أدى انهيار نظام بشار الأسد في سوريا، إلى جانب “إطلاق سراح” عدد من المعتقلين من عدة مراكز احتجاز، إلى زيادة المخاوف في تونس من عودة العشرات من المواطنين التونسيين الذين قاتلوا إلى جانب الجماعات المتطرفة في سوريا في السنوات الأخيرة. هؤلاء الأفراد إما تم أسرهم من قبل نظام الأسد أو كانوا عالقين في مدن ومناطق كانت تحت سيطرة مختلف الفصائل المعارضة. وتشير التقديرات الرسمية في تونس إلى أن حوالي ألف شخص، تم إدراج أسمائهم في سجلات وزارة الداخلية التونسية، انضموا إلى مناطق الصراع في سوريا منذ عام 2012.
وقد عزز التباين في الأرقام المتعلقة بالعدد الفعلي للتونسيين الذين شاركوا في القتال في سوريا المخاوف بشأن عودتهم المحتملة، سواء عن طريق التسلل عبر الحدود المجاورة أو باستخدام هويات مزورة عبر المعابر الرسمية. وكان المرصد الوطني للدفاع عن الدولة المدنية في تونس قد أصدر بيانًا يحذر من “العودة الجماعية لآلاف الأفراد الذين تم إرسالهم إلى سوريا بدعم من إسلاميين متطرفين تونسيين”. وأضاف البيان: “الآن بعد أن تم الإفراج عنهم من السجون السورية، يحث المرصد السلطات التونسية على اتخاذ أقصى درجات الحذر بشأن عودتهم ووضع خطط حكيمة للتعامل معهم، ليس فقط بسبب التطرف العنيف الذي يمثلونه للدولة المدنية في تونس، ولكن أيضًا لأنهم قد يكونون مكلفين من قوى استعمارية”.
كشفت التحقيقات التي أجرتها الأجهزة الأمنية والقضائية التونسية أن العديد من الأفراد الذين شاركوا في تنفيذ هجمات إرهابية كبيرة في تونس منذ ثورة يناير 2011 قد انضموا إلى تنظيم داعش الذي كان يسيطر على بعض المدن السورية مثل الرقة. وكشفت التحقيقات الرسمية أن بعض المشاركين في التخطيط للهجوم على متحف باردو في قلب تونس عام 2015 فروا إلى سوريا، بالإضافة إلى عدد من الأفراد الذين شاركوا في الهجوم الدموي على فندق إمبريال في سوسة في نفس العام، والذي أسفر عن مقتل 40 شخصًا، معظمهم من السياح البريطانيين. في عام 2013، قتل مسلحون من جماعة “أنصار الشريعة” الموالية للقاعدة قبل أن ينضم العديد من قادتها إلى داعش، الشخصيات السياسية شكري بلعيد ومحمد البراهمي. وكشفت التحقيقات لاحقًا أن العديد من الأفراد المتورطين في هذه الجرائم ظهروا في فيديوهات وهم يقاتلون إلى جانب الجماعات الإرهابية في سوريا، بما في ذلك زعيم داعش أبو بكر الحكيم، الذي قتل في غارة جوية أمريكية في الرقة في ديسمبر 2016.
بالإضافة إلى ذلك، كان الهجوم في 7 مارس 2016 على مدينة بن قردان التونسية، الواقعة على الحدود مع ليبيا، والذي يصنف بأنه أكبر هجوم إرهابي شهدته تونس في العقد الماضي، يتضمن متطرفين تونسيين قاتلوا في صفوف داعش في سوريا. وكشفت التحقيقات اللاحقة أن بعض المهاجمين تلقوا تدريبات في معسكرات سورية قبل العودة إلى ليبيا، بالتزامن مع تشديد سيطرة داعش على عدة مدن سورية منذ عام 2015.
في بيان سابق أمام البرلمان، قدر وزير الداخلية التونسي السابق، هادي مجدوب، أن حوالي 2,929 تونسيًا كانوا في مناطق الصراع. ومنذ سبتمبر 2022، أعادت السلطات التونسية فتح التحقيقات في قضايا الأفراد الذين تم إرسالهم للقتال في مناطق النزاع في 2012 و2013. وقد استهدفت هذه التحقيقات عدة مسؤولين أمنيين ووزراء سابقين ورجال أعمال وسياسيين مرتبطين بحركة النهضة. وقد تم توجيه التهم لأكثر من 100 شخص في ما يتعلق بتسهيل سفر الشباب للقتال مع الجماعات المسلحة في سوريا.
بدأت التحقيقات في هذا الملف الإرهابي بعد شكوى قدمتها النائبة السابقة وعضو لجنة التحقيق في شبكات السفر، فاطمة المسعدي، في ديسمبر 2021. وكشفت التحقيقات أن حركة النهضة، خلال فترة حكمها، لعبت دورًا رئيسيًا في تسهيل مرور الإرهابيين من مطار قرطاج، بالإضافة إلى تدريب الشباب على استخدام الأسلحة في ثلاثة مراكز تابعة لوزارة الداخلية. وتلاحق السلطات القضائية حاليًا وزير الداخلية ورئيس الوزراء السابق علي العريض، بالإضافة إلى زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي، وقياديين بارزين في النهضة مثل حبيب لوص، والنائب السابق ورجل الأعمال محمد فريته، وعدد من المسؤولين الأمنيين الذين شغلوا مناصب في وزارة الداخلية خلال حكومة الترويكا التي قادتها حركة النهضة بين عامي 2011 و2014.