يعيش حزب التجمع اليمني للإصلاح، الذراع السياسية لتنظيم الإخوان المسلمين في اليمن، أسوأ أيامه، بعد الهزيمة المذلة التي تعرض لها في محافظة شبوة (جنوب وسط) إثر محاولته التمرد على الشرعية في المحافظة الواقعة على تخوم مناطق سيطرة ميليشا الحوثي، الأمر الذي دفع الحزب إلى التهديد بالإنسحاب من مجلس القيادة الرئاسي المشكّل كحل توافقي في ابريل الفائت. بينما حاولت “قناة الجزيرة” مؤازرة ميليشيات الإصلاح عبر مهاجمة خصمها الأساسي؛ المجلس الانتقالي الجنوبي، من باب النكاية بدولة الإمارات التي تدعم “الإنتقالي” في إطار تواجدها ضمن “التحالف العربي لدعم الشرعية”.
وبين هذا وذلك، تقف جماعة الحوثي في موقع المتربص لما ستؤول إليه الأوضاع، أملاً بأن تُحدث صدع سياسي داخل الحكومة وداخل المجلس الرئاسي، وتقوم من أجل تحقيق ذلك بإصدار تصريحات توحي بالتقارب مع حزب الإصلاح.
هزيمة الإخوان في شبوة..
تطورت التوترات الأمنية والعسكرية في محافظة شبوة بين ميليشات الإخوان وقوى الشرعية المدعومة من التحالف العربي، إلى معارك قتالية عنيفة في الثامن من شهر أغسطس/آب الجاري، تركزت في عتق (عاصمة المحافظة)، ما أدى إلى حشد قوات الأمن التابعة للإصلاح ضد الوحدات العسكرية التابعة للمجلس الرئاسي. وشكلت إقالة قائد القوات الخاصة عبدربه لعكب، المحسوب على “الإصلاح”، الشرارة التي أشعلت فتيل الأزمة. وبعد ثلاثة أيام من الكر والفر انتهت المعارك، في 10 أغسطس/آب، بسيطرة ألوية العمالقة وقوات دفاع شبوة، المقربة من الإمارات، على المدينة، وفرار القادة الموالين للإصلاح من المحافظة وإنهاء التمرد.
على وقع هذه الأحداث، اتخذ المجلس الرئاسي إجراءات حاسمة، في مقدمتها إقالة القيادات الإخوانية المتمردة، وتعيين 3 قيادات عسكرية وأمنية بدلا عنها في محور عتق والقوات الخاصة وشرطة شبوة. بينما ردّ “الإصلاح” على ذلك بلغة تصعيد حادة ضد المجلس ورئيسه ذروته، ووصل إلى إنكار شرعية المجلس، والتحريض ضده.
وأصدر الحزب الإخواني، يوم 12 أغسطس، بيانا، أقر فيه بضلوعه في التمرد والانقلاب في شبوة وشن هجوما حادا على المحافظ عوض ابن الوزير وطالب بإقالته أو أنه سيظطر للانسحاب من كافة المجلات، بمعنى فض توافق مجلس القيادة الرئاسي.
وتحتل شبوة أهمية في حسابات الإخوان، لجهة الحفاظ على وجودهم العسكري والأمني في الجنوب، وأيضا بوضعهم السياسي الذي تعرض للتحجيم منذ نقل صلاحيات الرئيس السابق عبدربه منصور هادي إلى مجلس القيادة الرئاسي، وإقالة قائد الجناح العسكري للتنظيم علي محسن الأحمر في أبريل الماضي، ناهيك عن ما تمتلكه المحافظة من ثروات نفطية وغازية ومعدنية هائلة.
وتشكل هزيمة حزب الإصلاح في معارك شبوة تتويجًا لمسار إخراج الحزب من دائرة النفوذ في المحافظة التي احتكر السلطة فيها لسنوات. وكانت أولى الضربات التي تلقاها الإخوان في شبوة هي إزاحة المحافظ الموالي للإصلاح محمد بن عديو في ديسمبر/ كانون الأول 2021 وتعيين المحافظ الحالي عوض بن الوزير العولقي.
وبحسب تقرير نشره مركز صنعاء للدراسات فإنّ “الإصلاح” يخشى من اقتلاع جذوره سياسيًا وعسكريًا في مناطق نفوذه المتبقية، حيث تحاذي شبوة الحدود الجنوبية لمأرب، أهم مركز له في اليمن، لكن قلق الإصلاح الأكبر من خسارته شبوة يتمثل في نفوذه بوادي وصحراء حضرموت والمنطقة العسكرية الأولى في سيئون، المصنفة موالية للحزب ولنائب الرئيس السابق علي محسن.
رغم ذلك، يعتبر التقرير أن هناك عوامل عديدة لاتزال في صالح جماعة إخوان اليمن التي تراهن على شبكات مواليه ضمن مؤسسات الدولة على المستوى الوطني ومستوى المحافظات والمستوى المحلي، والتي تمنحها نفوذًا ووسيلة للتصعيد ضد خصومها. قائلا “يتمتع الحزب منذ إنشائه عام 1990 بعلاقة خاصة مع السعودية، تعمقت مع بداية الحرب ضد الحوثيين رغم استياء الرياض منه بين الحين والآخر، كما يعتمد الحزب على جيش إلكتروني وأذرع إعلامية لا يستهان بها، يمنية وغير يمنية، سواء داخل اليمن وخارجه، وهو ما يعزز نفوذه في ساحة المعارك الإعلامية”.
مؤازرة من “الجزيرة”..
ويبدو أنّ مركز “صنعاء للدراسات” أصاب كبد الحقيقة في حديثه عن الأذرع الإعلامية الموالية للجماعة، حيث خرجت قناة “الجزيرة” القطرية، لتسند الحملات الإعلامية الواسعة التي تستهدف المجلس الانتقالي الجنوبي، وقياداته كونه من يقود العمليات العسكرية ضد ميليشات جنوبا مع تشكيلات عسكرية أخرى.
واستعرضت ”الجزيرة“ في برنامج ”المتحرّي“، مساء الجمعة 19 آب أغسطس، الصراعات جنوب اليمن، التي أدت لنشوب أحداث 13 يناير 1986، والتي شهدتها عدن وأسفرت عن سقوط الآلاف بين قتيل وجريح، وهو ما ربطه مراقبون بمحاولة القناة استدعاء الصراع المناطقي المدفون في الجنوب، وإذكاء نيرانه مجددا.
وتضمنت الحلقة، التي عُنونت بـ“الإخوة الأعداء“، وثائق ومقابلات لشخصيات كانت مطلعة على الأحداث، بينها رئيس جنوب اليمن وقتها، علي ناصر محمد، تتحدث عن حالة الصراع السياسي على السلطة في تلك الفترة، قبل أن تتحول إلى اقتتال مناطقي وقبلي.
وأسقط البرنامج الذي يعدّه ويقدمه، اليمني جمال المليكي، المنتمي إلى حزب التجمع اليمني للإصلاح، الصراعات السياسية القديمة وما أدت إليه، على واقع جنوب اليمن الذي يُعاش في الوقت الحالي.
ورأى المحلل السياسي، خالد سلمان، أن ما بثّته قناة الجزيرة، ”مجرد تجميع قصاصات ومرويات سبق لوكها على مدى عقود، وسرقة حديث البيض (الرئيس علي سالم البيض، رئيس جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، من العام 1986، وحتى العام 1990) من مكتبة تلفزيون عدن، وتصديرها بالحصري الخاص بالجزيرة، لا شيء جديدًا يستحق التناول في البرنامج سوى نكئ جراح الصراعات الداخلية، وتوظيفها في معركة الراهن السياسي بين الرئاسي والانتقالي والإصلاح الغاضب”.
وقال سلمان في منشور على فيسبوك، إن “ما سيشتغل عليه إعلام الإخوان بعد التحري، أن الجنوب مفتوح على يناير أُخرى، وأن على كل صاحب ثأر أن يحمل بندقيته ويضغط على الزناد”.
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مركز أبحاث ودراسات مينا.