تعود نتائج الانتخابات العراقية الأخيرة إلى الواجهة من جديد، تزامناً مع إعلان مفوضية الانتخابات العراقية وجود تغيير قوي في النتائج المعلنة سابقاً بعد مراجعة الطعون التي قدمتها القوى المعترضة، مشيرةً إلى إمكانية الإعلان عن النتائج النهائية خلال الساعات القادمة وعرضها على المحكمة الاتحادية للمصادقة عليها.
يشار إلى أن ملف نتائج الانتخابات قد أحدث توتراً في المشهد العراقي خلال الأيام الماضية، لا سيما مع خروج ما يعرف بـ “الأحزاب الولائية” المدعومة من إيران إلى الشوارع احتجاجاً على تلك النتائج وما تبع ذلك من تعرض رئيس الحكومة العراقية، “مصطفى الكاظمي” لمحاولة اغتيال فشلت في إصابته.
ردود فعل محذرة والتيار الصدر يقول كلمته
إعلان المفوضية حول وجود تغيير قوي في الانتخابات بناءاً على الطعون المقدمة، يدفع التيار الصدري، الفائز الصريح بالانتخابات وفقاً للنتائج السابقة، إلى التحذير من وجود محاولات وضغوط تمارسها بعض الأطراف لتغيير النتائج وإعلان نتائج جديدة، داعياً إلى رفض التدخل في عمل المفوضية من أي جهة كانت.
في السياق ذاته يشدد زعيم التيار الصدري، “مقتدى الصدر” على أن البعض يريد تغيير النتائج من أجل تعطيل حكومة الأغلبية التي استاؤوا من بوادر اشراقاتها، على حد تعبيره، معرباً عن إدانته لكل الضغوطات السياسية والأمنية التي تتعرض لها المفوضية منذ أول يوم عمل لها حتى الآن.
كما يضيف “الصدر”: “بكل فخر واعتزاز إذ نعلن عن نزاهة عمل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات ودقة مهنيتها في كل تفاصيل عملها فإننا نرفض التدخل بعملها من جهة ونؤكد على سلامة أفرادها والمنتمين لها من جهة أخرى”.
يشار إلى أن الكتلة الصدرية حققت فوزاً ساحقاً في الانتخابات الأخيرة بعد أن حقق مرشحوها 73 مقعدا وفق النتائج التي تم الإعلان عنها سابقا، وهي النتائج التي تمكن التيار الصدري من الدخول في تشكيل الحكومة العراقية الجديدة بقوة، خاصةً مع تراجع الأحزاب الولائية.
تزامناً مع تحذيرات التيار الصدري من الضغط على المفوضية لتغيير النتائج، يبرز رد فعل تحالف الفتح، والذي يرى أن وجود تغيير في نتائج الانتخابات يعكس وجود عمليات تزوير وتلاعب بها، حيث يقول القيادي في التحالف “محمد الحياني”: “ما حدث من تغيير بالنتائج يؤكد ويثبت وجود تزوير وتلاعب في الانتخابات البرلمانية المبكرة، وهذا دليل أثبتته القرارات القضائية، خصوصاً بعد فوز مرشحين خاسرين وخسارة مرشحين فائزين”.
يذكر أن تحالف الفتح، الحليف القوي لإيران، من بين أبرز القوى السياسية الخاسرة في الانتخابات الأخيرة، والتي قدمت الأحد الماضي، شكوى للمحكمة الاتحادية للطعن في نتائج الانتخابات العراقية.
ويضم تحالف الفتح كلاً من عصائب أهل الحق، التابعة “لقيس الخزعلي” ومنظمة بدر بزعامة “هادي العامري، بالإضافة إلى مجموعة كبيرة من الأحزاب المدعومة إيرانياً.
خطة ب.. مفاوضات من تحت الطاولة ومحاولات لتطويق نفوذ الصدر
محاولات تغيير نتائج الانتخابات بالضغط على المفوضية ورئاسة الحكومة تترافق بحسب ما تكشفه مصادر سياسية مطلعة؛ عن وضع الأحزاب الولائية خطة ب هدفها تقويض نفوذ الصدر، في حال فشلها في إحداث تغيير جذري في نتائج الانتخابات، مشيرةً إلى أن قادة تلك الأحزاب تمضي في ذات الوقت، بمفاوضات من تحت الطاولة، من شأنها وضع شروط للمشاركة في حكومة يقودها التيار الصدري، وفي مقدمتها إجراء انتخابات نيابية مبكرة خلال العامين القادمين.
إلى جانب ذلك، تكشف المصادر عن وجود توجه داخل تلك الأحزاب لتقويض المناصب التي قد يحصل عليها التيار الصدري داخل مجلس النواب ولا سيما منصب نائب رئيس المجلس، لافتةً إلى أن هناك قلق داخل الطيف السياسي الشيعي من هيمنة الصدر على كامل المناصب الشيعية في البلاد من خلال السيطرة على مجلس النواب.
تعليقاً على تصريحات المصادر، يشير المحلل السياسي، “خضير علاوي” إلى أن التيار الصدري لا يمكن أن يقبل بتلك الشروط، خاصة وأن الأحزاب الولائية إن لم تتغير النتائج المعلنة بشكل كبير، لن يكون لها ثقل برلماني يعطل الحكومة، لا سيما وأن حكومة الصدر يمكنها الاكتفاء بإنشاء تحالفات مع القوى السنية والكردية داخل المجلس.
ويوضح “علاوي”: “اعتماد الصدر على التحالفات السنية والكردية يمنح حكومته زخماً وتوازناً أكبر وقبولاً من الأطراف الدولية والإقليمية، حتى وإن تعرضت لمضايقات من قبل التيارات الشيعية المتشددة المتحالفة مع إيران، ولكن على المستوى الوطني، فإن حكومة من هذا النوع ستكون كفيلة في صون الوحدة الوطنية وكسر الهيمنة الإيرانية وإنهاء العزلة الإقليمية”، لافتاً إلى أن العراق في تلك الحالة سيكون أمام فرصة ذهبية لإعادة تشكيل الدولة الضائعة.
في ذات الوقت، يؤكد “علاوي” أن مسار الصدر في تشكيل الحكومة لن يكون سهلاً، تحديداً مع استعداد الميليشيات لاستخدام السلاح والتوتر الأمني لفرض رؤيتها وأجنداتها على الساحة العراقية، وهو ما يمكن أن يهدد بصدامات كبيرة داخل الشارع الشيعي على حد قوله، لافتاً إلى أن مفوضية الانتخابات قد تلجأ إلى إحداث تغيير في نتائج الانتخابات كمحاولة لتجنب تلك الصدامات.
من جهته يقول الكاتب العراقي، “إبراهيم الزبيدي” : ” ذهاب مقتدى الصدر إلى أعلى سقوف مطالبه التعجيزية في معاركه اللغوية على النفوذ مع خصومه وإخوته الولائيين الخاسرين في الانتخابات لا يدل على حنكة سياسية، ولن يقود إلى نتيجة تساعد على تفادي العراق للانسداد الكامل الذي لا خروج منه، وقد يطول ويطول، وقد تصاحبه صدامات دامية لا يعرف أحدٌ حجمها أو مقدار خسائر الشعب العراقي من تداعياتها”.
كما يلفت “الزبيدي” إلى أن إيران، التي اعتبرها صاحبة الأمر والنهي في العراق من الآن وإلى أمدٍ بعيد، لن تسمح بحكومة “وطنية” تُفصَّل على مقاس طموحات مقتدى، لتقوم بحلّ الفصائل المسلحة وتسليم سلاحها للحشد الشعبي وتصفية الحشد من العناصر غير المنضبطة، وتفعيل قانون من أين لك هذا، ودعوة الراغبين في المشاركة بالحكومة من الخاسرين في الانتخابات إلى تطهير أحزابهم من المتهمين بالفساد، على حد قوله.
ضحايا محتملين على قربان الاستقرار النسبي
إمكانية اتجاه المفوضية العليا لإرضاء الأحزاب والميليشيات المقربة من إيران، سيناريو شديد الاحتمالية وفقاً لما يراه المحلل السياسي، “كرار العبادي”، لافتاً إلى ان تلك الترضية قد تكون على حساب المرشحين المستقلين، بما يوفر على الدولة العراقية الدخول في مواجهات سواء مع الأطراف الخاسرة أو الرابحة.
ويشير “العبادي” إلى أن المرشحين المستقلين سيكونوا قرابين لما يمكن وصفه بالاستقرار النسبي على الأقل من الناحية الأمنية، خاصة وأن أولائك المرشحين لا يمتلكون أي قوة سياسية أو عسكرية تدافع عنهم، معتبراً أن الميليشيات العراقية المدعومة من إيران استخدمت أبشع أنواع الابتزاز للحفاظ على ثقلها النيابي، من خلال تهديد الأمن العراقي والتلويح باستعدادها لشن حرب أهلية أو حرب تستهدف الكيان العراقي ككل.
كما يعتبر “العبادي” أن ما شهده العراق خلال الأسابيع التي تلت الانتخابات يؤكد على ضرورة وضع حد لتلك الميليشيات ولسياساتها الاستفزازية وسلاحها الذي بات يشكل أكبر تهديد للدولة العراقية والشعب العراقي والديمقراطية في البلاد، لافتاً إلى أن بقاء تلك القوة هو أسوء سيناريو يواجه العراق، وكونه سيبيقه رهينة لدى من وصفهم بـ “قطاع الطرق”، المدعومين من إيران.