أثارت تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حول الحرب في أوكرانيا ردود فعل واسعة على المستوى الأوروبي وفي الأوساط السياسية الفرنسية، حيث رفضت اقتراحه بإمكانية إرسال قوات غربية للقتال البري في أوكرانيا. أعربت ألمانيا وبريطانيا وحلفاء أوروبيون آخرون عن رفضهم لمقترح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي اعتبر في ختام مؤتمر دولي لدعم أوكرانيا أنه “لا ينبغي استبعاد القوات الغربية” من الإرسال إلى أوكرانيا. وفي إطار مؤتمر باريس لدعم أوكرانيا الذي تنظمه فرنسا، اعترف ماكرون بأنه “لا يوجد توافق في الآراء اليوم لإرسال … قوات برية”، لكنه أضاف “لا ينبغي استبعاد أي شيء. سنفعل كل ما يلزم حتى لا تتمكن روسيا من كسب هذه الحرب”. صرح ميخائيلو Podolyak ، مساعد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ، بأن تصريحات ماكرون كانت “مؤشرا جيدا” وأظهرت “تف understandingا عميقا للمخاطر التي تواجهها أوروبا”، على الرغم من أن كييف لم تطلب علنا من الغرب إرسال قوات.
من جانبها، ردت الكرملين بالتحذير من أن إرسال قوات إلى أوكرانيا “لن يكون في مصلحة” الغرب. وقال المتحدث باسم الكرملين ديميتري بيسكوف إن مجرد طرح هذا الاحتمال يشكل “عنصرا جديدا مهما جدا” في الصراع.
يتضح من التصريحات المتناقضة بين الولايات المتحدة والغرب حول مدى حالة الارتباك وعدم وضوح الرؤية بشأن الحرب الروسية في أوكرانيا، خاصة مع استمرار المطالب الأوكرانية بإرسال المزيد من الأسلحة والمعدات الغربية إلى كييف، حتى تتمكن من مواجهة روسيا خلال الفترة المقبلة، بالإضافة إلى رغبة أوكرانيا في استعادة السيطرة على العديد من المناطق والمدن التي فقدت السيطرة عليها خلال الفترة الماضية. كان الرئيس الأمريكي جو بايدن قد طمأن فريقه قبل الغزو الروسي لأوكرانيا بأنه لا يريد مشاركة قواته في قتال مباشر ضد القوات الروسية بأي شكل من الأشكال في أوكرانيا، وهو ما أوضح منذ البداية الموقف الأمريكي بشأن إمكانية المشاركة في القتال في أوكرانيا قبل عامين. تعتقد الولايات المتحدة أنه لا ينبغي نشر أي قوات أجنبية، من الولايات المتحدة أو من أي دولة أخرى، في أوكرانيا لمساعدة الأوكرانيين على قتال الروس. قد تختار فرنسا إرسال قوات دون دعم أمريكي، لكن هذا احتمال غير مرجح لأن الحلفاء يريدون تقديم جبهة موحدة ضد روسيا.
إن إرسال قوات غربية وأمريكية إلى أوكرانيا سيؤدي إلى تصعيد الصراع، حيث سيُنظر إليه على أنه تدخل مباشر، وقد يؤدي إلى ردود فعل عسكرية مضادة من روسيا، مع اعتبار هذه الخطوة تهديدا مباشرا لمصالحها الاستراتيجية، مع زيادة احتمالية استخدام أو التهديد باستخدام الأسلحة النووية، خاصة إذا شعرت روسيا بأن أمنها القومي يتعرض للهجوم. كما أن الوضع في أوكرانيا والتدخل العسكري الغربي قد يؤثر على استقرار المنطقة بأكملها، مما يزيد من احتمالية نشوب صراعات في مناطق أخرى. وقد تتسبب هذه الحرب في شعور دول الجوار الأوكراني بالتهديد والقلق من احتمال امتداد هذه القتال إلى أراضيها، بينما قد يؤدي تصعيد الأعمال العدائية إلى موجات جديدة من اللاجئين والنازحين، مما يضع ضغطا إضافيا على الدول المجاورة والمجتمع الدولي لتقديم المساعدات الإنسانية.
في حين أن أي قتال محتمل بين روسيا وبعض الدول الأوروبية سيؤدي إلى تورط الناتو في القتال أيضًا، حيث يُعتبر أي هجوم على دولة عضو هجومًا على التحالف بأكمله، مما قد يؤدي إلى تفعيل المادة 5 التي تنص على الدفاع الجماعي. سيؤدي الصراع أيضًا إلى اضطرابات كبيرة في الأسواق العالمية، بما في ذلك ارتفاع أسعار النفط والغاز والسلع. ستفرض روسيا والدول الأوروبية، وكذلك شركاؤها الدوليين، عقوبات اقتصادية قاسية بشكل متبادل، الأمر الذي سيؤثر سلبا على الاقتصادات المعنية. سيتم تعطيل التجارة الدولية والاستثمارات، مما يؤدي إلى تباطؤ اقتصادي في العديد من البلدان، خاصة تلك التي تعتمد على التجارة مع روسيا وأوروبا، والتي تشهد خسائر كبيرة بشكل رئيسي بسبب الحرب في قطاع غزة، واستمرار هجمات الحوثيين على حركة التجارة في البحر الأحمر وقناة السويس. ستؤدي المعارك إلى تدمير واسع النطاق للبنية التحتية الحيوية، مما يؤثر على إمدادات المياه والغذاء والطاقة.
منذ بداية الحرب في أوكرانيا، تجنبت دول الناتو إرسال قوات رسميًا إلى منطقة الحرب في شرق أوروبا، خشية من أن يشارك الجنود الأوروبيون في قتال مباشر مع القوات الروسية. شنت روسيا هجومًا بحوالي 30 صاروخًا على قاعدة عسكرية تضم مقاتلين أجانب. تلقى حوالي 30 ألف مجند أوكراني تدريبات عسكرية بموجب برنامج التدريب الذي تقوده المملكة المتحدة في البلاد، “عملية إنترفليكس البريطانية”، منذ عام 2022.
من ناحية أخرى، هناك عدة أسباب تجعل الولايات المتحدة لا تريد إرسال قوات برية إلى أوكرانيا، وهي أن أوكرانيا ليست في جوار الولايات المتحدة، ولا تقع على حدود الولايات المتحدة، ولا تستضيف قاعدة عسكرية أمريكية، ولا تمتلك احتياطيات استراتيجية من النفط، وليست شريكا تجاريا رئيسيا. كما أن الرئيس الأمريكي جو بايدن لا يدافع عن التدخل العسكري في البلاد، فقد عارض تدخل أوباما في ليبيا وكذلك زيادة عدد القوات في أفغانستان، وهو يدافع بشدة عن أمره بسحب القوات الأمريكية من أفغانستان العام الماضي على الرغم من الفوضى التي صاحبت تلك الخطوة والكارثة الإنسانية التي خلفتها. وكما أظهرت استطلاعات الرأي، لا يرغب المواطنون الأمريكيون في خوض هذه الحرب، ويفضلون التركيز على القضايا الاقتصادية، ولا سيما ارتفاع التضخم، وهو أمر يجب على بايدن الانتباه إليه مع اقتراب انتخابات الرئاسة. قد يكون أحد الأسباب هو السبب الرئيسي، وهو مخزون بوتين من الرؤوس النووية. لا يريد الرئيس بايدن أن يبدأ “حربا عالمية” من خلال المخاطرة باحتكاك مباشر بين القوات الأمريكية والروسية في أوكرانيا. لا توجد التزامات معاهدات تجبر واشنطن على تحمل المخاطر، بينما يُعتبر أي هجوم على أي دولة عضو في الناتو هجومًا على الجميع.
منذ عام 2015، يشارك جنود من الحرس الوطني الأمريكي في تدريب الجيش الأوكراني، إلى جانب جنود من دول الناتو الأخرى، وخاصة ألمانيا وكندا، في حين أن الزيادات الأخيرة في الإنفاق الدفاعي الأوروبي وقرار السويد وفنلندا الانضمام إلى الناتو توضح اتجاه الدول المهددة إلى تحقيق التوازن التام، وهذا الاتجاه الراسخ يجب أن يجعلنا أكثر تفاؤلا بشأن قدرة أوروبا واستعدادها لتحمل مسؤولية أكبر عن الدفاع عن نفسها. ولكن للأسف، هناك مجموعة ثانية من النظريات تجعل هذه الخلاصة المتفائلة أقل يقينًا. لأن الأمن هو “مصلحة جماعية”، فإن الدول الأعضاء في التحالف ستميل إلى التهرب من المسؤولية أو “الركوب المجاني” على جهود الآخرين، على أمل أن يفعل شركاؤهم ما يكفي لإبقائهم آمنين ومأمونين، حتى لو فعلوا أقل.
على الرغم من الدعوات لإرسال قوات برية إلى أوكرانيا، فإن الدول الأعضاء الأوروبية في الناتو لا تتفق على مستوى مشاكلهم الأمنية الرئيسية أو حتى ماهيتها. بالنسبة لدول البلطيق وبولندا، تشكل روسيا على ما يبدو أكبر خطر ؛ أما بالنسبة لإسبانيا أو إيطاليا، فروسيا مشكلة بعيدة في أحسن الأحوال، بينما تشكل الهجرة غير الشرعية تحديا أكبر.
جميع حقوق النشر محفوظة لصالح مركز أبحاث مينا.