بعد توصيات صندوق النقد الدولي برفع سن التقاعد المبكر في الأردن وتخفيض الحوافز الممنوحة للمتقاعدين، بدا جليا للمواطنين الأردنيين أن حكومتهم تتجه بالفعل لإعادة النظر في التقاعد المبكر ما أثار مخاوف الموظفين المقبلين على هذه المرحلة.
وما يعزز المخاوف بحسب مراقبين، التصريحات الأخيرة للمسؤولين حول احتمالية رفع سن التقاعد، مشيرين إلى أن القضية باتت مؤخرا حديث الإعلام وقلق الشارع وهم الحكومة الساعية إلى تقليص الأعباء المالية عن مؤسسة الضمان الاجتماعي في المملكة.
منتصف الشهر الجاري، أوصى البنك الدولي، المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي في الأردن، برفع سن التقاعد وتقليل حوافز التقاعد المبكر، كما أوصى بتنفيذ سياسات لدفع المتقاعدين مبكرا على العودة للعمل، وتوسيع قاعدة الاجور في احتساب الراتب التقاعدي لتشمل كامل المسيرة الوظيفية، وذلك لضمان قدرة مؤسسة الضمان على الاستدامة وممولة ذاتيا بطريقة غير تناقصية.
في هذا السياق، قدم البنك اقتراحات منها فرض غرامات جديدة على التقاعد المبكر على كافة سنوات الاشتراك، وتطبيق معادلة منافع جديدة على سنوات الاشتراك لتشجيع المشتركين على عدم التقاعد مبكرا.
توجه حكومي لتغيير سياسة التقاعد
توصيات البنك الدولي وجدت أذانا صاغية لدى المسؤولين الأردنيين، إذ أطلق المدير العام لمؤسسة الضمان الاجتماعي، نهاية الأسبوع الماضي، تصريحات تشير إلى تغيير محتمل على سياسة التقاعد في المملكة، وقال إنه “مع مرور الزمن أصبح التقاعد المبكر هو القاعدة، والشيخوخة هي الاستثناء”، مضيفاً أن الإقبال على التقاعد المبكر “أكبر بكثير من إقبال الموظفين على تقاعد الشيخوخة.
كما كشف عن وجود دراسة لتعديل قانون الضمان الاجتماعي خلال الأشهر المقبلة، مرتبطة بالتقاعد المبكر وثغرات في القانون الحالي، مؤكدا أنه جارٍ رفع سنّ التقاعد المبكر ضمن تعديلات جديدة، لكنه لفت إلى أن هذه الخطوة لا تشمل من هم فوق سنّ 40 عاماً، ما أثار مخاوف لدى الموظفين الأردنيين ودفع خبراء الى إطلاق صيحات تحذير.
يشار إلى أن قانون التقاعد المبكر المعمول به حالياً في المملكة، يشمل كل من أكمل 50 عاماً، بشرط ألا يقل اشتراكه في صندوق الضمان الاجتماعي عن 252 شهراً للذكر و228 للأنثى أو لمن بلغ سنّ 45 عاماً من كلا الجنسين، بشرط تأدية 300 اشتراك بموجب أحكام قانون الضمان الاجتماعي.
قرار مخالف للشروط الموضوعية
الكاتب والمحلل السياسي “سليمان النميري” أطلق صيحات تحذير من اتخاذ أي قرار لرفع سن التقاعد، معتبرا أن ذلك مخالف للشروط الموضوعية الصحية والوبائية، ومشددا على أن كل من يفكر بالقرار خارج تداعيات وتوابع جائحة كورونا على الانسان والاقتصاد، عابث وقصير النظر.
ويقول “النميري” أن الأردن يعيش ازمة كورونا، وصحة الانسان عرضة لمخاطر الوباء الطارئ ، ومؤشر الأمان الصحي الذي كان قائما تعرض الى انتكاسة وضربة على الرأس، ولو أخذنا مؤشر أعمار الوفيات خلال عامي الوباء 2020 و2021 لاكتشفنا أن المعدل المعياري للموت طال الشباب وما فوق سن الأربعين، مشيرا إلى أن معادلة تقدم الرعاية والخدمة الصحية، وربطها السن التقاعدي قد اختلت، لأن كثيرين خسروا وظائفهم بفعل تداعي أزمة كورونا، وارهقتهم الازمة معيشيا، معتبرا أن من مخلفات كورونا اردنيا، ولادة زحف طبقي من الطبقة الوسطى الى الفقيرة والى الاشد فقرا ، ووصولا الى الفقر المدقع. مشددا على أن الحكومة والضمان الاجتماعي لا يملكون قاعدة بيانات وارقاما دقيقة حول مؤشرات ومعدلات الفقر، وأن أي قرار نحو تعديل سن التقاعد ورفعه، يحمل النقمة على الشرائح الاجتماعية المتضررة، ولا يحقق عدالة اجتماعية، ولا يتناسب مرحليا مع تداعيات وتوابع الوباء على الظرفية الصحية العامة، والوباء يصطاد الاعمار الشابة والمتوسطة.
يشار إلى أن وزير العمل الأردني “يوسف الشمالي”، كان أقر أواخر الشهر الماضي، بأنّ تقرير البنك الدولي الذي أشار إلى أن نسب البطالة وصلت بين الشباب في المملكة الأردنية إلى 50%، حقيقي وواقعي، مشيرا إلى أن “260 ألفاً من العاطلين عن العمل بين الشباب من إجمالي400 ألف عاطل نسبة عالية جداً”.
وكان عميد مجلس المديرين التنفيذيين في البنك الدولي “ميرزا حسن” قد كشف أن البنك يتجه إلى ربط المعونات التي يقدمها للأردن بالتزام المملكة بخلق فرص عمل جديدة، بغية محاربة الفقر في الأردن، من خلال عمليات توفير منظومة ضمان اجتماعي، تساعد على خلق فرص عمل جديدة للأفراد.
القانون الحالي مثالي
الباحث الاقتصادي “خلدون الدويري” يتفق مع ما جاء به “النميري” معتبرا أن سن التقاعد المعمول به حاليا مثالي وعملي، ومناسب لمصالح علاقات العمل ما بين العامل وصاحب العمل وما يقدم من اقتطاع مالي من حصتيهما في الضمان، وهو مال للتوفير الوطني، ورأسمال وطني.
والأجدى والانجع بحسب “الدويري” هو التفكير في صوابية وحكمة ونجاعة استثمار مال التوفير الوطني في مشاريع تنموية مجدية، والمساهمة في التنمية والانتاج وتعزيز للعمالة الاردنية وترقيتها وحمايتها اجتماعيا.
ويضيف، “خلال هذا الجو الوبائي الأليم اجتماعيا واقتصاديا، المهم بل الاهم هو حماية عيش مشتركي الضمان، ومتقاعدي الضمان، وتوفير الحماية الاجتماعية، لان أزمة كورونا خلفت وراكمت سلف باهظة على مشتركي الضمان وذلك من خلال البرامج الرعاية الاجتماعية المقدمة من المؤسسة”.
وكانت تقارير محلية قد أشارت إلى وجود مخاوف على مستقبل الضمان الاجتماعي بسبب تعثر العديد من الاستثمارات، وكذلك ارتفاع مستحقات المؤسسة لدى الحكومة.
يشار إلى أن الفاتورة السنوية لرواتب متقاعدي الضمان الاجتماعي في الأردن، تقدر بحوالي 1.5 مليار دولار، يستفيد منها حوالي 233 ألف متقاعد، منهم 113 ألفاً بنظام التقاعد المبكر، يشكلون 48% من إجمالي المتقاعدين. ويتجاوز عدد المشمولين تحت مظلة الضمان الاجتماعي بحوالي 2.4 مليون شخص من القطاعين العام والخاص.
مخاوف مبررة
رئيس المرصد العمالي الأردني، “أحمد عوض” رأى أن “الحديث مجدداً عن احتمال إعادة النظر في التقاعد المبكر، يثير المخاوف على مستقبل العمال والمؤمن عليهم، ولا سيما أن الخاضعين للضمان الاجتماعي اليوم هم العاملون في القطاعين العام والخاص، بعد التوقف عن نظام التقاعد المدني منذ أكثر من 30 عاماً”
كما أشار في تصريحات صحفية، إلى أنه من حق العامل عند سنّ معينة وتحقيق عدد الاشتراكات المطلوب في الضمان الاجتماعي، طلب الإحالة على التقاعد، ضمن آلية تراعي مصالح مؤسسة الضمان ووضعها المالي، منوها إلى أن عدداً كبيراً من المتقاعدين مبكراً أمضوا سنوات طويلة في العمل تصل إلى 30 عاماً، وبالتالي لا داعي لاستمراره في العمل، لكون أي فترة إضافية لا تدخل في حسابات الضمان الاجتماعي بمعنى توقف الاشتراك عند 360 اشتراكاً.
وشدد “عوض” على أنه يجب البحث عن بدائل أخرى غير التفكير في إلغاء أو تقليل الحوافز للتقاعد المبكر الذي من أهدافه أيضاً توفير فرص عمل لآخرين.
الجدير بالذكر أن الحكومة الأردنية كانت قد قررت مؤخرا، استبعاد المبالغ التي اقترضتها من المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي من حجم المديونية العامة، بناءً على اتفاق مع صندوق النقد الدولي، الأمر الذي أثار مخاوف الأردنيين من ضياع مدخراتهم في المؤسسة وعوائدها المالية وعدم مقدرتها لاحقاً على دفع الرواتب التقاعدية والامتيازات للمؤمن عليهم من الموظفين والعمال.
وحسب المدير العام للمؤسسة العامة للضمان الاجتماعي، تبلغ ديون المترتبة على الحكومة للمؤسسة حوالي 8.5 مليارات دولار، بينما تصل موجودات المؤسسة إلى نحو 15.5 مليار دولار.
الجدير بالذكر أن المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي التي أنشئت عام 1978 وتدار من قبل مجلس إدارة من القطاعين العام والخاص ويرأسه وزير العمل، تعتبر مظلة أمان لغالبية الأردنيين والعمال الوافدين من خلال توفير الرواتب التقاعدية وحالات العجز في أثناء العمل.