بصورة مثيرة للجدل وتتطلب التفكير والتحليل أكثر فأكثر؛ يبرز سؤال: لماذا بين الحين والآخر تُهاجَم القاعدة الجوية الروسية في حميميم وتعلن روسيا التصدي لطائرات مسيرة من دون طيار ومن دون تحديد الجهة التي قامت بهذا الهجوم بوضوح، مع العلم أن القاعدة الجوية في حميميم بعد أن طردت القوات السورية منها وتمركزت فيها القوات الروسية حُصنت جيداً وجرى تأمينها وحمايتها من أحدث منظومات الدفاع الجوي الروسي، منها منظومة البانتسير اس 1 ومنظومة البوك وآخر منظومة نشرتها روسيا لحماية قواتها هي اس 300 واس 400، وعلى الرغم من هذه الحماية تستطيع جهة معينة غير معروفة إيصال طائراتها المسيرة الوصول إلى القاعدة إما بمهمة استهداف كما حصل أول مرة عام 2017 وإما بمهمة استطلاعية.
وعلى الرغم من وجود وسائط الاستطلاع الفضائية والجوية والأرضية واللاسلكية والرادارية الروسية في المنطقة لا تستطيع روسيا تحديد الجهة المسؤولة عن ذلك، هل هو ضعف لدى الروس أم هو معرفة الفاعل ولكن الإعلان عنه فيه إحراج كبير للروس.
في كل مرة كانت روسيا تلمح إلى فصائل من المعارضة أو مجموعات متطرفة تستهدف قاعدة حميميم وبطائرات أمريكية الصنع، وتعرض صوراً لهذه الطائرات على أنها أمريكية، فهل تسعى روسيا من وراء ذلك إلى إثبات تعاطي أمريكا مع هذه المجموعات ودعمها لمهاجمة القوات الروسية؟
إذا جرى التعمق أكثر في هذه الهجمات المتكررة ودُقِّق وقت حصولها نلاحظ أن أغلب هذه الهجمات تنفذ خلال تنفيذ معارك بين النظام والروس والإيرانيين من جهة، والمعارضة من جهة أخرى وتصريحات روسيا حول الوجود الإيراني وتحجيم دور إيران.
من هو الفاعل الرئيس في هذه الهجمات، ومن المستفيد الأول منها، هل هي المعارضة أم إيران أم ما يسمى حركة أحرار العلويين في الساحل.
من خلال دراسة إمكانات كل جهة من هذه الجهات الثلاث وتقويمها نجد:
1 – ليس لدى المعارضة القدرة على تسيير مثل هذه الطائرات مسافات بعيدة تصل إلى 30 كم (لأن أقرب نقطة للمعارضة عن قاعدة حميميم هي 30 كم) حتى صواريخ غراد لا تصل إليها.
قد تستطيع المعارضة استخدام طائرة مسيرة مسافة 5 كم بحيث تبقى ضمن الرؤية لمن يطلقها، والمسافات الكبيرة تحتاج إلى وسائط استطلاع بعيدة ومتطورة وهذا غير متوافر لدى المعارضة نهائياً وغير مسموح لها أن تمتلكه.
2 – حركة أحرار العلويين هي مجموعة من العلويين المتضررين من النظام والإيرانيين والروس، تضررت مصالحهم وأعمال تشبيحهم بوجودهم وعدم اهتمام النظام بهم وانخفاض مستواهم من أصحاب قرار إلى مواطنين من الدرجة الثالثة وهذه الجماعة لا تملك مثل هذه الإمكانات أبداً.
3 – إيران وهي المستفيد الأول والأكبر من ذلك، وبخاصة أن إيران هي أول دولة في المنطقة في صناعة الطائرات المسيرة ولديها مصانع في سوريا لتصنيع مثل هذه الطائرات وإطلاقها، لماذا تشن إيران مثل هذه الهجمات وما الفائدة؟
– أحست إيران أن الروس قد يتخلون عنها في مرحلة ما مستقبلاً، وقد يقبلون بخروج إيران من سوريا ضمن توافقات دولية، وبخاصة أن إسرائيل وموسكو حليفان وبينهما تنسيق عالٍ، وكذلك الاتفاق والتفاهم الأمريكي الروسي حول القضية السورية، ومطالبة أمريكا بتحجيم الدور الإيراني، وتصريحات روسيا بين مدّة وأخرى بضمان تخفيض مستوى الوجود الإيراني، وهنا تريد إيران أن توجه رسائل إلى روسيا مفادها أن الوجود الروسي مهدد وغير آمن وأن الروس بحاجة إلى الوجود الإيراني، وأن وجود إيران وروسيا كل منهما مكمل للآخر، وبخاصة أن روسيا منعت إيران من إنشاء قاعدة على الساحل السوري، كما كانت إيران وما زالت تسعى لذلك، وكذلك كي تقول لروسيا إنني على الأرض أحقق الانتصارات وأقدم الدعم البشري والمادي، ولولا وجودي لما استطاع جيش النظام تحقيق انتصارات أبداً، وأن الطيران الروسي من دون الإيراني على الأرض لا يحقق أي نتائج. ولا تستطيع روسيا أن تعلن أن إيران وراء هذه الهجمات لأنه من غير المنطق أن تبين الخلاف بينها وبين حليفها الأساسي في سوريا، لذلك تلمح باتهاماتها تارة إلى المعارضة وتارة إلى دول أخرى وراء هذه الهجمات.
– لإيران هدف آخر وهو توجيه أنظار الروس إلى المعارضة في جسر الشغور وجبلي التركمان والأكراد، وتنبيهها أنها تشكل خطراً مستقبلياً، ويجب القضاء على هذه المعارضة وعملياً لا يمكن القضاء عليها إلا بالسيطرة على إدلب وهذا ما تسعى له إيران.
الخلاصة أكثر المستفيدين من هذه الهجمات هي إيران وغالباً هي من تنفذها وقد يكون عن طريق عملاء بالمال وليس تنفيذاً مباشراً، وعلى الرغم من أن هذه الهجمات لا تشكل تهديداً خطراً على الوجود الروسي ولكنه مقلق لروسيا وقد يكون مستقبلاً خطراً على الوجود الروسي.
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©.