تواصل طهران جهودها للهيمنة على عملية صنع القرار في سوريا، حيث توسع نفوذها ليس فقط عبر إرسال قادة من فيلق القدس والحرس الثوري الإيراني، بل أصبحت الآن تتدخل من خلال مجلس الشعب السوري بوضع وكلائها وعملائها هناك.
منذ بداية الحرب السورية، تستغل إيران الحرب والفوضى لتوسيع سيطرتها على الجغرافيا السورية وفرض قراراتها، وقد جاءت الانتخابات السورية الأخيرة — الرابعة منذ اندلاع الثورة — في وقت تتدهور فيه الحالة الاقتصادية السورية بشكل متسارع، حيث ترتفع معدلات التضخم بشكل كبير. علاوة على ذلك، لا يزال الحل السياسي طويل الأمد بعيد المنال، وتلقي المعارضة باللوم على المجتمع الدولي لعدم اتخاذه إجراءات لوقف هذه “المهزلة”، مطالبة بتنفيذ قرارات الأمم المتحدة وإنهاء عهد الطغيان.
ويرى الخبراء أن انتخابات مجلس الشعب السوري “هزلية” وتفتقر لأي قيمة حقيقية، مشيرين إلى أن السبب الرئيسي هو أن الأشخاص الذين يتم تعيينهم في هذه المناصب يجب أن يتوافقوا مع رؤية نظام الأسد لإدارة الدولة، وإلا فلن يكون لهم مكان في مجلس الشعب.
ويشير الخبراء أيضًا إلى أن إيران نجحت إلى حد كبير في إنتاج شخصيات معينة تتماشى مع أيديولوجيتها — سواء كانت إدارية أو دينية — لاستخدام هذه المناصب لتعزيز مصالحها في سوريا. ويتطلب التأثير على بعض المناصب أو المؤسسات وجود قواعد ثابتة، وربما يتيح مجلس الشعب الحالي، على الرغم من كونه “هزليًا”، لإيران السيطرة عليه من خلال نفوذها الاقتصادي والعسكري والسياسي. نتيجة لذلك، فإن ما تبقى من هيكل الدولة السورية يضعف تدريجياً، بالنظر إلى عدم قدرة النظام على إدارة هذه المرحلة الحرجة والخطيرة، والتي كانت أرضاً خصبة لتعزيز المشروع الإيراني في سوريا. ويعد هذا المشروع أحد العوامل الرئيسية في النزعات التدميرية الذاتية داخل المكونات السورية، نظرًا لأن لإيران أجندة طائفية بحتة، تستخدم الذرائع الدينية كمدخل لتحقيق الهيمنة شبه الكاملة على الجغرافيا السورية.
يمثل الوجود الإيراني في سوريا، ضمن المؤسسات السياسية والاقتصادية والعسكرية، إقامة دولة ظل تحت غطاء الوجود الشكلي للرئيس بشار الأسد. ويهدف هذا الوجود إلى توفير الشرعية الكافية لأفعالهم داخل الجغرافيا السورية، والتي، من وجهة نظر إيران، تعتبر فناءً خلفيًا نحو البحر الأبيض المتوسط وتعد بمثابة موطئ قدم للوصول أو تهديد دول الاتحاد الأوروبي. بالإضافة إلى ذلك، تنخرط إيران في صراعات مع ما تصفه نظريًا بـ “الأعداء”، وعلى رأسهم إسرائيل. ومع ذلك، فإن الصراع الإيراني-الإسرائيلي يتعلق في المقام الأول بالنفوذ في المنطقة العربية أكثر من كونه مواجهات عسكرية حقيقية. المرحلة المقبلة تحمل مخاطر أكبر، إذ تتبنى إسرائيل بشكل متزايد تكتيكات الاغتيال كوسيلة أساسية لضرب المشاريع السياسية والعسكرية الإيرانية. ومن بين العواقب المتوقعة زيادة تهجير الشعب السوري واستقرار الميليشيات الموالية في سوريا، لتبقى بمثابة قنابل موقوتة للسوريين العزل.
تمكنت مجموعة من القراصنة من تسريب وثائق إيرانية رسمية تحتوي على مسودات اتفاقيات بين دمشق وطهران، بما في ذلك مسودة “مذكرة تفاهم للتعاون الاستراتيجي” بين البلدين، وقعها الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي والرئيس السوري بشار الأسد. تشير الوثائق إلى أن الاجتماع الرابع عشر للجنة العليا المشتركة بين إيران وسوريا عقد في يناير 2019 في دمشق على مستوى النائب الأول للرئيس الإيراني ورئيس الوزراء السوري. يعد “اتفاق التعاون الاقتصادي الاستراتيجي وطويل الأمد” الموقع في يناير 2019 من قبل النائب الأول للرئيس الإيراني آنذاك ورئيس الوزراء السوري آنذاك إنجازاً كبيراً. هذا الاتفاق أكثر شمولية مقارنة بالاتفاقيات السابقة بين البلدين ويحتاج إلى تصديق من البرلمانين الإيراني والسوري. وللأسف، أصبح التصديق من قبل مجلس الشورى الإسلامي مستحيلاً بسبب بعض القضايا القانونية. علاوة على ذلك، تم دفع 270 مليون دولار حتى الآن لتنفيذ خط الائتمان الثاني (الذي تبلغ قيمته مليار دولار). وفقًا لقرار الأمانة العامة للمجلس الأعلى للأمن القومي، فإن المبالغ المتبقية من خط الائتمان الثاني لسوريا تعتمد على قرار وتوجيه من الفريق المشرف في المجلس الأعلى للأمن القومي. ويلاحظ أن نقص السيولة في البنك المركزي هو السبب الرئيسي المعلن لعدم صرف باقي خط الائتمان الثاني لسوريا.
فيما يتعلق بالدوافع وراء هذه الطموحات، يبدو أن الاعتبارات الاقتصادية، لا سيما في سياق العقوبات، تؤثر على قرارات إيران فيما يخص سوريا. أفادت وسائل الإعلام السورية الرسمية بأن الرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي ونظيره السوري بشار الأسد وقعا في نهاية العام الماضي اتفاقيات ومذكرات تفاهم تغطي مختلف القطاعات، بما في ذلك النفط والزراعة والسكك الحديدية والمناطق الحرة. لطالما طمحت شركة السكك الحديدية الإيرانية المملوكة للدولة إلى توسيع شبكتها عبر العراق والجارة سوريا، وربطها بميناء اللاذقية السوري على البحر المتوسط لتعزيز سيطرتها. يرى المعارضون السوريون ومنتقدو طهران أن ذلك محاولة إيرانية أخرى لتعزيز نفوذها السياسي. وفيما يتعلق بالنفط، تزوده إيران للحكومة السورية عبر شركة تابعة لوزارة الطاقة الروسية، والتي كانت تستخدم في البداية للتحايل على العقوبات بموجب مخطط “النفط مقابل السلع” الذي أبرمته موسكو مع إيران قبل خطة العمل الشاملة المشتركة. قد يظل التحايل على العقوبات مجالاً للتعاون بين روسيا وإيران في سوريا مع استمرار العقوبات على موسكو وطهران ودمشق، والتي زادت حدتها بموجب قانون قيصر.
جميع حقوق النشر محفوظة لصالح مركز أبحاث مينا.