تصر جماعة الإخوان المسلمين في سوريا على تكرار أخطائها في كل أزمة تمر بالوطن؛ لتخالف بذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يلدغ المؤمن من الجحر مرتين). لكن هذه المرة رفض المجتمع السوري أن يلدغ من الجحر الإخواني ثانية بعد ما عاناه بسبب أخطائهم في ثمانينيات القرن المنصرم. تقدم هذه الورقة جرداً سريعاً لأخطاء الإخوان في المأساة السورية من خلال ما يأتي:
- استفزاز شخصيات إخوانية للشارع السوري.
- أخطاء الإخوان في المأساة السورية.
- الإخوان عنصر تطييف في المجتمع السوري.
- الإخوان ضد الديمقراطية.
- هل الإخوان يمثلون السنة في سوريا؟.
- الإخوان يريدون السلطة بأي ثمن.
- مساهمتهم في انتشار المد الجهادي.
- الإخوان ورهن القضية السورية إقليمياً.
المدخل
أثار منشور كتبه أحد قادة الإخوان المسلمين في سوريا، جدلاً كبيراً بين السوريين وغيرهم على وسائل التواصل الاجتماعي، إذ كان المنشور، من حيث لا يدري صاحبه، مناسبة لإظهار حجم الهوة التي باتت تفصل الإسلاميين عن الجمهور السوري من جهة، وحجم النفور الذي بات لدى السوريين من التنظيم الذي باتوا يحملونه مسؤولية كبرى عن المآل الذي ترقد فيه سوريا اليوم.
استفزاز شخصيات إخوانية للشارع السوري
ملهم الدروبي، أحد قادة الإخوان المسلمين، وأحد ممثليهم في المؤتمرات والمنصات المعارضة السورية التي تشكلت في السنوات السابقة، كتب على صفحته على الفيسبوك بصيغة تهكمية: ماذا قدم العلمانيون للانتفاضة السورية؟ السؤال الذي جاء بصيغة تنكر على العلمانيين ما قدموه، تضمر معنى آخر، تقول إن العلمانيين لم يقدموا شيئاً، في حين إن الإخوان ومن يواليهم من تيارات الإسلام السياسي والجهادي في سوريا، قد قدموا كل شيء، الأمر الذي أثار عاصفة من النقد والاستياء، ليس عند جمهور العلمانيين في سوريا فحسب، بل أيضاً عند الجمهور السوري العام الذي وجد في ذلك افتراءً، ومحاولة للتغطية على الكوارث الكبرى التي قام بها الإخوان بحق الانتفاضة السورية، بدءاً من تسليحها، إلى جعلها محض ورقة في يد القوى الإقليمية التي تدعمهم وعلى رأسها تركيا، وسنتحدث عن ذلك بالتفصيل لاحقاً.
أخطاء الإخوان في المأساة السورية
إلا أن أهم ما في هذا السجال، هو أنه أظهر حجم الاحتقان الشعبي ضد الإسلام السياسي والإخوان في سوريا، إذ لم يكد الدروبي ينتهي من كتابة منشوره حتى بدأت التعليقات على صفحات الفيسبوك ترد عليه وعلى التيار الذي يمثله، محملين إياه مسؤولية ما يحصل في سوريا اليوم، الأمر الذي جعل بعضهم يقول إننا نشهد اليوم نهاية الإسلام السياسي، إذ كانت الانتفاضة وما جرى فيها بمنزلة المحطة الأخيرة للإخوان، وبخاصة أن الشعب السوري سبق واكتوى بنارهم خلال أزمة ثمانينيات القرن الماضي حين رفعوا السلاح من خلال تنظيمهم المتشدد الذي عرف باسم الطليعة المقاتلة بالتوازي مع إعلان شعارات طائفية، ليستغل النظام الأمر ويشن حملة ضد المجتمع السوري ككل، انتهت بأن استقر نظام الأسد طوال عقدين من الزمن بالصمت والخوف، وجاء بعده ابنه بشار الذي ورث السلطة وما يزال، ليعود الإخوان ويكرروا الأخطاء نفسها التي انتهت اليوم إلى وأد الانتفاضة السورية، فيما ما يزال بشار الأسد في سدة الحكم، وهو يعمل اليوم للاستمرار في حكم سوريا عبر دعم حليفيه الرئيسين إيران وموسكو، فما هي أخطاء الإخوان القديمة/ الجديدة؟
الإخوان عنصر تطييف في المجتمع السوري
إن أول أخطاء الإخوان، كونهم عنصر تطييف في المجتمع السوري متعدد الأقوام والطوائف، إذ ما دمنا نتحدث عن حزب ديني فهذا يعني أننا في مقابل حزب طائفي، يقوم على استقطاب طائفة أو جزء من طائفة ضد بقية الأقوام والطوائف، الأمر الذي يجعل منه عنصر تطييف، وهذا يعني أيضاً أننا في مقابل حزب يغذي الهويات الفرعية والعمودية في المجتمع ضد الهويات المدنية والوطنية، ما يعني أيضاً أن الإخوان في هذه الحالة هم قوة دافعة إلى الخلف، أي تسير بعكس التطور التاريخي، وهم يشكلون قوة فرملة في وجه الحداثة ومفهومات حقوق الإنسان والديمقراطية.
الإخوان ضد الديمقراطية
على الرغم من ادعاء الإخوان أنهم مع الديمقراطية، إلا أنهم في حقيقة الأمر يقفون ضدها، لأنهم يأخذون من الديمقراطية الأكثرية العددية (وهذا وهم آخر سنتحدث عنه لاحقاً) التي تعينهم على الوصول إلى السلطة، ما يعني أن إيمانهم بالديمقراطية عملياً هو إيمان براغماتي وليس إيماناً حقيقياً، فهم يريدون من الديمقراطية أن توصلهم إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع بعد أن فشل السلاح في إيصالهم إليها، ولهذا هم يقبلون من منجزات الحداثة والغرب الديمقراطية فقط، في حين يرفضون الباقي مثل العلمانية وحقوق الإنسان وحق المرأة وغيرها.
إن موقف الإخوان من هذه القضايا يكفي لفضح ازدواجيتهم في هذا المجال. إن مسار الإخوان ضمن الانتفاضة، يبين نوع الديمقراطية التي يؤمنون بها، فقد أفشلوا الكيانات السورية المعارضة التي دخلوا فيها كلها، بدءاً من المجلس الوطني وليس انتهاء بالائتلاف الوطني المعارض، حين أرادوا الهيمنة عليها من دون سواهم، إذ لم يعترفوا بغيرهم أبداً، وهذا يبين نوع الديمقراطية التي يؤمن بها الإخوان، ولهذا انتهت هذه الكيانات كلها إلى الفشل الذريع، إذ انسحب منها أغلب أعضائها والأحزاب التي شاركت فيها حين رؤوا هيمنة الإخوان وسعيهم للاستئثار، ولإدراكهم أن الإخوان يريدون من الجميع أن يكونوا أدوات لهم فقط. الأمر نفسه انطبق على الجانب العسكري في الانتفاضة السورية، إذ استغل الإخوان تشكل الجيش السوري الحر، وبدؤوا يعملون تحت يافطته على تشكيل كتائب خاصة بهم بهدف الهيمنة، ما أدى إلى انكشاف أجندتهم، فلعبوا بذلك دوراً كبيراً في تخريب فكرة الجيش السوري الحر، لمصلحة الكتائب ذات الطابع الإسلامي، علاوة سعيهم لوضع تلك الفصائل تحت إمرة قوى إقليمية، ما خرب في النهاية العمل المسلح، لأن الجيش الحر كان يشكل فكرة تجمع عدداً كبيراً من السوريين حولها، في حين إن الكتائب الإسلامية والجهادية كانت عنصر تطييف وتفريق، ما يعني أن الإخوان ساهموا في تخريب الحراك سياسياً وعسكرياً.
هل يمثل الإخوان السنة في سوريا؟
يتوهم الإخوان حق تمثيل السنة في العالم العربي وفي سوريا، فهم ينطلقون من فرضية خاطئة تقول إن السنة كلهم إخوان مسلمون، ولهذا يواجهون الحقيقة المرة دائماً، حين يكتشفون أن أكثر السنة يقفون ضدهم ولا يوافقونهم على تطرفهم الديني، وهنا يكون سعيهم لتطييف الانتفاضة فاشلاً، ظناً منهم أن الأمر سيدفع السنة نحو الإحساس بطائفتهم والتكتل حول الإخوان، فيفاجؤون بأن التطييف ارتد عليهم سلباً لمصلحة خصمهم النظام الذي يعرف كيف يدير اللعبة الطائفية في حين يفشلون فيها دائماً.
الإخوان يريدون السلطة بأي ثمن
ليس للإخوان قضية حقيقية سوى السلطة، فالدين والديمقراطية والأيديولوجية ليست سوى أدوات للوصول إلى السلطة، والبراهين على ذلك كثيرة، وهي براهين نأخذها من تاريخهم السياسي الحديث، فقبل الربيع العربي كان النظام الإقليمي مستقراً ولم يكن هناك ما يشير إلى إمكان رحيل الأنظمة المستبدة، ولهذا كان جلّ ما طمح إليه الإخوان هو المشاركة في السلطة، وقد بدأت حوارات بينهم وبين النظام، كان الوسطاء فيها محليين وإقليميين، وقد أعلن الإخوان وقوفهم خلف النظام إبان معركة إسرائيل ضد غزة عام 2008 على اعتبار أن النظام يدعم المقاومة، وقد شكلوا سابقاً جبهة الخلاص الوطني مع كل من عبد الحليم خدام ورفعت الأسد، علماً أن الرجلين كانا من أكثر رجال النظام تشدداً ضد كوادر الإخوان إبان أزمة الثمانينيات، ما يوضح لنا أن الإخوان يهدفون إلى الوصول إلى السلطة من دون سواها، ولو على حساب دم أبنائهم.
مساهمتهم في توفير الأرضية للجهاديين
باعتبار أن الإخوان حزب طائفي من جهة وديني من جهة أخرى، فهذا يعني عملياً أنهم يوفرون الأرضية اللازمة لانتشار المد الجهادي والإسلاموي، فكانوا الخطوة الأولى التي عبر من خلالها الجهاديون نحو الانتفاضة السورية، وهذا ما جرى أيديولوجياً من جهة وعبر الغطاء الذي وفره لهم الإخوان من جهة أخرى، علماً أن أيديولوجية الإخوان هي أيديولوجية إقصائية وجهادية في العمق، على الرغم من محاولات الإخوان كلها لإظهار أنفسهم حزباً مدنياً.
رهن القضية السورية للدول الإقليمية
عمل الإخوان على وضع الانتفاضة في جيوب دول إقليمية وأخرى صغيرة، مثل تركيا وقطر، إذ صرح قادة الإخوان مبكراً منذ بداية الحراك أنهم لا يعتبرون الوجود التركي في سوريا احتلالاً، ما يعني أنهم يقبلون بالاحتلال التركي، وخروجهم من دائرة الوطنية السورية نحو ارتباطهم بمشروع أردوغان العثماني، فهم جزء من التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، ومن ثم فإن الوطنية السورية غير موجودة لديهم، وهذا ما أدخلهم في عداء مبكر مع الوطنيين السوريين الساعين لدولة حرة ديمقراطية، في حين يسعى الإخوان لجعل سوريا محض ولاية عثمانية عند السلطان العثماني الجديد أردوغان. هذه الأخطاء وغيرها كثير، هي ما جعلت السوريين ينفرون من الإخوان وتيارات الإسلام السياسي كلها، الأمر الذي يضعنا في مواجهة سؤال: هل وصل المشروع الإسلامي إلى نهايته، وهل بات يلفظ أنفاسه الأخيرة حقاً.
هذه المادّة تعبّر عن وجهة نظر الكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي المرصد.
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال افريقيا الإعلامي.