يبدأ الرئيس “عبد المجيد تبون” غدا السبت، جولة مشاورات، مع قادة الأحزاب السياسية وممثلي الأحرار المستقلين، الفائزين في انتخابات نواب المجلس الشعبي الوطني، لتشكيل حكومة جديدة للبلاد، حسبما وأفاد بيان للرئاسة الجزائرية، وذلك بعد أقل من يومين على استقالة مجلس الوزراء الجزائري،
مصادر مطلعة، قالت إن هذه المشاورات ستتم وفقا لترتيب النتائج النهائية التي أعلن عنها المجلس الدستوري، الليلة الماضية، وتشمل أمين عام جبهة التحرير الوطني “أبو الفضل بعجي”، ورئيس حركة مجتمع السلم “عبد الرزاق مقري”، ومنسق عن كتلة المستقلين، وأمين عام التجمع الديمقراطي “الطيب زيتوني”، ورئيس جبهة المستقبل “عبد العزيز بلعيد”، ورئيس حركة البناء الوطني “عبد القادر بن قرينة”.
وكان رئيس الحكومة الجزائرية “عبد العزيز جراد”، قدم يوم أمس الخميس، استقالة حكومته إلى الرئيس “تبون”، بعد إعلان المجلس الدستوري النتائج النهائية للانتخابات النيابية المبكرة التي جرت في 12 حزيران / يونيو الجاري، وسط مشاورات سياسية أولية غير معلنة، جرت في شكل اتصالات بين قادة عدد من الأحزاب السياسية حول التحالفات الممكنة، تصب أغلبها في التوجه نحو تشكيل تحالف رئاسي موسع، يضم خمس كتل نيابية على الأقل، حسبما تقول مصادر مطلعة.
وفقا لما ينص عليه القانون، كلف الرئيس “تبون” الوزير الأول المستقيل “جراد” بتسيير المرحلة الحالية للبلاد، إلى حين تعيين حكومة جديدة.
تحالف رئاسي لإنقاذ البلاد
بينما يرى محللون أن هذه الخطوة في حد ذاتها نجاحا سياسيا لـ”جراد”، حيث وصل إلى المنعرج الأخير وقدم استقالته للرئيس وفق نص المادة 113 من الدستور، تكثر تساؤلات آخرين بشأن المستقبل القريب للبلاد التي خرجت لتوها من انتخابات برلمانية هي الأولى منذ الحراك الأخير، ووصلت إلى محطة جديدة وسط أكوام من التحديات الداخلية والخارجية، فيما تتجه الأنظار الآن إلى شكل الحكومة الجديدة وسط الخيارات المتاحة.
وتكشف مصادر محلية، أنه جرت قبل أيام بين قادة أحزاب “جبهة التحرير الوطني” و”التجمع الوطني الديمقراطي” من جهة، وبين قيادات حركة “البناء الوطني” و”جبهة المستقبل” ومنسقين سياسيين لكتلة المستقلين، مشاورات للنظر في إمكانية ترتيب لقاء سياسي مشترك، تنضم إليه “جبهة التحرير الوطني” و”التجمع الوطني الديمقراطي”، لصياغة وثيقة تحالف سياسي بين هذه القوى التي تبدي اندفاعاً كبيراً نحو القبول بتحالف رئاسي يتيح للرئيس “تبون” تسمية رئيس الحكومة وتشكيل الفريق الحكومي، وتطبيق البرنامج السياسي والاقتصادي للرئيس.
المحلل السياسي والباحث في الشأن الجزائري “خالد عبد الحميد”، يرى أن هذا الخيار الأكثر واقعية، مشيرا إلى أن نتائج الانتخابات النيابية تعزز هذا الخيار، لأنها أوجدت بالأساس كتلتين سياسيتين بغض النظر عن التقسيمات.
ويقول “عبد الحميد” أن الانتخابات قسمت الساحة السياسية إلى كتلتين فقط، وهما الكتلة الوطنية، والتي تضم “جبهة التحرير الوطني” و”التجمع الوطني الديمقراطي” و”جبهة المستقبل”، وكتلة المستقلين التي يبلغ مجموع مقاعدها 288، أي أكثر من 66 في المائة من المقاعد بما يكفي لضمان حزام حكومي دون الحاجة إلى قوى أخرى، وكتلة الإسلاميين التي تضم حركة “مجتمع السلم” وحركة “البناء الوطني”، مشيرا إلى أن هذه الأخيرة تبدو أقرب في الموقف والخيارات إلى الكتلة الوطنية، ما يرجح فرضية أن تنضم البناء إلى الكتلة الوطنية في تشكيل التحالف الرئاسي والحزام السياسي لحكومة الرئيس، خاصة أن رئيس الحركة “عبد القادر بن قرينة” كان أكثر وضوحاً حين دعا في المؤتمر الصحافي الذي عقده الأسبوع الماضي إلى تشكيل كومندوس حكومي من قبل الرئيس “تبون”.
المحلل السياسي أشار إلى أنه ممَّا لا ريب فيه أن النتائج المعلنة بشكل أو بآخر قد عبرت عن خيارات الناخب الجزائري الذي اختار أن يدلي بصوته، واختار الاستمرارية واصطف لصالح توافق المكونات السياسية التي صوت اليها فهي متقاربة من حيث عدد المقاعد، ما يعني بحسب “عبد الحميد” أن البلاد وصلت إلى نقطة يمكن الانطلاق منها باتجاه تحقيق تطلعات الشعب الجزائري بما فيهم ناشطو الحراك.
تحالف صوري
لا يتفق الحقوقي “عبدالله العناني” مع ما جاء به المحلل “عبد الحميد”، حيث يعتبر أن التحالف بين “جبهة التحرير الوطني” وحركة “البناء الوطني” يفرض أولاً تجاوز إكراهات سياسية بالنسبة لقادة الحزبين، خاصة بعد خلفية حرب التصريحات والمشادات الكلامية التي حدثت بينهما خلال الحملة الانتخابية الأخيرة.
وكان رئيس حركة البناء “عبد القادر بين قرينة”، قد اتهم حزب “جبهة التحرير” وقياداته بالتسبب في النكبة السياسية، وحمله المسؤولية عن المشكلات والأزمات التي عرفتها البلاد، فيما ردّ أمين عام جبهة التحرير “أبو الفضل بعجي” على هذه الاتهامات، باتهام “بن قرينة” بإساءة استغلال الدين في السياسة، قائلا ان “هناك رئيس حزب لا أذكر اسمه، يسعى إلى استغلال الدين الإسلامي بصورة مبتذلة، من خلال الصلاة على قارعة الطريق، ورئيس هذا الحزب ينشر العنصرية بتهجمه على منطقة عزيزة علينا، منطقة القبائل، يجب محاربة هذه الخطابات والأفكار العنصرية، هل هذه الأخلاق سياسية، وهل بهذا الخطاب يريدون تعويض جبهة التحرير في الحكم؟”.
في هذا السياق، يشدد “العناني” على ضرورة أن تتجاوز هذه الأحزاب كل خلافاتها للقبول بواقع التحلق حول الرئيس، لأن ذلك يوفر لها مكاسب سياسية بالدرجة الأولى، مؤكدا أنه بالرغم من أن هذه القوى ليس لها أي خيار آخر غير التسليم للرئيس بموضوع تشكيل الحكومة، وتشكيل تحالف رئاسي، لكنه سيكون في النهاية تحالفاً صورياً من دون أية اشتراطات تذكر، لأنها لا تملك في الواقع برنامجاً سياسياً واقتصادياً ورؤية واضحة لإدارة الحكومة في هذه المرحلة، إضافة إلى أن السلطة والتوازنات الداخلية الهشة لا تسمح بوضع الحكومة خارج يد الرئيس.
ويضيف قائلا: “التجربة السياسية الجزائرية لم تنضج بعد لمنح حزب أو مجموعة أحزاب مسؤولية تشكيل الحكومة وصياغة خياراتها.
حكومة تكنوقراط
ووفق التشكيلة الجديدة للبرلمان المنتخب، فإن الأمور تسير بخطى ثابتة نحو تعيين وزير أول بدلا من رئيس للحكومة، وذلك بعدما فشلت كل الأحزاب من تحقيق الأغلبية البرلمانية المحددة قانونا بسقف 205 مقعد من أصل 407، حسبما يؤكد الخبير في العلوم السياسية “أنور بومهدية” الذي يشير إلى أنه بعد إعلان نتائج الانتخابات البرلمانية، توجهت أبرز الأحزاب الفائزة لإعلان دعمها لبرنامج “تبون”، كما أعلن 78 مترشحا حرا فائزا دعمه لبرنامج الرئيس أيضا.
وبينما يشير “بومهدية” إلى أن جميع التوقعات تشير إلى أن تشكيلة الحكومة ستكون من التيار الوطني الذي يمكنه تشكيل الأغلبية حسب النتائج المحققة للانتخابات التشريعية، التي لم ينل فيها أي حزب سياسي الأغلبية، يرجح تعيين وزير أول غير متحزب، معللا ذلك بأن “تبون” معروف بأنه رجل الكفاءات العلمية الذي لا يود الدخول في متاهة الحسابات الحزبية، كما يتوقع احتفاظ بعض الوزراء الحاليين بحقائبهم الوزارية نظرا لارتباطهم بملفات ثقيلة ذات طابع إقليمي وأمني.
يشار إلى أن حزب جبهة التحرير الوطني تصدر القوائم بـ98 مقعدا، فيما حاز الأحرار على 84 مقعدا وحركة مجتمع السلم على 65، والتجمع الوطني الديمقراطي على 58 مقعدا، وجبهة المستقبل على 48، وحركة البناء الوطني على 39.
وفي هذا السياق، يرى “بومهدية”، أن هذه النتائج ستساعد رئيس الجمهورية على تشكيل حكومة كفاءات وطنية لمواصلة تجسيد برنامجه والتزاماته تجاه الشعب الجزائري”، مشيرا إلى إن الحكومة قد تكون بين التيار الوطني والمستقلين، ومشددا على أن “تبون” سيحاول ذلك لأنه يعلم جيدا أن التغيير يأتي عبر مراحل وليس دفعة واحدة”.
يشار إلى أن “حركة مجتمع السلم” وهي أكبر حزب إسلامي في الجزائر، دعت أمس الخميس، إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية قادرة على التكفل بتطلعات المواطنين.
وقالت الحركة، التي حلت في المرتبة الثالثة، إنها “تدعو السلطات إلى حوار استراتيجي بخصوص حاضر ومستقبل البلد والسعي الجاد لتسهيل تحقيق مطلب التوافق الوطني وتشكيل حكومة وحدة وطنية يتوفر لها حزام سياسي واجتماعي واسع”، مشيرة إلى أن الهدف هو “تحقيق الاستحقاق الأهم للمواطنين والأخطر على مستقبل البلد المتعلق بالتنمية الوطنية، وفق التزاماتها التي أعلنت عنها في الحملة الانتخابية”.
كما دعت الحركة الأحزاب الفائزة في الانتخابات، وفق النتائج النهائية المعلنة، إلى الشروع في حوار شفاف للتشاور في ما هو أصلح للبلد بعد الانتخابات.