تبدي دوائر سياسية لبنانية مقربة من مشاورات تشكيل الحكومة تفاؤلها باقتراب تأليفها، بعد تجاوز أبرز خلافات توزيع الحقائب الوزارية، مرجحة أن يتم الإعلان عنها قبل نهاية الشهر الجاري، نتيجة الضغوط الخارجية والداخلية.
وتؤكد مصادر سياسية بارزة أن بعض الأطراف المعنية بتشكيل الحكومة بدأت تتعاطى جدياً مع الإنذار الفرنسي المدعوم أوروبيا وأمريكيا، بفرض عقوبات على كل من يثبت ضلوعه في عرقلة تأليف الحكومة، وهو ما تؤكده المرونة التي أبداها الرئيس “ميشال عون” ورئيس البرلمان “نبيه بري”، بالإضافة إلى وليد جنبلاط الذي أزال عقبة مهمة، كانت أمام تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة، وذلك من خلال تفويض الرئيس المكلف “نجيب ميقاتي” باختيار الوزارة المناسبة للشريحة التي يمثّل فيها الدروز، حسبما ذكرت المصادر.
مسودة تؤشر على تجاوز العقبات
الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة اللبنانية “نجيب ميقاتي” أعلن أنه توصل مع الرئيس “ميشال عون” إلى صيغة مسودة لتشكيلة حكومية خلال اجتماعهما أمس الخميس، على أن يجتمع الطرفان اليوم في جلسة ثامنة ضمن جهود تشكيل الحكومة.
كما أكد “ميقاتي” أن الأمور تسير في المسار الصحيح وهناك “تقدم حذر”، لافتاً إلى أنه سيزور عون بعد ظهر اليوم، لتثبيت صيغة المسودة التي تم التوصل إليها.
وبالرغم من تصريحات ميقاتي التي اعتبرتها وسائل إعلام محلية بشرى للبنانيين، إلا أن مصادر مطلعة أكدت أن التباينات الأساسية لا تزال عالقة عند عقدة وزارة الداخلية، إضافة إلى الحقائب الأساسية مثل “الشؤون الاجتماعية” و”التربية” و”الاتصالات”، مشيرة إلى أن الاتفاق الذي تم بين “عون” و”ميقاتي”، تركز حول تثبيت الحقائب السيادية على الطوائف، أي الخارجية للموارنة والداخلية للسنة والمال للشيعة والدفاع للروم الأرثوذكس، أما بقية الحقائب فستتم المداورة بينها، ولن يتم البحث بموضوع الأسماء إلا بعد بت التوزيع الطائفي.
وذكرت المصادر، أن مسودة الاتفاق تشير إلى الإبقاء على التوزيع الطائفي نفسه المعتمد في الحقائب السيادية، الأمر الذي يثبت إبقاء حقيبة الداخلية والبلديات في يد شخصية سنية.
وسبق أن اتفق عون وميقاتي على المداورة في الحقائب الخدماتية، وبالتالي هناك طرحان على طاولة البحث الآن وهما إما إبقاء التوزيع نفسه فلا يعترض أحد من الأفرقاء على الحصة التي ينالها، وإمّا إعادة التوزيع بنحو عادل لا يشوبه خلل، بحيث يحصل فريق على وزارتين خدماتيتين أو ثلاث، ويحصل فريق آخر على وزارة خدماتية أو لا يحصل على أي منها. وتجري عملية تدوير الزوايا بين هاتين النقطتين، حسبما تشير المصادر.
ضغوط دولية
المحلل السياسي “عمران الحلبي”، يرى أن المرونة التي ابداها الرئيس “عون” كانت واضحة من خلال تصريحات “ميقاتي”، الذي يتلقى دعما دوليا، مشيرا إلى أن باريس دخلت على الخط بعد التأزيم الذي اصطدمت به عملية التأليف خلال الجولات السابقة، وتمكنت من أن تعيد المشاورات ناصحة الفريق السياسي المحسوب على “عون” بعدم التفريط بآخر محاولة للنجاح في تشكيل الحكومة لتعذّر وجود البديل لميقاتي.
كما يؤكد “الحلبي” أن باريس شددت من خلال رسائلها لفريق “عون” وغيره من المتهمين بعرقلة تشكيل الحكومة، أن هدر الوقت لم يعد مسموحاً محلياً وإقليمياً ودولياً، لأن المشكلة لا تكمن في الخلاف على وزير أو حقيبة، وإنما في اتباع باسيل سياسة التعطيل، لأنه يتطلع إلى حكومة تأتي على قياسه وتلبي طموحاته، وهذا ما يرفضه ميقاتي، لافتا إلى أن السباق على أشدّه بين إزالة العراقيل التي تؤخر ولادتها لئلا يكون البديل فرض عقوبات على من يعيقها، خصوصاً أنها أصبحت جاهزة، إلا في حال أن الفريق الذي يقوده مباشرة رئيس التيار الوطني الحر النائب “جبران باسيل” تمادى في تعطيل تشكيلها ولم يستجب للنصائح الدولية.
يشار إلى أن الجانب الفرنسي كان أبلغ الفرقاء السياسيين بأن مسألة فرض عقوبات على كل من يعطل التشكيل، لن تستثني رئيس الجمهورية شخصيا هذه المرة.
كما هاجم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الطبقة السياسية اللبنانية بشدة بمناسبة مؤتمر المانحين، الذي يأمل أن يجمع من خلاله 350 مليون دولار الأسبوع الماضي، مشددا على أنه لا شيك على بياض لأحد، في موقف يظهر أن فرنسا تمضي في مسار العقوبات لإجبار السياسيين اللبنانيين على دعم حكومة إصلاحات اقتصادية مثلما يطالب بذلك المجتمع الدولي.
ووصف ماكرون السياسيين اللبنانيين بأنهم فاشلون وأنهم يراهنون على “استراتيجية المماطلة، وهو أمر مؤسف”، وهو “فشل تاريخي وأخلاقي”.
وترى أوساط سياسية لبنانية إن خطاب ماكرون أرسل إشارات قوية على أن المرحلة القادمة ستكون مرحلة المحاسبة لمن يقفون بوجه تشكيل الحكومة الجديدة، وأن باريس وحلفاءها لن يسمحوا بمشاورات جديدة تستمر أشهرا مثلما جرى مع رئيس الحكومة المكلف السابق “سعد الحريري”، الذي قادت خلافات بينه وبين “عون” إلى رحلة طويلة من المناكفة وتسجيل النقاط، جعلت اللبنانيين يخسرون تسعة أشهر في عزّ أزماتهم الصحية والاقتصادية والاجتماعية.
المالية ليست عقبة
تواردت أنباء خلال الفترة الماضية، أن عون يضع “فيتو” على إسناد وزارة المالية لرئيس دائرة القطع في مصرف لبنان “يوسف خليل” بذريعة قربه من الحاكم “رياض سلامة”، ما عزز التوقعات بأن يضاف ذلك إلى العقبات التي تقف أمام تشكيل الحكومة.
لكن مصادر مطلعة، تؤكد أن “نبيه بري” أبدى كل مرونة لتسهيل تشكيل الحكومة، وبالتالي لن يكون اسم الوزير الذي سيتولى المالية عائقاً أمام ولادتها اليوم قبل الغد.
وبحسب المصادر ذاتها، فإن “بري” أبلغ ميقاتي عندما التقاه الاثنين الماضي بأن عليه التفاهم مع “عون” على توزيع الحقائب وأسماء الوزراء وعندها ستحل مسألة اختيار الوزير الشيعي للمالية قبل أن يتوجه إلى بعبد اللقاء عون تمهيداً لإصدار المراسيم الخاصة بتأليفها. لذلك؛ من غير الجائز، كما تقول المصادر نفسها، التلطي وراء اسم من سيشغل حقيبة المالية لتبرير تأخير تشكيل الحكومة بالتذرُّع بموقف بري.
بالإضافة إلى ذلك، أزال رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي “وليد جنبلاط” عقبة أمام تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة بتفويض “ميقاتي” باختيار الوزارة المناسبة للشريحة التي يمثّل فيها الدروز.
وقال “جنبلاط” في مؤتمر صحافي، أمس الخميس: “كلّفت الرئيس نجيب ميقاتي باختيار الوزارة المناسبة للشريحة التي نمثّل”، مضيفا “ليس هناك تمثيل حزبي، وميقاتي يقرر بالتنسيق مع رئيس الجمهورية ميشال عون”.
وبقيت الحقائب الخدماتية من أبرز المسائل العالقة الآن، قبل تفويض جنبلاط لميقاتي باختيار الوزارة التي تناسب حزبه، وذلك بعد إصراره في وقت سابق على الحصول على وزارة الشؤون الاجتماعية، والتي كانت من ضمن حصّة “عون” وفق التوزيع السابق لهذه الحقائب، وعرض على جنبلاط وزارات أخرى، لكنه رفض في وقت سابق.
ويصر عون على أن تكون وزارة الشؤون الاجتماعية من حصته، بينما لا يزال ميقاتي يعتبر هذه الحقيبة من حصة جنبلاط.