واسعة من الردود على عدوان الميليشيات ضد الأميركيين في العراق”.
في هذا السياق، يرى “المشهداني”، أن واشنطن بدأت تدرك حجم الخطر الذي تشكله الميليشيات على مصالحها، خاصة بعد التصعيد الأخير وغياب الدور الحكومي الذي بدا ضعيفا أمامها بعد اعتقال القيادي في الحشد الشعبي “قاسم مصلح”، و إطلاق سراحه تحت ضغط الميليشيات. ما يعني بحسب “المشهداني” أن واشنطن قررت خطف دور الحكومة العراقية بذريعة “منع أعمال الإرهاب الدولية ضد مواطني أو ممتلكات الولايات المتحدة.
وجاءت الهجمات الأخيرة على المصالح الأمريكية بعيد اعتقال القيادي في الحشد الشعبي “قاسم مصلح”، الذي تم توقيفه بتهمة اغتيال ناشطين، فيما أطلق سراحه بعد التوتر الذي شهدته العاصمة بغداد، في خطوة رحب بها الموالون لإيران على أنها “انتصار”، وأثارت جدلاً بشأن قدرة الحكومة على السيطرة على الفصائل الموالية لإيران والتي تتهم الحكومة بأنها قريبة من الولايات المتحدة، حسبما تشير مصادر عراقية.
يشار إلى أنه في حزيران/يونيو 2020، أطلق سراح 13 عنصراً في فصيل موال لإيران بعد ثلاثة أيام من توقيفهم على خلفية هجمات صاروخية ضد الأمريكيين.
طلب عراقي خشية المواجهة
مسؤول عسكري عراقي، رفض ذكر اسمه، كشف أن فريق تحقيق مشترك من قوات التحالف الدولي يتعاون مع جهاز المخابرات العراقي وقيادة العمليات المشتركة بالتحقيق في الهجمات الأخيرة التي نفذتها جماعات مسلحة حليفة لإيران على أهداف عدة، منها مطار “حرير” في أربيل وقاعدة “عين الأسد” في الأنبار، إضافة إلى الموقع المجاور لمطار بغداد، في إشارة إلى معسكر “فيكتوريا”، الذي يضم وحدة مهام أميركية خاصة تعمل ضمن قوات التحالف الدولي للحرب على الإرهاب.
ويؤكد المسؤول أن “الإعلان الأميركي حول المكافأة لا علاقة له بالتحقيقات الجارية منذ أسابيع”، لافتاً إلى أن الجهات الرئيسية المشتبه بها في الاستهدافات المتكررة للمصالح الأميركية لم تتغير أو تبرز غيرها، وهي “كتائب حزب الله”، و”كتائب سيد الشهداء”، و”عصائب أهل الحق”.
تعليقا على ذلك، يرجح الصحفي “خالد العمر” أن تكون حكومة “مصطفى الكاظمي” ، طلبت من الولايات المتحدة معالجة هذه المجموعات المسلحة بشكل مباشر بسبب تعقيدات علاقة عدد من هذه التنظيمات المسلحة مع أطراف سياسية مؤثرة في الحكومة والمشهد السياسي العراقي، بالإضافة الى خشية الكاظمي من الدخول في مواجهة مباشرة مع الميليشيات وممثليها السياسيين، ما قد يعزز من وتيرة استهدافها للكثير من الأشخاص، على مستوى ضباط الأمن والمخابرات وربما شخصيات سياسية.
كما يشير “العمر” إلى أن إعلان المكافأة الأمريكية موجّه بشكل مباشر للعراقيين بشأن تقديم المعلومات، من دون الإشارة السلطات العراقية، ما يعني بحسبه، أن واشنطن تحاول تفادي خلق أي حالة توتر بين الميليشيات والحكومة، لأن أي مواجهة من هذا القبيل محسومة لصالح الفصائل الموالية لطهران، ومنوها إلى أن الإعلان سيعزز من وتيرة المليشيات للكثير من المترجمين والصحافيين والناشطين.
يشار إلى أن بغداد تشهد منذ فجر الخميس الماضي إجراءات أمنية مشددة تحسباً لهجمات جديدة، عقب هجومين استهدفا قاعدتي “بلد” الجوية و”فيكتوريا” مساء الأربعاء، إذ تنتشر قوات أمنية وأخرى من الجيش العراقي في مناطق وسط وغرب العاصمة، فضلاً عن تحليق للطائرات المسيرة المخصصة لأغراض المراقبة.
تهديدات داخلية وإجراءات احترازية
مصادر سياسية مطلعة، عن وجود خشية لدى قيادات الميليشيات التي تشن هجمات على الأهداف الأمريكية في العراق، من حصول “خيانة” بين صفوفهم على خلفية عرض الخارجية الأمريكية للمكافأة المالية، مؤكدة أن قادة ومسؤولين ضمن تلك الميليشيات وجهوا تهديدات شديدة لمن يفكر بأن يتواصل مع الجانب الأمريكي ويوصل لهم معلومات بشأن الهجمات التي تستهدف أماكن تواجد القوات الأمريكية في العراق، وموضحة أنها هددتهم بالتصفية مع عوائلهم وبدون رحمة أو شفقة”.
وكانت إيران قد عمدت خلال الفترة الماضية، إلى تشكيل جماعات نخبوية أصغر حجماً وشديدة الولاء لها، حيث انتقت مئات المقاتلين الموثوق بهم من بين كوادر أقوى الميليشيات الحليفة لها في العراق، لتشكل بهم فصائل أصغر تضم عناصر من النخبة، في تكتيك جديد يقلل من اعتمادها على الميليشيات المعروفة التي عملت معها لسنوات، حسبما ذكر تقرير نشرته وكالة “رويترز”.
وحسبما نقل التقرير عن مصادر مطلعة، فإن تلك المجموعات السرية الجديدة، تم تدريبها منذ العام الماضي على حرب الطائرات المسيرة والمراقبة والدعاية عبر الإنترنت والتواصل بشكل مباشر على ضباط “فيلق القدس” التابع لـ”الحرس الثوري الإيراني”.
كما نقل التقرير عن مسؤولين أمنيين عراقيين وقادة ميليشيات ومصادر دبلوماسية وعسكرية غربية، أن هذه المجموعات مسؤولة عن سلسلة من الهجمات المعقدة ضد الولايات المتحدة وحلفائها في العراق والمنطقة.
وترى إيران بحسب التقرير أن الاعتماد على مجموعات أصغر فيه مزايا تكتيكية أكثر نجاعة، لأنهم أقل عرضة للاختراق، ويمكنهم استخدام أحدث التقنيات التي طورتها إيران لضرب خصومها، مثل الطائرات من دون طيار، حسبما ورد في تقرير الوكالة، الذي نقل عن مسؤول أمني عراقي قوله إن “الفصائل الجديدة مرتبطة مباشرة بالحرس الثوري الإيراني، مشيرا إلى أن قادة تلك الفصائل يأخذون أوامرهم منهم وليس من أي جانب عراقي”.