منذ أحداث 7 أكتوبر، أثارت الصور المتدفقة التي تظهر الضحايا والدمار في غزة قلقًا واسعًا في مختلف دول الشرق الأوسط. حيث أدى الارتفاع المستمر في عدد القتلى إلى تغيير سريع في الآراء عبر المنطقة. تشير الاستطلاعات إلى أن شعبية إسرائيل بين الشعوب العربية بلغت أدنى مستوياتها على الإطلاق، وهو ما يؤثر حتى على الدول التي تدعم إسرائيل مثل الولايات المتحدة والسعودية، التي كانت تتجه نحو تطبيع العلاقات مع إسرائيل. هذه التقارير تشير إلى احتمال تصاعد التطرف في العالم العربي، حيث تُعد مشاعر الظلم محركًا رئيسيًا للتطرف عالميًا، مما يزيد من خطر انتشاره في الشرق الأوسط.
ويتساءل الخبراء عن التأثيرات طويلة الأمد لصراع غزة، خصوصًا أن الاستطلاعات تظهر أن القضية الفلسطينية كانت دائمًا محور الاهتمام في الشرق الأوسط حتى قبل 7 أكتوبر. كما أظهرت استطلاعات الرأي الأخيرة أن الشعوب العربية كانت دائمًا متحفظة بشأن تطبيع العلاقات بين إسرائيل وحكوماتها. ويرى المراقبون أن القضية الفلسطينية لن تُهمش في ظل هذا السياق. في وقت سابق من هذا الشهر، أعربت مفوضة الشؤون الداخلية في الاتحاد الأوروبي، إيلفا يوهانسون، عن قلقها من خطر الهجمات الإرهابية في دول الاتحاد الأوروبي، مضيفة: “مع استمرار الحرب بين إسرائيل وحماس وما تسببه من استقطاب في مجتمعاتنا، ومع اقتراب موسم الأعياد، فإن خطر الهجمات الإرهابية في الاتحاد الأوروبي كبير للغاية. لقد شهدنا هذا مؤخرًا في باريس، وللأسف، شهدناه في السابق أيضًا”. أدى صراع غزة إلى انقسامات في الرأي العام الأوروبي والأمريكي، إلى جانب زيادة في الخطابات المعادية للسامية والمعادية للإسلام.
مؤخرًا، تم اعتقال أشخاص في ألمانيا وهولندا يُعتقد أنهم مرتبطون بحماس ويُشتبه في تخطيطهم لهجمات في أوروبا. إلا أن الخبراء يشيرون إلى أن حدوث مثل هذه الهجمات سيكون أمرًا غير مسبوق، حيث تركز حماس عادة على أهداف إقليمية، على عكس جماعات متطرفة أخرى مثل القاعدة أو داعش التي لديها طموحات دولية. وقد استغلت داعش ما تسميه “ازدواجية المعايير الغربية” لجذب أعضاء جدد.
وتخشى وكالات الأمن في الشرق الأوسط أن صراع غزة قد يمنح داعش والقاعدة فرصة لإعادة بناء شبكاتهم في المنطقة، مما قد يؤدي إلى موجة من الهجمات الإرهابية في الأشهر والسنوات المقبلة، بحسب تقرير لصحيفة “الغارديان”. ويلاحظ المسؤولون والمحللون وجود دلائل على زيادة نشاط المتطرفين الإسلاميين في عدة أماكن، مشيرين إلى أن هذا الارتفاع يرتبط بالحرب الإسرائيلية في غزة، إلى جانب قضايا أوسع مثل الأزمات الاقتصادية وعدم الاستقرار والصراعات الأهلية المستمرة.
صرح مصدر إقليمي لصحيفة الغارديان: “حرب غزة تغذي الإرهاب والتطرف في جميع أنحاء العالم، وهناك رد فعل عاطفي قوي بدأنا نشعر به”. نشرت الأمم المتحدة سلسلة من التقارير تسلط الضوء على جهود الجماعات المتطرفة الكبرى لاستغلال صراع غزة لجذب مجندين جدد وتحفيز أنصارها الحاليين. وأشار المسؤولون الإقليميون إلى تأثير شهور من التعرض المستمر لصور المعاناة في غزة على التلفزيون والإنترنت، واصفين الصراع بأنه “عامل دافع” يعزز العنف المتطرف في الشرق الأوسط وأماكن أخرى. كما وصف تقرير للأمم المتحدة كيف تركز اتصالات داعش العلنية منذ 7 أكتوبر على استغلال وضع غزة لتحفيز الأفراد المنفردين على تنفيذ هجمات.
أظهر مؤشر الإرهاب الأوروبي للعام الماضي، الذي نشره المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، زيادة في مخاطر التطرف والعمليات الإرهابية في معظم دول الاتحاد الأوروبي. وحذر المؤشر من وتيرة غير مسبوقة للإرهاب في أوروبا بسبب حرب غزة، بالإضافة إلى النزاع الأوكراني المستمر. كما أظهرت المؤشرات ارتفاعًا في تهديدات اليمين المتطرف خلال العام، مع إحصائيات تكشف عن وجود 50 مجموعة مرتبطة باليمين المتطرف الفرنسي، بما في ذلك أفراد من الجيش والشرطة، تستخدم منصات الإنترنت للتحريض على العنف. وفي فرنسا، يتزايد القلق بشأن تداعيات حرب غزة، مع تزايد الحوادث المعادية للسامية والانقسامات الحزبية حول كيفية وصف هجمات حماس ودعم إسرائيل. أما في بريطانيا، فالجماعات الإسلامية المتطرفة تستنزف موارد الاستخبارات البريطانية، بينما يسيطر الأفراد أو المجموعات الصغيرة على مشهد اليمين المتطرف، مما يجعل من الصعب على السلطات البريطانية التنبؤ والرد على تهديدات اليمين المتطرف. وفي السويد، تدهورت الأوضاع الأمنية خلال العام الماضي والحالي بسبب حرق نسخ من القرآن وموقفها الداعم لإسرائيل، مما حولها من هدف مشروع للهجمات الإرهابية إلى هدف ذي أولوية.
جميع حقوق النشر محفوظة لصالح مركز أبحاث مينا.