شهدت تونس خلال الساعات الماضية احتجاجات ومواجهات بين قوات الأمن والمتظاهرين هي الأعنف منذ ثورة 2011، التي أطاحت بنظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، مثيرة تساؤلات حول مدى قدرة الرئيس سعيد على تنفيذ خارطته وسط معارضة بعض الأحزاب والقوى المدنية.
وفي وصفها لما حدث قالت وزارة الداخلية التونسية أمس الجمعة، إن المئات تعمدوا محاولة اقتحام الحواجز الأمنية وسط العاصمة، ومهاجمة قوات الأمن المتمركزة لحفظ النظام، موضحة في بيان:”إثر تعمد مجموعات متفرقة من الأشخاص ناهز عددهم حوالي 1200 شخص، التظاهر بالأنهج المحيطة بشارع الحبيب بورقيبة، متحججين بالاحتفال بيوم 14 يناير، تعمدوا مخالفة القرار الوزاري القاضي بمنع كافة التّظاهرات بالفضاءات المفتوحة والمغلقة خلال هذه الفترة” للوقاية من انتشار فيروس كورونا.
البيان أضاف: “كما تعمدوا محاولة اقتحام الحواجز الأمنية ومهاجمة الأمنيين المتمركزين لحفظ النظام والأمن”، مشيرا إلى أن “الوحدات الأمنية تولت مع التحلي بأقصى درجات ضبط النفس، التدرج نحو استعمال المياه لتفريقهم مع دعوتهم للمغادرة”.
وكانت حركة النهضة دعت إلى مظاهرات من بعض القوى المعارضة، احتجاجا على إجراءات الرئيس قيس سعيد الذي قررفي 25 يوليو تعليق أعمال البرلمان وإقالة رئيس الحكومة السابق وتولي السلطات في البلاد. ولاحقا عيّن حكومة جديدة برئاسة نجلاء بودن كما علّق العمل بفصول من دستور 2014.
سعيّد حدد كذلك روزنامة سياسية للعام 2022 تبدأ بـ”استشارة شعبية” وتنتهي باستفتاء شعبي مرتقب في 25 يوليو يتم بمقتضاه إجراء تعديلات دستورية، على أن تقام انتخابات نيابية في ديسمبر 2022 ويبقى البرلمان الحالي مجمّدا إلى ذلك التاريخ.
الاحتجاجات الأخير سبقها تحذير الاتحاد العام التونسي للشغلمن دخول البلاد في مرحلة توتر اجتماعي، بعد تحديد الحكومة شروطا للتفاوض مع النقابات، ما أدى إلى تعطل الحوار معها في عدة قطاعات.
وقال الأمين العام المساعد والناطق الرسمي باسم الاتحاد سامي الطاهري، الأربعاء الماضي، “إن عددا من القطاعات دخلت في إضرابات عشوائية إثر تعطل الحوار الاجتماعي ميدانيا”، محذرا من “الدخول في مناخ اجتماعي متوتر وسنصل لأكثر من 80 بالمائة من الإضرابات”.
كما اعتبر أن كل جلسات المصالحة التي تمت في وزارة الشؤون الاجتماعية وفي التفقدية العامة فشلت”، وذلك “بعد مطالبة الطرف الإداري بالعودة إلى الحكومة قبل مواصلة التفاوض، طبقا لما ينص عليه المنشور الصادر عن رئيسة الوزراء نجلاء بودن”.
وكانت قد بدأت بوادر صدام تطفو على السطح بين الحكومة التونسية التي تقودها نجلاء بودن وبين الاتحاد التونسي للشغل، أكبر منظمة عمالية في البلاد، بسبب سياسات وإجراءات تقشفية تتبعها الحكومة للخروج من الأزمة المالية والاقتصادية في البلاد، دون تنسيق مع الاتحاد وتشريك له، بشكل ينذر بانفجار احتقان اجتماعي واسع.
لكن رئاسة الحكومة نفت “أي نية لضرب حق العمل النقابي” بعد إصدار منشور ينص على حصول أعضاء الحكومة على ترخيص مسبق من بودن قبل التفاوض مع النقابات، ما أثار غضب المنظمة الشغيلة، داعية إلى شن إضرابات ما لم يتم سحبه.
وكانت الحكومة ذكرت في بيان لها الثلاثاء، أن الغاية من هذا المنشور “التنسيق بين الوزارات والمؤسسات والمنشآت الحكومية من جهة ورئاسة الحكومة من جهة أخرى”، مشددة على أنه “لا علاقة له بما يُروّج حول نيّة ضرب حق العمل النقابي الذي يكفله القانون”.
الاستشارة الشعبية الالكتروينة
الرئيس قيس سعيّد الذي حدد أجندته السياسية للعام 2022 بالبدء بـ”استشارة شعبية” وتنتهي باستفتاء شعبي مرتقب في 25 يوليو يتم بمقتضاه إجراء تعديلات دستورية، يرى المحلل السياسي كمال بن يونس في تصريحات صحفية الاستشارة الإلكتروني “غير عملية”، فيما استبعد المحلل السياسي، صلاح الدين الجورشي، إمكانية تنفيذ خارطة الطريق “في ظل هذا الرفض الشعبي”، على حسب تعبيره.
الجورشي أشار إلى تزايد مطالب القوى المدنية للناس بمقاطعة الاستشارة الإلكترونية، التي اعتبرها “التفافا على مطالب التونسيين” بإجراء حوار مباشر بين القوى التونسية، وقال: “من الصعب أن تعكس التنوع الحقيقي للشعب التونسي، ولن تلبي تطلعاته”، ولفت إلى أنه من الصعب إجراء الانتخابات في الموعد الذي حدده سعيد، بسبب الصراع بين القوى السياسية حول قانون الانتخابات.
لكن في المقابل، يرى الباحث الصغير الذاكراوي، أن المظاهرات ليست بالحجم الذي قد يؤثر على المسار الذي اتخذه سعيد، مشيرا إلى أن المراقبين كانوا يتوقعون مظاهرات بالآلاف في ذكرى الثورة، ولكنها جاءت بالمئات، مضيفا أن الأحزاب والحركات التي تعارض خارطة الطريق ليس لها وزن في الشارع، بما فيها حركة النهضة.
ولفت إلى أن الاتحاد العام للشغل انتقد قرارات الرئيس مثل الكثير من التونسيين، ولكنه لا يعارضها ولا يرفضها.
يشار أن اتحاد الشغل ذو التأثير القوي في تونس انتقد في 4 يناير الجاري، خارطة الطريق، وقال إنها لا تنفصل عن التفرد بالحكم والاقصاء، وقال الاتحاد الشغل في أول تعليق له على خطة الرئيس “تحديد موعد للانتخابات خطوة أساسية لإنهاء الوضع الاستثنائي لكنها لا تقطع مع التفرّد والإقصاء وسياسة المرور بقوّة دون اعتبار مكوّنات المجتمع التونسي ومكتسباته”، فيما اعتبرت حركة النهضة أن خارطة الطريق التي أعلنها الرئيس قيس سعيد، “خطوة أحادية لا تلزم سواه”، مؤكدة رفضها “للإجراءات الانقلابية” التي أقدم عليها، بحسب تعبيرها.
الرئيس قيس سعيد من جهته قال خلال لقائه رئيس الحكومة نجلاء بودن، أن الاستفتاء الإلكتروني حول الإصلاحات المقرر إطلاقه منتصف الشهر الجاري ليس بدعة، وذلك على خلفية الانتقادات الموجهة إلى هذه الآلية.
وأضاف سعيد في فيديو نشرته الرئاسة، إن هدف المنتقدين لهذا الاستفتاء هو عدم تطبيقه، مشددا على “أنه سيطبق لمعرفة الآراء السائدة داخل المجتمع، لا الأفكار التي يأتي بها الشيطان للبعض كل ليلة”، وفق تعبيره.
سعيد شدد في سياق آخر، على ضرورة إصدار مراسيم تسلط عقوبة السجن ضد المضاربين والمحتكرين، قائلا “إنهم يريدون إعادة التنظم من جديد داخل الدولة للتنكيل بالشعب ومقدراته”، في إشارة إلى حركة النهضة.
وعن وضع نائب رئيس النهضة نورالدين البحيري قيد الإقامة الجبرية، شدد سعيد “أنه كان المفروض أن يكون مكانهم السجن، لكني لست قاضيا ولا ديكتاتورا”، مشيرا إلى “أن هناك أدلة إدارية وأمنية تثبت تورطهم في تدليس جوازات سفر ومنحها لأشخاص كانوا على لوائح الإرهابيين”، على حد قوله.
الرئيس التونسي كان أكد قبل أيام على محاكمة ومحاسبة كل من أجرم بحق البلاد، وقال “إنهم يحاولون ضرب الدولة من الداخل ويعتقدون أنهم الدولة”، مضيفا خلال إشرافه على اجتماع لمجلس الوزراء في قصر قرطاج، “كدّسوا المليارات في الداخل والخارج ثم يظهرون الورع والتقوى”، في انتقاد ضمني لحركة النهضة.
كما بيّن أن الشعب التونسي يتطلع إلى تحقيق الكرامة ولا يقبل المساس بسيادته، ويرفض كل محاولات الاستقواء بالخارج.
ومنذ أشهر، فتح القضاء التونسي تحقيقات موسعة بحق عدة أحزاب سياسية، على رأسها حركة النهضة وحزب “قلب تونس”، وذلك حول عقود “اللوبيينغ” التي تتعلق بالحصول على تمويل أجنبي للحملة الانتخابية وقبول تمويلات مجهولة المصدر، وذلك اعتماداً على ما كشفه التقرير الختامي لدائرة المحاسبات حول نتائج مراقبة تمويل الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها والانتخابات التشريعية لسنة 2019.