جرت الانتخابات التشريعية في بولندا في 15 أكتوبر، واتسمت الحملة الانتخابية بفضائح وحيل مختلفة، بما في ذلك نشر خطط دفاع بولندا والتي ربما ليست حديثة بالضرورة ولكنها مع ذلك تعد مهمة. كانت الرهانات عالية جداً حيث كان حزب القانون والعدالة الحاكم (PiS) يتنافس من أجل البقاء في السلطة، بينما كان التحالف السياسي الشامل (KO)، وهو تحالف سياسي يُطلق عليه اسم “التحالف المدني”، والمعارض لحزب PiS يسعى إلى استعادة السلطة التي فقدها نتيجة انتخابات البرلمان في عام 2015.
فاز حزب PiS الحاكم بالانتخابات بنسبة 35.38٪ من الأصوات وفقاً للجنة الانتخابات البولندية، في حين حل حزب PO في المرتبة الثانية بنسبة 30.7٪. وعلى الرغم من أنه قد يبدو أن حزب PiS يجب أن يحتفل بالفوز، إلا أنهم في الواقع لم يحصلو على عدد كاف من الأصوات للحصول على الأغلبية وتشكيل الحكومة من تلقاء نفسهم. وبالتالي هناك سيناريوهات مختلفة ممكنة، ولكن من المرجح أن يتوقف الأمر على الأحزاب المعارضة لتشكيل تحالف وحكم البلاد.
أيدت دوائر مختلفة في غرب أوروبا نتائج الانتخابات ولم تخبئ فرحتها، خاصةً أن حزب PiS كان ينفذ سياسة مستقلة إلى حد كبير وكان متشككاً تجاه الهجرة المفرطة في الاتحاد الأوروبي، حيث وصلوا حتى إلى حجب البيان الختامي في قمة EUCO نهاية يونيو، احتجاجاً بهذه الطريقة ضد إعادة توطين اللاجئين بالقوة.
كانت مسألة الهجرة حاضرة في خطب مختلفة بعد الانتخابات، وقام الرئيس البولندي أندريه دودا في 5 أكتوبر أو قبل 10 أيام من يوم الانتخابات بإصدار بيان قوي حول قضايا الهجرة، ودعا إلى إجراء استفتاء حولها: “اليوم، تحاول الطبقات الحاكمة في أوروبا فرض رأيها وموقفها ونهجها الإيديولوجي على الشعوب الأوروبية، نحن لا نوافق على ذلك ونعتقد أن الأمر الأهم هو إرادة الشعوب، وبالتالي يُمثل الاستفتاء علامة قابلة للقياس على إرادة البولنديين.”
أما بالنسبة لدونالد توسك، رئيس حزب المنصة المدنية المعارض، فقد أعلن موقفه من مسألة الهجرة في نهاية سبتمبر أي قبل أقل من شهر من الانتخابات، وكان رسالته واضحة بصورة أكبر: “عندما أُصبح رئيساً للوزراء أو وزيراً مسؤولاً عن الأمن، لن أكون ناشطاً إنسانياً أو ناشطاً في مجال الهجرة، سأكون مسؤولاً عن الأمن وإحكام الحدود والأراضي.” ومن المثير للاهتمام أن دونالد توسك رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي آنذاك قال في عام 2017 أن “حصص الهجرة الإجبارية ليس لها مستقبل”.
وعلى الرغم من الرسائل السياسية القوية، إلا أن قضية الهجرة لم تكن مهمة بالنسبة للناخبين في سياق الحملة الانتخابية. على سبيل المثال ووفقاً لاستطلاع الرأي الذي أجرته SW Research في مارس 2023 لصالح أحد أبرز الصحف البولندية “رزيتشبوسبوليتا”، كان الاقتصاد والتضخم هما الأولوية رقم واحد بالنسبة لنسبة 47.4% من المشاركين البولنديين، تلتها الحرب بين روسيا وأوكرانيا (13.5%) وعلاقات بولندا مع الاتحاد الأوروبي (10.5%)، وأجاب فقط 2% من المشاركين بأن أهم موضوع سيكون في مجال السياسة الخارجية.
وفي مارس 2023 أجري أيضاً استطلاع آخر من قبل كانتار لصالح قنوات “فاكتس” و “تي في إن” و “تي في إن 24″، وقد أكدت فقط نتائج الاستطلاع السابق وأشارت إلى ثلاث قضايا رئيسية تزعج الناخبين: الرعاية الصحية والاقتصاد والتضخم، بالإضافة إلى القضايا المتعلقة بالتعليم.
وفي سبتمبر الماضي بعد “فضيحة التأشيرات”، أشار استطلاع أجرته United Surveys لصالح RMF FM و Dziennik Gazeta Prawna إلى أن آراء البولنديين فيما يتعلق بسياستهم في مجال الهجرة قد انقسمت. على سبيل المثال اعتبر 33.6٪ من المشاركين سياسة الهجرة البولندية جيدة، بينما اعتبر 32.2٪ أنها سيئة. ولم يكن من مفاجأة أيضاً أن 75٪ من المشاركين الذين دعموا حزب PiS كان لديهم رأي جيد في سياسة الهجرة، بينما كان 57٪ من الذين دعموا أحزاب المعارضة لديهم رأي سلبي.
ولكن الاستفتاء الذي أُجري في نفس يوم الانتخابات البرلمانية في بولندا يجب ألا يُغفل. من بين أربعة أسئلة تم طرحها، كانت اثنتان تتعلق بالهجرة وحماية الحدود. على سبيل المثال أجاب 94.04٪ من الناخبين بشكل سلبي على السؤال حول ضرورة إلغاء سياج الحدود على الحدود مع بيلاروس، بينما أجاب 96.79٪ أيضًا بشكل سلبي على السؤال المتعلق بقبول المهاجرين غير الشرعيين من الشرق الأوسط وإفريقيا وفقاً لآلية إعادة التوطين الإجبارية المفروضة من قبل الاتحاد الأوروبي.
لذا يُطرح السؤال: هل تعتبر مسألة الهجرة مهمة بالنسبة للبولنديين؟ بالطبع، يمكننا قول ذلك، ولكن يبدو أن الأمور أكثر تعقيداً، فمهما كان الأمر ستظل مسألة الهجرة أولوية على جدول الأعمال السياسي، خاصة في العلاقات البولندية مع بروكسل، بغض النظر عن تكوين الحكومة التي لم تتشكل بعد.
جميع حقوق النشر محفوظة لصالح مركز أبحاث مينا.