د. بشار علي الحاج علي
الكلمة أمانة، والعلم أمانة؛ ولذلك نقول: هل يمكن أن تكون علمانياً وتنادي بدولة مدنية ومتديناً؟ الجواب: نعم. ولذا وجب توضيح بعض المعلومات المفاهيم نظراً لظروف المجتمع السوري الحالية والمستقبلية.
العلمانية وحيادية الدولة: حماية للحقوق وترسيخ للمساواة!
هناك خلط كبير في بعض المفاهيم المرتبطة بالعلمانية، خاصة فيما يتعلق بتطبيقها في مختلف الأنظمة السياسية والاجتماعية.
فلكل مجتمع خصوصيته الثقافية والتاريخية التي تجعل تطبيق هذه المفاهيم يختلف من مكان إلى آخر. ما يصلح لدولة مثل فرنسا، ذات التجربة العلمانية الصارمة، قد لا يكون بالضرورة مناسبًا لدولة كسوريا التي تتميز بتنوعها العرقي والديني.
من هنا، تأتي الحاجة لفهم وتوضيح مفهوم العلمانية بشكل يناسب مجتمعاتنا المحلية، مع الحفاظ على التوافق مع القيم العالمية التي تضمن كرامة الإنسان وحقوقه.
العلمانية وحيادية الدولة
العلمانية ليست دعوة لإقصاء الدين أو معاداته، بل هي نظام يضمن حيادية الدولة تجاه جميع الأديان والمعتقدات. هذه الحيادية تعني أن الدولة تقف على مسافة واحدة من جميع المواطنين، مما يرسخ المساواة أمام القانون.
هذه المساواة هي جوهر العدالة الاجتماعية، وهي ما عبّر عنه النبي محمد صلى الله عليه وسلم بقوله: “الناس سواسية كأَسنان المشط”.
المدينة المنورة: أول نموذج للنظام المدني!
إن المدنية ليست مفهومًا غريبًا عن تاريخنا وثقافتنا. فقد أسس النبي الكريم أول نظام مدني في الإسلام عندما وضع ميثاق المدينة في يثرب، التي سميت لاحقًا بالمدينة المنورة. ولقد كان هذا النظام نموذجًا للحكم الذي يضمن حقوق الجميع، مسلمين وغير مسلمين، ويؤسس للتعايش بين مختلف المكونات في إطار من الحرية واحترام النظام العام.
حرية المعتقد وحقوق الجميع
تقوم العلمانية على تأمين حرية المعتقد لكل فرد، بحيث يُسمح للجميع بممارسة شعائرهم الدينية بحرية، شريطة ألا يضر ذلك بالنظام العام. وهذا المبدأ يحقق توازنًا دقيقًا يحمي حقوق الأقليات من الاضطهاد، ويحمي الأكثرية من الاتهامات الظالمة بممارسة التمييز.
الخصوصيات المجتمعية والتشريع الوطني
من المزايا المهمة للعلمانية أنها تراعي خصوصيات المجتمعات المختلفة، حيث يمكن للمجتمعات المحلية تطبيق قوانين معينة تتناسب مع ثقافتها، بشرط أن تتماشى مع القوانين العامة للدولة.
أما القوانين الوطنية فهي تُسن في هيئات تشريعية مثل البرلمان أو مجلس الشعب، من خلال ممثلين منتخبين يعكسون إرادة الشعب بمكوناته كافة.
خاتمة
إن حيادية الدولة تجاه الأديان والمكونات ليست مجرد إجراء تنظيمي، بل هي ضمانة لكرامة الإنسان وحريته. العلمانية بنسختها التي تراعي خصوصيات المجتمع السوري يمكن أن تكون أداة لتحقيق التوازن بين احترام الهوية الوطنية والحفاظ على القيم العالمية، مما يرسخ العدالة ويعزز التعايش السلمي بين جميع أفراد المجتمع.