في الثامن والعشرين من كانون الثاني/يناير، استُهدف برج المراقبة العسكرية “T22” من قبل مسيرات في أقصى شمال شرق الأردن بالقرب من قاعدة التحالف الدولي في منطقة التنف السورية على المثلث الحدودي العراقي السوري الأردني، مما أدى إلى مقتل جنود من الجيش الأمريكي.
ومنذ تلك اللحظة وقبلها، لم يترك رئيس الوزراء العراقي محمد شيا السوداني أي مناسبة للمطالبة بضرورة خروج القوات الأمريكية من الأراضي العراقية، خاصة بعد تصاعد الهجمات الأخيرة.
وفي الوقت نفسه، ترتفع أصوات داخل العراق منذ سنوات تطالب بسحب تلك القوات، وذلك بعد هجمات السابع من أكتوبر/تشرين الأول التي شنها حماس على إسرائيل، والحرب المدمرة التي شنتها إسرائيل لاحقًا في قطاع غزة، بحجة القضاء على حركة حماس.
قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في العراق وسوريا تعرضت لهجمات متكررة من قبل جماعات مسلحة مدعومة من إيران ردا على الهجوم الإسرائيلي على غزة والرد الأمريكي المقابل.
وقال السوداني في مقابلة صحفية “دعونا نتفق على إطار زمني للانسحاب سريعًا حتى لا تطول مدة الوجود وتستمر الهجمات”، مشيرًا إلى أن الطريقة الوحيدة لتجنب التصعيد الإقليمي هي وقف الحرب في غزة.
عادت قوات التحالف الدولي مرة أخرى في عام 2014، بعد خروجها عام 2011، استجابة لطلب تقدمت به الحكومة العراقية آنذاك بعودة القوات لمواجهة تنظيم داعش الإرهابي في البلاد.
كان الهدف الأول لهذه القوات هو تدريب الجيش العراقي وتقديم المشورة العسكرية له والدعم اللازم للقوات في قتالها ضد تنظيم داعش الإرهابي.
احتفظت واشنطن بنحو 2500 جندي في العراق، حتى بعد انتهاء مسعى داعش لإقامة خلافة إسلامية في عام 2019. وبحلول نهاية عام 2021، انتهت العمليات القتالية الأمريكية في العراق رسميًا، وأصبحت مهمة قواتها هناك تقديم المشورة والمساعدة للقوات العراقية.
يستبعد المراقبون أن تؤدي سلسلة الهجمات المتتالية على القوات الأمريكية، والتي تسببت في إصابة العشرات، معظمها إصابات طفيفة بين أفراد الجيش الأمريكي والموظفين، إلى انسحاب واشنطن من العراق، مع الأخذ بالاعتبار أنها ستدفع بالعكس نحو تعزيز وتوسيع الوجود الأمريكي.
ويشير الخبراء إلى أن وجود هذه القوات قانوني ووفقًا لاتفاقيات الشراكة بين بغداد وواشنطن، مما يجعل استهدافها تهديدًا بشكل أساسي لأمن العراق ومصالحه والتزاماته الدولية.
ونقلت رويترز في يناير/كانون الثاني عن عدة مصادر قولها إن الولايات المتحدة أبدت استعدادها لبدء محادثات في رسالة سلمتها سفيرتها لدى العراق ألينا رومانوفسكي إلى وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين.
يبدو أن المحادثات التي ستجرى بين بغداد وواشنطن ستركز على عواقب انسحاب القوات الأمريكية من العراق في ضوء البيانات التي تشير إلى نشاط المنظمات الإرهابية في كل من العراق وسوريا، بالإضافة إلى المشاكل الاقتصادية التي ستلقي بظلالها على العراق.
يستبعد المراقبون السياسيون أن تقرر واشنطن انسحابًا سريعًا لقواتها من العراق، خاصة وأن المفاوضات قد تستغرق وقتًا طويلاً.
يجد البعض أن الوجود المستمر للقوات الأمريكية في العراق وسوريا يعرضها لتهديد دائم. فمنذ السابع من أكتوبر من العام الماضي، تعرضت القوات الأمريكية لعشرات الهجمات في العراق.
أما الخاسرون المحتملون من الانسحاب الأمريكي، فقد تكون حكومة إقليم كردستان العراق والسنّة العراقيون.
وقد اقترح بعض الخبراء أن إيران ستكون الرابح الأقوى إلى جانب الميليشيات الداعمة لها نتيجة الانسحاب الأمريكي من العراق في الوقت الحالي.
ومن بين أهم المصالح الأمريكية في إبقاء قواتها في العراق، وفقًا لما نُشر في العديد من المصادر، “الحفاظ على علاقات الصداقة مع العراق، ومواجهة النفوذ الإيراني، ومنع إيران من استغلال النفط العراقي”. ويضيف بولوك أن انسحاب القوات الأمريكية “يخلق تهديدات إضافية لأمن إسرائيل، وأن” جميع دول مجلس التعاون الخليجي ترى القوات الأمريكية في العراق بمثابة أساس الوحدات العسكرية الأمريكية التي تستضيفها على أراضيها، وعاملًا حيويًا في دفاعها ضد إيران.
تجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة أعفت العراق من العقوبات المفروضة على طهران، مما يسمح له بشراء الكهرباء من إيران.
على الصعيد العسكري، لا تزال العراق قوة عسكرية ضعيفة نسبيا في الوقت الحالي، بعد سنوات من الحرب أمام القوات الأمريكية وتنظيم داعش الإرهابي، وذلك في مواجهة أي تهديد داخلي محتمل من المنظمات الإرهابية.
يأتي هذا بالتزامن مع استمرار الصراع الأمريكي الإيراني على الأراضي العراقية، والهجمات الناجمة عن ذلك على الأراضي العراقية.
احتلت العراق المرتبة الثامنة في قائمة أكبر 10 دول استوردت الأسلحة بين عامي 2014 و 2018، وفقًا لبيانات سيبري، والتي أشارت إلى أن تقديرات الإنفاق العسكري تعتمد على “البيانات الرسمية، بينما لا يشمل الإنفاق على القوات شبه العسكرية”.
بعد هزيمة داعش، بدأ استيراد الأسلحة بالانخفاض منذ عام 2018، وأعلنت الحكومة العراقية عن خطط لاقتناء الأسلحة المنشورة، مع تقدير وجود 4.2 مليون سلاح صغير بأيدي المدنيين أو الجماعات المسلحة غير الرسمية.
يوجد حوالي 2500 جندي أمريكي في العراق، بينما يتم نشر حوالي 900 جندي أمريكي في سوريا، كجزء من التحالف الدولي الذي أطلقته واشنطن عام 2014.
من المثير للضحك أن نقل غالبية القوات الأمريكية خارج العراق قد يجعل وضع واشنطن أفضل مع الحكومة العراقية التي يهيمن عليها النفوذ الإيراني، خاصة إذا بقيت القوات في كردستان حيث لا تزال الولايات المتحدة مرحبًا بها.
تخشى واشنطن أن يؤدي الانسحاب السريع إلى فراغ أمني يمكن أن تملأه إيران أو داعش التي تحافظ على خلايا نائمة في المناطق الصحراوية وتواصل شن هجمات محدودة على الرغم من عدم سيطرتها على أي منطقة، وفقًا لتقارير رويترز.
بعد عشرين عامًا من غزو العراق، قد يكون من الضروري لإدارة بايدن أن تبدأ التفكير في أفضل السبل لتقليل الوجود العسكري الأمريكي في العراق. لا تستخدم الولايات المتحدة وجودها في العراق للرد على توسع النفوذ الإيراني في بغداد أو لقطع خط تواصل طهران مع ميليشيا حزب الله في لبنان.
بينما تعمل القوات الأمريكية في إقليم كردستان العراق كمركز رئيسي للدعم اللوجستي لقوات مكافحة داعش في سوريا، فقد لا يكون هذا الوجود ضروريًا بعد الآن إذا قامت واشنطن بسحب قواتها العسكرية الصغيرة من سوريا.
جميع حقوق النشر محفوظة لصالح مركز أبحاث مينا.