لم تكن روسيا وإيران حليفين طبيعيين في السابق؛ بل على العكس، تميزت علاقاتهما عبر التاريخ بالشكوك المتبادلة والمنافسة. لكن منذ الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا في عام 2022، تلاقت مصالح البلدين في مواجهة عدو مشترك: الولايات المتحدة وحلفاؤها. وخلال العامين الماضيين، شهدت العلاقات بين موسكو وطهران تطوراً نوعياً، حيث ارتفع مستوى التعاون العسكري بينهما بشكل ملحوظ. هذا التقارب ساعد روسيا في مواصلة حربها المستمرة في أوكرانيا، كما منح إيران آمالاً كبيرة في تعزيز قدراتها العسكرية.
تاريخ معقد بين دولتين
علاقة روسيا وإيران تحمل تاريخاً مليئاً بالتوترات. فقد خاضت الإمبراطوريتان الروسية والفارسية سلسلة من الحروب عبر القرون. وفي القرن العشرين، دعمت إيران المجاهدين في أفغانستان ضد الاحتلال السوفيتي. لاحقاً، تعاملت روسيا مع إيران بحذر، حيث حافظت على علاقة رسمية معها ولكنها رأت فيها مصدر عدم استقرار محتمل في المنطقة. ولعقود، زودت روسيا إيران بالتكنولوجيا النووية المدنية، لكنها انضمت في 2015 إلى الضغوط الغربية التي طالبت طهران بتقييد برنامجها النووي المثير للجدل.
بدأت العلاقات بين البلدين في التحسن بعد تدخل روسيا في الحرب الأهلية السورية عام 2015، حيث تعاونت مع الميليشيات المدعومة من إيران لدعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد. وبعد الحرب في أوكرانيا، اشتد هذا التحالف بين موسكو وطهران.
كيف عمقت الحرب في أوكرانيا العلاقات بين روسيا وإيران؟
مع تعثر روسيا في تحقيق انتصار حاسم في أوكرانيا، التي تدعمها الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، سعى الرئيس فلاديمير بوتين إلى تعزيز تحالفاته. ووجد في إيران وكوريا الشمالية دولتين مستعدتين لدعمه، حيث رأت طهران وبيونغ يانغ في تقديم الأسلحة لموسكو فرصة للوصول إلى تكنولوجيا عسكرية متطورة.
العقوبات الغربية القاسية التي فرضت على روسيا وإيران أسهمت في تعزيز هذه الشراكة. حيث يسعى البلدان إلى تطوير نظام دفع بديل لنظام “سويفت” المالي، الذي تم حظر بعض بنوكهما من استخدامه نتيجة العقوبات.
ما الفائدة التي تجنيها روسيا من التحالف؟
روسيا تحصل على طائرات مسيّرة إيرانية تستخدمها في حربها ضد أوكرانيا منذ سبتمبر 2022. وتساهم إيران أيضاً في توفير التكنولوجيا اللازمة لإقامة مصنع في روسيا لإنتاج المزيد منها بحلول 2025. وتشير تقارير إلى أن إيران قد ترسل صواريخ إلى روسيا قريباً. إضافة إلى ذلك، تتشارك إيران مع روسيا خبراتها في التحايل على العقوبات، وهو أمر باتت موسكو بحاجة ماسة إليه.
ماذا تستفيد إيران من التحالف مع روسيا؟
في عام 2023، أشار مسؤول أمريكي إلى أن روسيا قدمت “تعاونًا دفاعيًا غير مسبوق” مع إيران. تتضمن هذه الشراكة تبادل المعلومات الاستخباراتية، والتعاون في مجال الحرب السيبرانية، والمساعدة في إطلاق أقمار صناعية للتجسس. ومع ذلك، لا تزال طهران تطمح إلى الحصول على أسلحة روسية متطورة مثل نظام الدفاع الجوي S-400، الذي يمكنه حماية المنشآت النووية الإيرانية بشكل أفضل.
كما تسعى إيران إلى الحصول على مقاتلات “سوخوي Su-35” لتعزيز قدرات قواتها الجوية التي تعتمد حاليًا على طائرات أمريكية قديمة تم شراؤها قبل الثورة الإسلامية عام 1979. وقد حصلت إيران على طائرات “ياك-130” من روسيا لتدريب الطيارين على مقاتلات الجيل الجديد.
أفق الشراكة وحدودها
بينما تخطط روسيا وإيران لتعزيز تعاونهما في إطار شراكة استراتيجية رسمية، تظل هذه العلاقة مشروطة بمصالح كلا البلدين. فالتحالف بينهما يعتمد على المصالح المشتركة ولا يزال محدوداً. تحرص روسيا على الحفاظ على علاقات متوازنة مع دول أخرى في الشرق الأوسط، مثل السعودية والإمارات وإسرائيل، التي لها مواقف متشددة تجاه إيران. من غير المتوقع أن تقدم روسيا دعماً مباشراً لإيران في تطوير برنامجها النووي العسكري أو أن تنحاز بالكامل لطهران في صراعها الطويل الأمد مع إسرائيل.
جميع حقوق النشر محفوظة لصالح مركز أبحاث مينا.