تقدير موقف
بعد الحرب بين حماس وإسرائيل؛ هناك مؤشرات لاندلاع حرب إقليمية بشرقنا البائس بين إسرائيل وحزب الله؛ الذي يقدم نفسه إعلامياً على أنه معني بهذه الحرب؛ كون القضية الفلسطينية من أهداف السياسة الإيرانية؛ الذي هو أحد أدواتها في شرقنا البائس. وهذه المؤشرات تصاعدت بالفترة الأخيرة لتنذر بوقوع حرب بين الطرفين!
تسلط هذه الورقة الضوء على التوتر المستمر بين حزب الله وإسرائيل وأسبابه، ومدى خطورة تفجر الصراع وتوسعه في المنطقة، والسؤال المطروح: هل سيدخل حزب الله مع إسرائيل بحرب جدية؟ ومع تصاعد الخطاب الإعلامي مؤخراً بينهما! ووجود اشتباكات عسكرية بين الطرفين! هل ستقع الحرب بينهما؟ هذا ما تناقشه الورقة من خلال المحاور التالية.
المحاور:
- المدخل
- حزب الله وشيعة لبنان وقصة تأسيسه!
- الصراع بين حزب الله وإسرائيل حوَّل الحزب إلى فاعل إقليمي!
- حزب الله وسيطرته على القرار السياسي اللبناني!
- هل حزب الله يريد الحرب مع إسرائيل اليوم؟
- السيناريوهات المتوقعة بين حزب الله وإسرائيل
- الخلاصة والنتائج
المدخل
كان لافتاً في الحرب التي اندلعت في قطاع غزة منذ شهر ت1/أكتوبر 2023 أن الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله هدد قبرص الدولة العضو في الاتحاد الأوروبي في حال سمحت للجيش الإسرائيلي باستخدام مطاراتها وقواعدها بالحرب. ويحمل هذا التهديد نقطة تحول لدولة في الاتحاد الأوروبي. حتى قالت الحكومة القبرصية بعد ذلك: إن هذه التهديدات “لا أساس لها على الإطلاق”. قبرص ليست منخرطة في أي صراع و”لن تتورط في أي صراع”.
بعد الهجوم الذي شنته حماس في 7 أكتوبر/ت1 2023، نصبت ميليشيا حزب الله، التي صنفها الاتحاد الأوروبي وبعض الدول الأخرى كمنظمة إرهابية، نصبت نفسها كحليف لحماس. وقال متحدث باسم حزب الله إنهم سيساعدونهم بكل ما لديهم، بما في ذلك الأسلحة والصواريخ.
ومع ذلك، مع استمرار الهجمات، لاحظ المحللون أيضًا مستوى معينًا من ضبط النفس. وفي بداية العام رأى “هيكو ويمن” من مجموعة الأزمات الدولية في بيروت أن هذا مؤشر على أن حزب الله لم يكن حريصاً على الانجرار إلى هذا الصراع، لكن على الرغم من ذلك ما زال خطر الحرب قائماً.
حزب الله وشيعة لبنان وقصة تأسيسه!
يتألف “حزب الله”، من حزب سياسي وميليشيا مسلحة. لكنه يعتبر نفسه أيضاً مؤسسة خيرية اجتماعية. ويستمد حزب الله المسلح سياسته وصورته الذاتية من المواقف الإسلامية، والرغبة في تقوية الشيعة في جميع أنحاء العالم، والموقف المناهض للغرب، كما يستمد الحزب مشروعيته بشكل خاص من الكفاح المسلح ضد إسرائيل!
تأسس حزب الله رسمياً عام 1982 في خضم الحرب الأهلية اللبنانية التي اندلعت منذ عام 1975. واستفاد من الأوضاع التي كان يعاني منها السكان الشيعة، ففي لبنان البلد متعدد الطوائف الذي يضم نسبة كبيرة من السنة والمسيحيين، لم يكن الشيعة مهمشين في ذلك الوقت فحسب، بل كانوا أيضاً فقراء في كثير من الأحيان؛ ويعيش أغلبهم في جنوب البلاد على الحدود مع إسرائيل. وعندما كان يندلع صراع مع إسرائيل، كانوا يعانون أكثر من غيرهم. حتى جاء حزب الله.
ويقول خبير شؤون الشرق الأوسط “غويدو شتاينبرغ” من مؤسسة برلين للعلوم والسياسة: “إن الحرس الثوري الإيراني هو الذي أسس حزب الله عام 1982 حتى يتمكنوا من تولي القتال ضد الاحتلال الإسرائيلي لأجزاء من جنوب لبنان”. ولذلك فهو يصف حزب الله بأنه “قصة نجاح”، خاصة بالنسبة لإيران. وقد مكن ذلك الجمهورية الإسلامية من توسيع نفوذها في العالم العربي.
لقد نجح حزب الله نتيجة تكتيكاته الفدائية وحرفيته وبفضل القوة الوقائية التي تتمتع بها إيران بتحويل شيعة لبنان من مجموعة منكوبين إلى قوة مهيمنة في لبنان. وعندما أنهت أطراف الصراع اللبناني الحرب الأهلية ونزعت سلاحها في عام 1990، كان حزب الله المجموعة الوحيدة التي احتفظت بميليشياتها. ودخلت البرلمان اللبناني عام 1992. وتقول “ميلاني كاميت” الأستاذة والباحثة في شؤون الشرق الأوسط في جامعة هارفارد بالولايات المتحدة بمناسبة الذكرى الأربعين لتأسيس حزب الله: “من خلال دوره كمنظمة مقاومة ضد إسرائيل، تمتع حزب الله بشعبية واسعة النطاق في جميع أنحاء لبنان لفترة طويلة”.
ولا يزال حزب الله يعتبر انسحاب إسرائيل النهائي من لبنان عام 2000 بمثابة النصر النهائي. وحتى يومنا هذا، يحتفل السيد حسن نصر الله بهذا النصر في خطاباته الكبرى كقوله: “في عام 2000، انتهت أسطورة إسرائيل الكبرى. لقد قيل لنا دائماً أن الجيش الإسرائيلي لا يقهر. لكن تجربة لبنان تظهر أن هذا الجيش قابل للهزيمة والهزيمة والإذلال”.
كما يسيطر “حزب الله” على السلطة منذ عام 2005. ويصفه مراقبون أيضاً بأنه “دولة داخل الدولة” بسبب قوته. وبمرور الوقت، برز الجناح المسلح لحزب الله بشكل متزايد كمنظمة متطرفة عنيفة بسبب هجماته على مجموعات أخرى في لبنان؛ والهجمات الإرهابية على أهداف أجنبية. ولذلك صنفته عدة دول، بما في ذلك الولايات المتحدة عام 1997 وألمانيا عام 2020، كمنظمة إرهابية.
ويعدُّ حزب الله ذراع إيران القوية في لبنان، وذلك بسبب اخلاص أتباعه له بالدرجة الأولى، وعن ذلك يقول “سيرج داغر” هو الأمين العام لحزب الكتائب: “نعم، يشكل الشيعة حوالي 30% من اللبنانيين”. نحن نقبل أن يكون لحزب الله أتباع، بما في ذلك وجوده السياسي في الحكومة والبرلمان. لكن حزب الله أصبح ضخماً اليوم، وذلك بسبب تحالفهم الذي لا هوادة فيه وتبعيتهم الكاملة لإيران”.
ويتابع “داغر” إن الحزب يحصل على الدعم المالي من إيران، “وهي تحاول حشد طائفتها الدينية الشيعية بأكملها خلفها؛ وقد نجحت بشكل جيد للغاية”. ولم يخفِ حزب الله قط تحالفه مع إيران. فقد قال زعيم حزب الله نصر الله ذات مرة في خطاب له: “يجب أن نعرب عن امتناننا للجمهورية الإسلامية الإيرانية. لقد قدموا لنا خبراتهم وتجاربهم. لقد علمونا ما هي الروح القتالية. لقد ضحوا واستشهدوا من أجلنا، وما زالوا يفعلون ذلك حتى يومنا هذا”.
الصراع بين حزب الله وإسرائيل؛ حول الحزب إلى فاعل إقليمي!
تطور حزب الله بشكل متزايد من لاعب محلي في لبنان إلى أهم ذراع إقليمية بالنسبة لإيران، وربما كان القرار الأكثر إثارة للجدل هو إرسال آلاف المقاتلين إلى سوريا منذ عام 2013 لدعم نظام بشار الأسد. وبذلك، قدم حزب الله مساهمة كبيرة في تعزيز حكم الأسد. وبحسب مراقبين فإن تورط حزب الله في سوريا يعزز صورة حزب الله كقوة شيعية طائفية تهدف إلى زيادة نفوذ إيران في المنطقة. ويقول بعض المراقبين: إن إيران تريد ضمان محور طهران/دمشق/بيروت. ومع ذلك، فإن حزب الله متورط أيضًا في العراق واليمن ويدعم منظمة حماس في قطاع غزة.
لقد أصبح حزب الله أداة مهمة لطهران، حيث ساعد النظام الإيراني على تحقيق عدد من النجاحات في السياسة الخارجية، خاصة في الـ 15 سنة الأخيرة. واليوم تنظر إسرائيل إلى حزب الله باعتباره التهديد المباشر الأكبر لها.
وعلى مر السنين، قام حزب الله بتوسيع قوته العسكرية، لأن الحزب يستمد شرعيته وقوته في المقام الأول من ميليشياته، وبحسب خبراء فإن قوتهم القتالية تفوق بكثير قوة العديد من الجيوش النظامية في لبنان وخارجه. وقدر مجلس العلاقات الخارجية في الولايات المتحدة في عام 2020 أن لدى حزب الله ما يصل إلى 20 ألف مقاتل نشط وحوالي 20 ألف جندي احتياطي؛ ولديه ترسانة من الأسلحة الصغيرة والدبابات والطائرات بدون طيار ومختلف الصواريخ طويلة المدى. وفي العام 2021، قال زعيم حزب الله حسن نصر الله إن الجماعة لديها 100 ألف مقاتل. ويقول المحلل والعميد المتقاعد “عساف أوريون” من المعهد الإسرائيلي لدراسات الأمن القومي: إن حزب الله لديه “ترسانة من المدفعية أكبر من كثير الدول العربية”.
ويفتخر حزب الله بأسلحته ويقول بأنه قادر على ضرب أي جزء من إسرائيل. ووصف تقرير صدر عام 2018 عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية؛ وصف حزب الله بأنه “الجهة غير الحكومية الأكثر تسليحاً في العالم”. وتمد إيران حزب الله بالسلاح والمال. وتقدّر الولايات المتحدة بأن إيران زودت حزب الله بمئات الملايين من الدولارات سنوياً في السنوات الأخيرة.
كما يفترض خبراء بأن حزب الله أقوى بكثير مما كان عليه خلال الحرب الكبرى الأخيرة مع إسرائيل في عام 2006. وقد اكتسبت الميليشيا سنوات من الخبرة القتالية في الحرب السورية وبدعم إيراني، قاتلت إلى جانب قوات الأسد. وعلى غرار حماس في قطاع غزة، أنشأ حزب الله في لبنان نظام أنفاق تحت الأرض يمكن لأعضاء الميليشيا من خلاله إجراء القتال. وفي حالة الحرب، يمكنها إطلاق آلاف الصواريخ كل يوم على المدن الإسرائيلية وتدمير البنية التحتية المهمة. ويمكن لوابل من الصواريخ أن يطغى على الدفاعات الصاروخية الإسرائيلية.
وقال الجنرال الإسرائيلي شلومو برون لصحيفة نيويورك تايمز: “في حرب وحشية، سيكون هناك المزيد من الدمار على الجبهة الداخلية وفي عمق إسرائيل”. وأضاف: إن حزب الله يمكنه أن يضرب بشكل أو بآخر أي هدف في إسرائيل، بما في ذلك المنشآت المدنية، “تماماً مثلما نهاجم جنوب بيروت”، في إشارة إلى الأحياء الواقعة في جنوب العاصمة اللبنانية المعروفة باسم معاقل حزب الله.
وباعتباره قوة مقاتلة، فإن حزب الله يتمتع بتدريب عال وانضباط، على عكس العديد من الجماعات المسلحة الأخرى. وعلى النقيض من غزة، فإن لبنان ليس محاصراً. فهو يتمتع بعمق استراتيجي، في ظل أنظمة صديقة له في سوريا والعراق، مما يسمح له بالوصول المباشر إلى إيران.
حزب الله وسيطرته على القرار السياسي اللبناني!
تعتبر جماعة حزب الله قوة سياسية أساسية في لبنان. وبحسب أيمن مهنا مدير مؤسسة سمير قصير لحرية التعبير والصحافة، فإن الدستور اللبناني ينظم بدقة توزيع السلطة بين الطوائف المختلفة من المسيحيين والمسلمين والشيعة. ولقد تم إلغاء التمثيل النسبي منذ فترة طويلة لصالح حزب الله الشيعي. فلا يوجد أي قرار مهم، لا انتخاب رئيس، ولا تصويت على الثقة في البرلمان، ولا اختيار الوزراء، يدخل حيز التنفيذ دون موافقة حزب الله مسبقاً. لأن أصحاب القرار لا يريدون المجازفة باستعداء حزب الله.
ويضمن نظام الرعاية الاجتماعية القوي الذي يضم مستشفيات الحزب ومدارسه الخاصة دعمَ الكثيرين من اللبنانيين، وأغلبهم من الشيعة، وخاصة في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية في لبنان. بالإضافة إلى ذلك، لدى حزب الله قنواته التلفزيونية الخاصة التي يقوم من خلالها بتعليم الناس أو غسل أدمغتهم. وبحسب مختصون فإنهم يحولون الناس العاديين إلى مقاتلين مستعدين للذهاب والموت في سوريا أو في العراق أو في اليمن أو في إيران، ولذلك فإن لحزب الله أيضاً العديد من المنتقدين والمعارضين.
ولأسباب ليس أقلها أنها، كجزء من الحكومة، يُنظر إليها على أنها متواطئة في عقود من الفساد والمحسوبية التي أغرقت لبنان في الفوضى، ويعتمد الحزب على مجموعة من الحلفاء السياسيين من مختلف الطوائف من المستفيدين من دعم الحزب، بسبب تراجع الدول الوازنة عن دعم حلفائها في لبنان مثل السعودية التي كانت تدعم المكون السني لسنوات وفرنسا التي أخذت على عاتقها حماية المسيحيين.
ورغم مخاوف اللبنانيين من انتشار الحرب في جميع أنحاء البلاد، فإن الأغلبية تتضامن مع الضحايا المدنيين الفلسطينيين، فالمزاج العام هو ضد العمليات العسكرية الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة بقطاع غزة والضفة الغربية.
ومع ذلك، لم تحدث مظاهرات حاشدة مثل تلك التي جرت في بداية الحرب بانتظام في نيويورك ولندن وبرلين والأردن وإندونيسيا واليمن، كانت هناك مظاهرات متكررة؛ ويمكن التحكم فيها من قبل أنصار حزب الله وحماس. فمجموعات من الشباب الفلسطيني والكشافة والحزب الشيوعي؛ كانت هناك تقوم دائمًا بفعاليات تضامن صغيرة، ولكن لم تكن هناك مظاهرات كبيرة، وبحسب محللين فإن غالبية اللبنانيين لا يريدون أن يتم استغلالهم من قبل أي من هذه المجموعات لكن لا يبدو أن الحزب يلقي الكثير من الأهمية لآراء لبنانيين المعارضين للحرب، ففي حرب العام 2006 أظهر السياسيين اللبنانيين والعديد من أطياف الشعب اللبناني جر لبنان إلى الحرب، لكن الحزب لن يتراجع عن قراره.
هل حزب الله يريد الحرب مع إسرائيل اليوم؟
حتى الآن لا يبدو على الملالي في طهران أنهم جادون بتصعيد الحرب لأسباب سياسية، ربما لأنهم يعرفون أنهم لا يستطيعون الفوز في حرب إقليمية في الوقت الحالي، وربما لأنهم بحاجة إلى فترة هدوء لمواصلة تطوير البرنامج النووي الإيراني، وفي كل الأحوال فإن ضبط النفس الذي تمارسه إيران يؤثر على سلوك حزب الله العسكري، ويريد النظام الإيراني أن يؤخذ على محمل الجد كقوة سياسية إقليمية، وأن يكون له دور مهم في السياسات الكبرى في غرب آسيا، ويبدو أن حزب الله يشجع العمل العسكري المعتدل؛ ويمتنع عن التصعيد، ولن تغير المواجهة المباشرة بين إيران وإسرائيل في 14 نيسان/أبريل 2024 هذا الموقف الأساسي في الوقت الحالي.
ومن شأن مثل هذه الحرب إنْ قامت أن تكون لها عواقب وخيمة على لبنان، الذي يعاني بالفعل اقتصادياً وسياسياً. وحذر وزير الدفاع الإسرائيلي “يوآف جالانت” العام الماضي من أن الدولة المجاورة “سترجع إلى العصر الحجري” في حالة نشوب حرب.
ويقيّم “رياض قهوجي” مدير معهد الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري (إينجما)، ميزان القوى لصالح إسرائيل. ويقول: “مهما كان حجم الضرر الذي يلحقه حزب الله بإسرائيل، فإن الإسرائيليين سيلحقون ضرراً أكبر بما يتراوح بين عشرة إلى مائة ضعف”. حزب الله لا يسعى إلى الحرب، بل يريد ردع إسرائيل قبل كل شيء.
ومن الممكن أن تجبر حرب إقليمية قادة طهران على زيادة دعمهم السياسي والعسكري لحزب الله، ويعتبر النفوذ في دول مثل لبنان وسوريا “وجوداً استراتيجياً” بالنسبة للجمهورية الإسلامية، وفقا لمقال نشره مؤخرا مركز أبحاث “المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية” (ECFR). إذ ساهمت الحرب في غزة في ترسيخ طريقة التفكير الاستراتيجي الإيرانية. ومع ذلك، فإن التدخل العسكري المباشر من قبل إيران في الصراع لا يعتبر مرجحاً خاصة في ضوء الأزمة الاقتصادية، حيث تتعرض الحكومة الإيرانية أيضًا لضغوط داخلية، ويتهم جزء كبير من السكان القيادة بإهمال الاستثمارات المطلوبة بشدة في بلادهم، وبدلاً من ذلك توجيه الأموال إلى الميليشيات الإقليمية.
وقال “عاموس جادلين” الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية مؤخراً: إن إيران تنتهج استراتيجية طويلة المدى تتمثل في “إنهاء وجود إسرائيل كدولة صهيونية”. وأضاف: “إنهم يعدّونا لحرب استنزاف طويلة ستجعل حياة الناس هنا بائسة، حتى لا يرغب الناس في العيش هنا بعد الآن”.
من جهتها تريد إسرائيل ضمان انسحاب ميليشيا حزب الله التي تهدد منطقة حدودها إلى المنطقة الواقعة شمال نهر الليطاني على بعد 30 كيلومتراً من الحدود وبعد حرب عام 2006، ونص قرار للأمم المتحدة على عدم السماح لمقاتلي حزب الله بالبقاء جنوب هذا الخط. ومع ذلك فقد عادوا تدريجياً إلى المنطقة الحدودية على مر السنين، بينما كانت قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة تراقب بلا حول ولا قوة.
ويتزايد بشكل واضح الضغط على رئيس الوزراء اليميني المحافظ “بنيامين نتنياهو” لتمكين عشرات الآلاف من النازحين الإسرائيليين من العودة إلى المستوطنات في شمال إسرائيل. بل إن اليمينيين الإسرائيليين يطالبون بإعادة إنشاء المنطقة الأمنية الإسرائيلية في جنوب لبنان التي تم إخلاؤها في العام 2000.
ويبدو حزب الله مرتاحاً نسبياً للوضع الحالي؛ وليس في عجلة من أمره لتقديم تنازلات؛ فالحكومة الإسرائيلية هي التي تتعرض لضغوط لتغيير الوضع الراهن في جنوب لبنان وتسهيل العودة الآمنة لمواطنيها إلى الشمال. وإن وقف إطلاق النار لن يكون كافياً، وفي نهاية المطاف، هذا ما قد يدفع إسرائيل إلى تكثيف عملياتها ضد حزب الله ومع استمرار حزب الله في إطلاق النار بشكل أعمق داخل إسرائيل، تزداد فرصة وقوع حادث إصابات جماعية بين المدنيين، وهو ما يشكل شرارة محتملة أخرى للحرب.
إن الجيش الإسرائيلي لا يخدع نفسه بشأن معنى الحرب مع حزب الله؛ فقد تكون هذه الحرب هي الأكثر تكلفة في تاريخ إسرائيل، سواء من حيث الخسائر العسكرية أو المدنية أو الأضرار التي تلحق بالبنية الأساسية. (بالإضافة إلى محاربة حزب الله، قد تجد إسرائيل نفسها أيضاً في حرب مع إيران). والواقع أن الثمن الذي ستدفعه إسرائيل في لبنان سيكون كبيراً جداً.
ويريد حزب الله ومن خلفه حليفته إيران، دفع الدول الأوروبية إلى التدخل للعب دور في وقف إسرائيل عن شن حرب على جنوب لبنان، وهو تحذير بأن تداعيات الحرب ستكون كبيرة على المنطقة، ولذلك هدد نصر الله قبرص الدولة العضو في الاتحاد الأوروبي، وفي هذا السياق، قال مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي “جوزيب بوريل” إن الشرق الأوسط على أعتاب امتداد رقعة الصراع إلى لبنان، وأضاف بوريل “يتزايد خطر تأثير هذه الحرب على جنوب لبنان وامتدادها يوما بعد يوم. نحن على أعتاب حرب يتسع نطاقها” ومن جانبها أعلنت وزيرة خارجية ألمانيا، “أنالينا بيوربوك” أنها ستتوجه إلى لبنان، وقالت إن “الوضع على الحدود مع إسرائيل أكثر من مقلق”.
بدوره قال وزير الخارجية اليوناني “جورج جيرابيتريتيس” إن تهديدات حزب الله ضد قبرص غير مقبولة وإن الاتحاد الأوروبي سيقف إلى جانب الدول الأعضاء ضد كل هذه التهديدات. وفي شأن متصل قال الجنرال “تشارلز براون” رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة: إن أي هجوم إسرائيلي على لبنان قد يزيد مخاطر نشوب صراع أوسع تنجر إليه إيران والمسلحون المتحالفون معها، لا سيما إذا تعرض وجود حزب الله للتهديد.
السيناريوهات المتوقعة بين حزب الله وإسرائيل
على النقيض من الدول الحدودية الأخرى مع إسرائيل مثل مصر والأردن، لم يبرم لبنان مطلقاً معاهدة سلام مع إسرائيل. ولذلك فإن مسألة الحياد لم تطرح بعد. ويبدو أن هذه المشكلة لن تحل إلا عندما يكون هناك حل سياسي حقيقي للصراع في الشرق الأوسط، أو حل الدولتين في إسرائيل وفلسطين، كما يدعو إليه المجتمع الدولي الآن على نحو متزايد. لكن هذا الحل على وجه التحديد هو الذي ينسفه رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” وحكومته القومية اليمينية.
ويضغط أقرب حلفاء إسرائيل، بما في ذلك الولايات المتحدة وألمانيا، من أجل حل الدولتين. وبالنسبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي فإن هذا الحل سوف يشكل تنازلاً مريراً لحماس؛ وإنهاء الحرب من دون القضاء على حماس سوف يشكل هزيمة سياسية.
ولذلك، يخشى الناس في لبنان أنه بعد انتهاء حرب غزة، سيتم استهداف لبنان من قبل حكومة نتنياهو! وفي نهاية المطاف فإن عامل الخطر الرئيسي الذي قد يؤدي إلى توسع الحرب لا يمكن أن يأتي من حزب الله، بل من رئيس وزراء إسرائيل الحالي وحكومته القومية اليمينية. وكما هو الحال حالياً في غزة، يخشى اللبنانيون أن يقف العالم حينها متفرجاً ولا يفعل شيئاً.
منذ اندلاع الحرب في غزة، ركزت واشنطن على وقف التصعيد وعلى منع تعميق الصراع وتوسيع نطاقه، ولكن على الرغم من الجهود الدبلوماسية الكبيرة، يبدو أن إدارة “بايدن” لم تحقق أهدافها والأمور ما زالت تتدهور، وتتمثل استراتيجيتها لمنع هذه الحرب في مبادرة دبلوماسية قادها المبعوث الأمريكي “أموس هوكشتاين” لفصل القوات الخاصة الإسرائيلية وقوات حزب الله، ويتمحور الحل الذي يقترحه “هوكشتاين” حول إحياء وتنفيذ نسخة معدلة من قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1701، وهو القرار الذي أنهى فعلياً الحرب بين إسرائيل وحزب الله في عام 2006. وكان من المفترض أن يمنع قرار مجلس الأمن رقم 1701 حزب الله من الانتشار جنوب نهر الليطاني على طول الحدود مع إسرائيل، ولكن قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان، أو اليونيفيل، كانت تفتقر إلى القدرة والإرادة لمنع حزب الله من إعادة تأسيس وجوده على الحدود.
والآن يسعى “هوكشتاين” إلى التوسط في اتفاق لوقف إطلاق النار يقضي بنقل قوات حزب الله إلى مسافة 7 كيلومترات تقريباً شمال الحدود ـ إلى نهر الليطاني تقريباً ـ ونشر عدة آلاف من جنود القوات المسلحة اللبنانية في مكانها. وفي الوقت نفسه، ووفقاً للخطة ستنهي إسرائيل تحليقاتها الجوية المأهولة وغير المأهولة فوق لبنان، وستبدأ إسرائيل ولبنان في إجراء مناقشات بشأن نقاط الحدود المتنازع عليها على طول ما يسمى بالخط الأزرق، وهو ما قد يؤدي إلى إعادة توحيد بلدة الغجر المتنازع عليها لصالح لبنان. وأخيراً، ووفقاً لاقتراح “هوكشتاين” سيتم تعزيز قوات اليونيفيل البالغ عددها 13 ألف جندي في جنوب لبنان ـ وهي بالفعل أكبر قوة لحفظ السلام في العالم.
إن الاتفاق، إذا تم التوصل إليه، من شأنه أن يلبي متطلبات إسرائيل بدفع قوات حزب الله إلى الوراء، مما يسمح لسكان الشمال الإسرائيلي بالعودة إلى مستوطناتهم مؤقتا على الأقل. وحتى لو لم يدم الاتفاق ـ كما يتوقع كثيرون ـ فإنه من شأنه أن يوفر للجيش الإسرائيلي فترة راحة ضرورية قبل الحرب التالية. وفي الوقت نفسه من المفترض أن يوفر لحزب الله “انتصارًا” ـ تحرير المزيد من الأراضي اللبنانية نتيجة للعمليات العسكرية ضد إسرائيل ولا شك أن المنظمة سوف تعلن هذه النتيجة باعتبارها “انتصارًا إلهيًا” ثانيًا كما فعلت بعد حرب عام 2006.
ولكن على الرغم من الفوائد الظاهرية التي تعود على الجانبين، لا يبدو أن مبادرة “هوكشتاين” تكتسب زخماً والواقع أن التوقيت يشكل جزءاً كبيراً من المشكلة، فحزب الله لا يريد حرباً شاملة، ولكنه ملتزم بمواصلة حملة المقاومة الاستعراضية ضد إسرائيل إلى أن يتم التوصل إلى وقف رسمي لإطلاق النار بين إسرائيل وحماس، وقد ثبت أن هذه الهدنة التي تتضمن على الأقل إعادة الرهائن الإسرائيليين ووقف الأعمال العدائية، بعيدة المنال ولا تزال احتمالاً بعيداً في أفضل الأحوال، وفي الوقت نفسه تتعرض حكومة إسرائيل لضغوط متزايدة في الداخل لإعادة سكان المستوطنات في الوقت المناسب لبدء العام الدراسي 2024 في أواخر سبتمبر.
الخلاصة والنتائج
- في ظل غياب وقف إطلاق النار في غزة، تقوم إسرائيل بالتصعيد في لبنان، ويتعرض كبار قادة حزب الله وغيرهم من القادة البارزين للقتل بشكل شبه يومي، ويسعى حزب الله أيضاً إلى تجاوز الحدود، حيث أطلق مؤخراً طائرات استطلاع بدون طيار فوق حيفا، واستهدف بلدات إسرائيلية في أقصى الجنوب مثل الجليل الأسفل ومع ذلك لا يزال من الممكن تجنب الحرب، لكن من غير المرجح أن يكف حزب الله عن ذلك بشكل كامل، وخاصة إذا استمرت إسرائيل، كما هو متوقع في عمليتها العسكرية في غزة، واستهداف تشكيلات حماس التي عادت إلى الظهور بشكل دوري.
- قد تنجح الدبلوماسية الأميركية في نهاية المطاف في التوصل إلى تفاهم، مثل الاتفاق الذي توصل إليه وزير الخارجية الأميركي آنذاك “وارن كريستوفر” في العام 1996 بعد عملية “عناقيد الغضب” التي شنتها إسرائيل ضد حزب الله، ومع ذلك من المرجح أن يكون أي ترتيب قصير الأجل. وبعد 7 تشرين الأول، والهجوم المتواصل الذي شنه وكلاء إيران الإقليميون في اليمن والعراق، والهجوم الصاروخي غير المسبوق الذي شنته إيران في 13 أبريل، ستكون إسرائيل بالضرورة أكثر استباقية في مواجهة تهديداتها المباشرة ورغم أن الحرب بين إسرائيل وحزب الله قد تؤجل، فإن اندلاع حرب شاملة قد يكون أمراً لا مفر منه.
المصادر والمراجع:
- (cnn) الأمريكية في 27 يونيو 2024
- معهد (washington institute) في 25 يونيو 2024
- صحيفة (politico) في 27 يونيو 2024
- صحيفة (stern) الألمانية في 20 يونيو 2024
- موقع (rosalux) الألماني في 10 يونيو 2024
- موقع (الحرة) الأمريكي في 20 يونيو 2024