أحمد زكريا: صحافي وإعلامي
لم يكن قطاع الرياضة السورية بمنأى عن الانتهاكات التي مارسها النظام وأعوانه عقب انطلاقة الانتفاضة السورية، حالها حال كثير من قطاعات المجتمع السوري، من جراء الاستهداف الممنهج والمتعمد لمختلف الملاعب والمنشآت الرياضية، يضاف إلى ذلك تحويل بعضها إلى مقرات وثكنات عسكرية وأماكن للاعتقال، وأكبر مثال على ذلك ملعب (العباسيين) في قلب العاصمة دمشق.
لم يقتصر الأمر على تضرر المنشآت الرياضية، بل امتد ليطال اللاعبين الرياضيين أنفسهم الذين كانوا عرضة للاعتقال والتعذيب وحتى القتل، فشهدت مؤسسة النظام الرياضية انشقاق عدد من اللاعبين الرياضيين والتحاقهم بركب الحراك، لتكون البداية نحو تشكيل جسم رياضي حرٍّ موحد هدفه رفع اسم سورية الحرة عاليًا في المحافل الرياضية العربية والدولية.
الرياضيون في الحراك ينظمون أنفسهم
بدأ الرياضيون المنشقون عن مؤسسة النظام، بتشكيل عدد من التجمعات والمؤسسات الرياضية، بدأت أولى ثمراتها عام 2012 بتشكيل (رابطة الرياضيين السوريين الأحرار)، واتخذت من العاصمة المصرية القاهرة مقرًا لها، وعام 2013 أُعلن تشكيل جسم رياضي آخر وهو (الاتحاد الرياضي السوري الحر) في مدينة حلب، لينتهي المطاف بإعلان تشكيل (الهيئة السورية للرياضة والشباب) عام 2014، وفق مصادر رياضية مطلعة.
وعلى الرغم من نشأة عدد من الأجسام الرياضية أو ظهورها، إلا أن السؤال الأبرز هو: هل استطاعت هذه الأجسام أن تكون بديلًا من مؤسسات النظام الرياضية؟ وهل استطاعت إنصاف الرياضيين الأحرار ودعم مشوارهم الرياضي؟
انتشار واسع للرياضة الحُرة في المناطق المحررة
(طلال المعلم) رئيس (الهيئة السورية للرياضة والشباب) قال في تصريح خاص لمرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي: إن الهيئة كانت المؤسسة الوحيدة التي عملت على ملف الرياضة في المناطق المحررة جميعها في الداخل السوري من درعا في جنوب البلاد إلى ريف دمشق وصولًا إلى إدلب وحلب وحمص.
وأضاف، إن الهيئة استطاعت في بعض المراحل تعويض الرياضيين المنشقين عن رياضة النظام التي كانت غير فاعلة أصلاً ولم يكن لها انتشار واسع وبخاصة في مناطق الداخل السوري، وأشار إلى أن محافظة إدلب البالغ تعداد سكانها قبيل اندلاع الأزمة نحو مليوني نسمة كان يوجد فيها 22 ناديًا رياضيًا، أما بعد انطلاق الانتفاضة السورية فتمكنت الهيئة من تكوين 75 ناديًا في مدينة إدلب وحدها، وقد حققنا انتشارًا واسعًا بعكس النظام.
تمكنت (الهيئة السورية للرياضة والشباب)، بعد مضي أربع سنوات على تأسيسها استقطاب عدد لا بأس به من الرياضيين، وشكلت عدداً من الاتحادات الرياضية التابعة لها.
وقال (المعلم): عملنا على تجميع الرياضيين المنشقين في المناطق السورية المحررة وخارجها، ونجحنا بنسبة كبيرة في استقطاب الرياضيين وإعادتهم إلى عملهم وصهرهم في مجال الرياضة، وفي الآونة الأخيرة بات لدينا نحو 200 مستفيد داخل سوريا اتحادات ولجان تنفيذية وحكام ومدربين برواتب شهرية من خلال دعم المنظمات لنا، وتمكنا من تشجيع الرياضة وإعادة الروح إلى ملاعبنا والرياضة إلى الناس الذين لم تصل إليهم، وتمكنا من إحداث نقلة نوعية في موضوع الرياضة.
وعند تحرير مدينة (إدلب) شكل القائمون على الهيئة السورية للرياضة والشباب، لجنة تنفيذية في إدلب وتولى رئاستها (طلال المعلم)، ونجحت تلك اللجنة وأسقِط نجاحها على باقي المحافظات (حماه وحلب وحي الوعر في حمص وفي درعا) وجرى تشكيل 13 اتحاد لعبة 95 في المئة منهم داخل سوريا وأصبح لديها 2500 إداري بواقع 42000 منتسب، وهذا الإحصاء بالنسبة إلى المنتسبين كان قبل تهجير الرياضيين من مناطق حمص وريف دمشق.
(الاتحاد السوري الحُر) نشاط رياضي متعدد
ولا يقل دور الاتحاد السوري الحر لكرة القدم أهمية في دعم الرياضة الحرة والرياضيين الأحرار، من ناحية إشرافه على النشاط كله في الداخل السوري في المناطق المحررة كلها، إن كان في مناطق حمص وريف دمشق قبل عمليات التهجير، أو في الوقت الحالي في مناطق (إدلب وحماه ودرعا).
الكابتن (نادر الأطرش) رئيس الاتحاد السوري الحر لكرة القدم قال في حديثه للمرصد: أقمنا في مناطق الشمال السوري نشاطاً رياضياً متنوعاً من أبرزه إقامة دوري درجة أولى وثانية في مستوى محافظة إدلب، ودوري تصنيفي في مستوى محافظة حلب ومحافظة حماه، ودوري كأس الشهداء في محافظة درعا.
ولفت الانتباه، إلى وجود تنسيق عالٍ بينهم وبين الهيئة السورية للرياضة والشباب، معتبرين أنفسهم منبثقين من تلك الهيئة التي تضم أكثر من خمسة اتحادات (كاراتيه، وطائرة، وكيغ بوكسينغ، وجودو، وكرة قدم).
حراك شعبي ضد الفساد الرياضي
ووصف (عبد العزيز الدالاتي) -عضو الاتحاد السوري لكرة القدم ورئيس سابق للجنة التنفيذية الرياضية في حمص- الرياضيين الأحرار بأنهم جزء من الحراك الشعبي ضد نظام الأسد بمؤسساته كلها بما فيها المؤسسة الرياضية التي لاحقها الفساد منذ استلام حزب البعث الحكم وحتى هذه اللحظة، وكان آخر فضائحها تدخل الفيفا والاتحاد الآسيوي فيها بما يخص تدخل السلطة الحاكمة في العمل الرياضي في اتحاد كرة القدم التابع للنظام، مضيفًا أن (الانتفاضة كانت ضد مؤسسات النظام الفاسدة كلها بما فيها المؤسسة الرياضية).
وتحدث (الدالاتي) عن أهمية (الهيئة السورية للرياضة والشباب) بوصفها تشكيلاً رياضياً وقال: لقد أعطت الحقوق للرياضيين الأحرار من الناحيتين التنظيمية والإدارية، فمن الحقوق كان حق حرية انتخاب قيادة هذه الهيئات، وحرية اختيار الممثلين في كل منطقة محررة، وكل منطقة كانت تنتخب الاتحادات الخاصة بكل لعبة، هذا من الناحية التنظيمية والإدارية، أما من الناحية الفنية فقد أعطت الفرص للإداريين والفنيين لإثبات مهاراتهم وقدراتهم التدريبية والفنية، وأعطتهم الفرص بشكل عادل في ما يخص الإدارة والتدريب في المشروعات الرياضية ومراكز التدريب.
وأضاف، إن الرياضيين الأحرار قاموا بنشاط ضخم متنوع نسبة إلى الإمكانات المتاحة الضعيفة وفي ظل حال حصار وقصف عجز النظام نفسه عن القيام بها، وقال: أشرفت شخصيًا على مهرجان حمص للرياضة بنسختيه الأولى والثانية بعدد لاعبين تجاوز ١٢٠٠ رياضي تنافسوا في ١١ لعبة مختلفة عام ٢٠١٥، وفي ظل أوضاع قاهرة من القصف والحصار، في حين إن النظام في وقتها وعلى الرغم من إمكاناته كلها لم يستطيع إطلاق أي بطولة في مدينة حمص إن كان في الرياضات الفردية أو الجماعية.
غياب الدعم انعكس على رياضي الحِراك الشعبي
الكابتن (مخلص قطيني) رئيس نادي خان شيخون الرياضي، رأى أن من أهم النشاط الرياضي الذي قامت به الهيئة (دوري الدرجة الأولى والثانية) الذي ضاهى دوري كرة القدم الذي كان يقيمه النظام، إلا أنه وفي ظل الأزمة وعدم وجود دولة أو جهة للرياضة فإنها لم تنصف الرياضي الذي يطمح دائما إلى الأفضل.
ويعد نادي خان شيخون الذي أسس عام 1985، من أبرز الأندية في المناطق المحررة والأول في مستوى الكرة الطائرة، وكان له نشاط متعدد، إذ استمر النادي في مصافِ أندية الدرجة الأولى لسنوات عدة وقدم فيها نتائج باهرة في مستوى الفئات كافة حتى عام ٢٠١١، ليتوقف نشاطه كله ثم يعود عام 2013 وتدور عجلة الرياضة مرة أخرى وتتفعل فيه رياضات عدة كان أهمها (كرة الطائرة والقدم والشطرنج وتنس الطاولة)، ليحرز انتصارات عدة في مستوى الكرة الطائرة ويحل ثالثاً في دوري كرة القدم للدرجة الأولى في مستوى المناطق المحررة، وقام نادي خان شيخون بتنظيم بطولات عدة للرياضات كافة بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني والمجلس المحلي وحقق نجاحات باهرة.
رياضيون ذوو إعاقة يتحدون النظام
وشكل مجموعة من الرياضيين السوريين من أصحاب الإعاقة والمنشقين عن النظام، (الاتحاد السوري للرياضات الخاصة) ويضم بعض اللاعبين من حاملي بطولات في مستوى الجمهورية والعربية وبطولات آسيوية وعالمية، ويضم ألعاباً فردية (كرة طاولة وسباحة ورمي قرص ورمح وكراسي متحركة)، وألعاب جماعية (طائرة وسلة وكرة قدم) لمبتوري الطرف السفلي.
وأشار (مازن الشوان) رئيس الاتحاد في حديثه للمرصد، إلى أنه وعلى الرغم من وجود هيئة رياضية للرياضيين الأحرار إلا أنه حتى الأن ما تزال الاتحادات العربية والعالمية تخاطب النظام واتحاده للمشاركة في البطولات الرياضية المختلفة، مؤكدًا أنه في حال سمح للرياضيين السوريين الأحرار وبخاصة أصحاب الإنجازات فإنهم سيحققون تفوقاً يضاهي رياضة النظام.
رياضيون منشقون ولكن غير مُنصَفين
وفي وقت وجد فيه بعض الرياضيين أن مؤسسات المعارضة الرياضية تمكنت إنصاف الرياضي الحر المنشق عن النظام، رأى آخرون عكس ذلك.
وقال الكابتن (صفوان رمضان) أمين سر اللجنة الفنية لكرة القدم في الهيئة السورية للرياضة والشباب في محافظة إدلب: إن المؤسسات الرياضية الملتحقة في ركب الانتفاضة لم تنجح في تعويض اللاعب المنشق عن انشقاقه عن رياضة النظام وذلك لأسباب عدة من أهمها عامل الاستقرار الأمني في المناطق الخاضعة للمعارضة من قصف من النظام وحلفائه، إضافة إلى اقتتال الفصائل الذي حصل في الآونة الأخيرة وتشتتهم، ولعدم وجود مظلة سياسية وعسكرية موحدة.
وأضاف، إلا أنه لا يجب أن نغفل أن هناك مؤسسة نجحت في هذا الأمر وتضم عدداً كبيراً من اللاعبين من شتى الألعاب وهي الهيئة السورية للرياضة والشباب، وهناك كثير من الرياضيين السابقين المعروفين في ألعاب مختلفة ولهم إنجازات وتاريخ رياضي حافل.
ولفت إلى أنه بالنسبة إلى الزمن الحالي، فإن أغلب اللاعبين الذين يمارسون اللعبة الذين انشقوا عن النظام تكون وجهتهم تركيا، كلاعب تشرين (عمر عبد الرزاق) الذي يلعب الآن في أندية الدرجة الثانية التركية، وهناك أيضاً لاعبون اتجهوا إلى المهجر كاللاعب (باسل حوا) الذي يلعب الآن ضمن فريق (منتخب الجالية السورية في ألمانيا) ومنهم من اتجه إلى كردستان أو الأردن أو لبنان.
أما الكابتن (محمود غزال) عضو اللجنة التنفيذية في حلب مدير مكتب الألعاب الجماعية في الهيئة السورية للرياضة والشباب، فرأى أن مؤسسات الرياضة الحرة جميعها لا تضاهي مؤسسات النظام، معيداً السبب إلى تشكيل أكثر من جسم رياضي سواء كان في الداخل السوري أم في تركيا، مضيفًا أن الهيئة تعتبر الآن هي الأفضل لما تملكه من خبرات رياضية.
وتابع، أنه بالنسبة إلى إنصاف اللاعبين الأحرار، فإن مختلف التشكيلات الرياضية الحرة لم تنصفهم أبدًا والسبب الرئيس، بحسب رأيه، عدم الاعتراف من قبل الفيفا بالرياضة الحرة بديلًا من النظام الفاسد المجرم القاتل، وأشار إلى أن عمليات التهجير القسري الأخيرة كان لها الدور الأكبر في فشل الرياضة الحرة
في حين اعتبر الكابتن (ياسر أبو راس) العضو السابق في اللجنة الفنية لكرة القدم في الهيئة العامة للرياضة والشباب في إدلب، أن (الهيئات والتشكيلات الرياضية المعارضة وللأسف الشديد لم تضاهِ ولن تضاهي، ولم تستطع أن تثبت نفسها خارجيًا أو حتى داخليًا، وعزا ذلك إلى التفرق والتشرذم الحاصل، واصفًا الرياضة بشكل عام أنها أصبحت شبه تسلية).
وأضاف، إنه حتى ننهض بالرياضة الحرة من جديد، علينا توحيد الصفوف بأطيافها وألعابها كلها وبقيادة واحدة، وعدم قبول أي دعم يتبع لأجندات لا تخدم الرياضة في الداخل السوري قبل خارجه، يضاف إلى ذلك وضع الشخص الملائم في المكان الملائم.
سحب البساط الرياضي من تحت أقدام النظام
وعلى الرغم من التحديات كلها التي تواجه الرياضة السورية الحرة، إلا أن الرياضيين الأحرار يسعون جاهدين لإيصال أصواتهم إلى الجهات الرياضية الدولية علها تلقى أذناً صاغية للاعتراف بهم بوصفهم جسماً رياضياً بديلاً من النظام، من خلال رفع التقارير والملفات التي تشير إلى انتهاكات النظام بحق الرياضة والرياضيين والمنشآت الرياضية في الداخل السوري.
وأرجع (طلال المعلم) رئيس الهيئة السورية للرياضة والشباب عدم الحصول على الاعتراف الدولي إلى تخاذل المجتمع الدولي وقال: إن العذر ليس من الهيئة السورية وليس من العاملين في الرياضة بل السبب هو من القرار الدولي، فلو أن المجتمع الدولي أراد الاعتراف بالانتفاضة كان اعترف بالائتلاف والحكومة المؤقتة، وكان قد جرى سحب مندوب النظام من الأمم المتحدة، ولكن دول العالم لم تساعدنا في إنشاء مؤسسات ومن ضمنها المؤسسة الرياضية، في حين إن هناك دول اقتصرت مساعدتها لنا على الاشتراك في بطولات دولية محلية وكان هذا فقط هو حجم المساعدة.
ووافقه في الرأي الكابتن (نادر الأطرش) رئيس الاتحاد السوري لكرة القدم، الذي قال: إن خذلان المجتمع الدولي للانتفاضة السورية ورياضتها هو الأمر الذي منع سحب البساط من تحت أقدام النظام، أضف إلى ذلك خذلان منظمة (الفيفا) للرياضيين السوريين الأحرار.
وقال الكابتن (مازن الشوان) رئيس الاتحاد السوري للرياضات الخاصة، إن المطلوب لسحب البساط من تحت أقدام النظام هو (تضافر الجهد وتجميع الرياضيين وإعادة تأهيلهم، والتسويق الإعلامي الجيد للفت النظر إلى الداخل السوري، ومخاطبة الاتحادات العربية والعالمية للسماح لنا بالمشاركة باسم الرياضة الحرة).
فيما قال الكابتن (عبد العزيز الدالاتي) الرئيس السابق للجنة التنفيذية الرياضية في حمص، وحاليًا عضو الاتحاد السوري لكرة القدم: لم تستطع أي مؤسسة تنتمي لانتفاضة الشعب السوري سحب الاعتراف من النظام بما فيها الهيئات الرياضية الحرة، ليس ضعفًا من الرياضيين الأحرار، ولكن بسبب عدم وجود إرادة دولية بإنصاف السوريين عموماً والرياضيين خصوصاً، ولا توجد إرادة دولية لإنهاء معاناة الشعب السوري بما فيهم الرياضيين.
في حين اعتبر الكابتن (صفوان رمضان) أن الأسباب التي تقف وراء عدم الاعتراف بالرياضة الحرة دوليًا مرتبطة بالوضع السياسي والعسكري، وقال: تقدمنا بأكثر من طلب إلى الفيفا في مقرها سويسرا لنمثل سوريا في الألعاب كافة في المحافل الدولية، لكن دائما كان الرد يأتينا بالرفض ولم يريدوا الاعتراف بنا، وكأن هناك ارتباط بينهم وبين مجلس الأمن والفيتو موجود علينا نحن الرياضيين.
وتابع: لم تتقدم أي دولة عربية أو غير عربية بتقديم الدعم، بعكس ما قامت به قطر ودعمت رياضة الأسد، وحين سمع الرياضيون الأحرار هذا الخبر أتاهم كالصفعة في وقت هم في أمس الحاجة إلى من يعينهم مادياً لمحاربة رياضة النظام الفاسد، على حد تعبيره.
هذه الدراسة تعبّر عن وجهة نظر الكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي المرصد.
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي.