كشف النائب العام الليبي عن أن 228 مرشحًا في المرحلة الثانية من الانتخابات البلدية يواجهون ملاحقات قانونية في قضايا جنائية. وأوضح في بيان أن المفوضية الوطنية العليا للانتخابات طلبت السجلات الجنائية لـ4,114 مرشحًا، حيث أظهر تحليل قاعدة بيانات النيابة العامة أن 228 منهم متورطون في قضايا متنوعة، بعضها صدرت فيها أحكام إدانة، بينما لا تزال قضايا أخرى قيد التحقيق.
وبحسب البيان، تتوزع القضايا المسجلة ضد المرشحين على 5 قضايا قتل، و14 قضية تهديد، و8 قضايا إضرار بالممتلكات العامة، و16 قضية استغلال نفوذ، و13 قضية تشهير، إلى جانب عشرات الجنح. كما شملت القائمة 6 قضايا لحيازة أسلحة غير مشروعة، و7 قضايا تزوير مستندات، و9 قضايا شجار، بالإضافة إلى قضية مرتبطة بالهجرة غير الشرعية، و7 قضايا سرقة، و5 قضايا تتعلق بتعاطي أو الاتجار بالمخدرات، وقضيتي خطف.
وفي الجولة الأولى من الانتخابات البلدية، تبين أن نحو 120 مرشحًا من أصل 2,389 كانوا ملاحقين بتهم جنائية وجنحية، ما أدى إلى استبعادهم من السباق الانتخابي.
تستعد ليبيا لتنظيم الجولة الثانية من الانتخابات المحلية، والتي تشمل 62 بلدية، من بينها مدن رئيسية مثل طرابلس، وبنغازي، ومصراتة، والزواية، والبيضاء، وسبها، ودرنة، وسرت. وأعلنت المفوضية الوطنية العليا للانتخابات أن إجمالي عدد الناخبين المسجلين بلغ 413,987 ناخبًا.
وأعرب “اتحاد الأحزاب الليبي” عن قلقه العميق إزاء ضعف إقبال الناخبين على التسجيل في المرحلة الثانية من انتخابات المجالس البلدية، مرجعًا ذلك إلى عدة أسباب، أبرزها فقدان الثقة في المؤسسات القائمة، وتعطيل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية السابقة، ما أدى إلى انتشار الإحباط، إضافة إلى ضعف الإيمان بإمكانية إحداث تغيير حقيقي عبر هذه الانتخابات، فضلًا عن المشكلات المتعلقة بتسجيل الناخبين بعد انتهاء عملية الترشح، ما يحدّ من القدرة على اختيار مرشحين يمثلون إرادة الشعب فعليًا.
واقترح الاتحاد عدة حلول لمعالجة هذه الأزمة، من بينها دعوة المفوضية إلى إعادة النظر في توقيت الانتخابات، والتركيز على معالجة أسباب عزوف الناخبين أولًا. كما دعا إلى إطلاق حوار وطني شامل لمناقشة تراجع المشاركة الانتخابية وطرح حلول عملية، مثل إصلاح المؤسسات الانتخابية وضمان بيئة انتخابية آمنة ونزيهة بالتعاون مع الأمم المتحدة والمنظمات الدولية. ورفض الاتحاد الترويج لعملية انتخابية “معيبة” تفتقر إلى مقومات النجاح، محذرًا من أن ذلك قد يزيد من تعقيد الأزمة السياسية بدلًا من حلها.
كما شدد الاتحاد على ضرورة تعزيز الحملات الانتخابية عبر وسائل الإعلام المختلفة والمؤسسات التعليمية واللوحات الإعلانية العامة لزيادة وعي الناخبين وتحفيز مشاركتهم.
في تطور لافت لاقى ترحيبًا ودعمًا دوليًا واسعًا، أجريت الانتخابات البلدية الليبية في 16 نوفمبر من العام الماضي، حيث توجه نحو 200,000 ليبي إلى صناديق الاقتراع في محاولة لكسر الجمود السياسي والانقسام. وشكلت هذه الانتخابات أول استحقاق محلي يُجرى على مستوى البلاد منذ أكثر من عقد.
وشملت المرحلة الأولى من الانتخابات 58 بلدية في المناطق الشرقية والغربية والجنوبية، حيث تجاوزت نسبة المشاركة الأولية 74%. ومن المقرر أن تُجرى المرحلة الثانية في الأول من يناير المقبل. وقد شكلت نسبة الإقبال المرتفعة واستعداد القوات الأمنية لتأمين مراكز الاقتراع نموذجًا واعدًا للانتخابات الوطنية المقبلة، مما اعتُبر خطوة هامة نحو حل الأزمة السياسية الممتدة في البلاد.
في خطوة من شأنها تعميق الانقسامات السياسية، أصدر رئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، في أغسطس 2024، قرارًا بتشكيل “المفوضية الوطنية للاستفتاء والتقصي”، برئاسة عثمان أبوبكر القاجيجي، الرئيس السابق للمفوضية الوطنية العليا للانتخابات.
ومن المنتظر أن تتولى هذه المفوضية الإشراف على الاستفتاءات الوطنية والتحقيقات التي يحددها المجلس الرئاسي. إلا أن مجلس النواب سارع إلى إعلان بطلان القرار، واصفًا إياه بأنه “غير دستوري وغير مبرر”، معتبرًا أن القرار يخلق كيانًا موازياً للمفوضية الوطنية العليا للانتخابات، والتي تُعد الجهة الوحيدة المخولة بتنظيم وإدارة الانتخابات في ليبيا بموجب القانون رقم 8 لسنة 2013.
ويرى مراقبون أن هذا التحرك يأتي في إطار الصراع المستمر بين القوى الشرقية والغربية، حيث تسعى كل جهة إلى فرض إرادتها السياسية، مستغلة الكثافة السكانية الأعلى في المنطقة الغربية لصالح استفتاءات يدعمها المجلس الرئاسي وحكومة عبدالحميد الدبيبة.
في المقابل، من غير المرجح أن يتم تنفيذ قرار المنفي في المناطق الشرقية الخاضعة لنفوذ المشير خليفة حفتر، وكذلك في بعض المدن الجنوبية والغربية، وهو ما قد يزيد من حدة الانقسامات الإقليمية، ويكرس حالة الجمود السياسي القائمة. قانونيًا، لا يمكن إجراء أي استفتاء وطني دون موافقة مجلس النواب، مما يجعل تنفيذ القرار أمرًا بالغ الصعوبة.
لا شك أن تصاعد التنافس الجيوسياسي بين القوى الكبرى ينعكس على ملفات عدة داخل أروقة مجلس الأمن الدولي، وعلى رأسها الأزمة الليبية. ففي أكتوبر الماضي، صوت مجلس الأمن على تمديد تفويض بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا لمدة ثلاثة أشهر حتى 31 يناير 2025، مع تمديد تلقائي لمدة 9 أشهر إضافية في حال تعيين مبعوث أممي جديد إلى ليبيا.
ورغم مرور أشهر على استقالة المبعوث الأممي السنغالي، عبدالله باتيلي، في أبريل الماضي، لا يزال المنصب شاغرًا، ما يعكس استمرار الخلافات بين القوى الكبرى بشأن تعيين خليفة له. ويؤكد هذا الفراغ غياب توافق دولي حول الحلول المطروحة للأزمة الليبية، في ظل تضارب المصالح الاستراتيجية والاقتصادية بين الأطراف الفاعلة.
ورغم محدودية سلطات البعثة الأممية في التأثير المباشر على أطراف النزاع، إلا أنها تلعب دورًا رئيسيًا في بناء تفاهمات بين الفاعلين الدوليين والمحليين، وكسر الجمود السياسي، واستكمال الجهود الأممية السابقة. وبالتالي، فإن استمرار الخلافات بشأن تعيين مبعوث أممي يعطل مساعي الحل السياسي ويزيد من تعقيد المشهد.
وسط التحديات الأمنية والانقسامات السياسية الحادة، شكّل نجاح الانتخابات البلدية نسبيًا بارقة أمل حول إمكانية إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، والانطلاق نحو مرحلة جديدة من الاستقرار بما يتماشى مع تطلعات الشعب الليبي.
لكن تحقيق ذلك يظل مرهونًا بالإرادة السياسية للأطراف الفاعلة في الأزمة، في ظل دخول المجلس الأعلى للدولة مرحلة اضطراب جديدة بسبب الخلافات بين رئيسه السابق، خالد المشري، والرئيس الحالي، محمد تكالة، مما يثير المخاوف بشأن تجميد دوره السياسي. ويعدّ التوافق على القوانين الانتخابية عنصرًا حاسمًا في تنظيم الانتخابات الوطنية، لا سيما وأن المجلس الأعلى للدولة يُنظر إليه باعتباره “الغرفة التشريعية الثانية” في البلاد.
في النهاية، تظل الأزمة الليبية رهينة التوازنات الداخلية والتجاذبات الدولية، وسط مطالب متزايدة بضرورة تغليب المصلحة الوطنية وتوفير الضمانات اللازمة لإجراء انتخابات شفافة ونزيهة تضع حدًا للانقسام وتفتح الباب أمام مستقبل سياسي أكثر استقرارًا.