يبدو أن السودان بات على مقربة من طي آخر فصول حكم الرئيس المخلوع “عمر حسن البشير”، مع ما كشفته مصاد إعلامية سودانية عن قرب إصدار قانون جديد يستهدف حل حزب المؤتمر التابع للرئيس المخلوع، لافتةً إلى أن مشروع القانون تم تحويله بالفعل إلى الجهات التشريعية للبت فيه والموافقة عليه.
وعلى الرغم من أن المصادر التي كشفت عن النبأ، لم تحدد أي توقيت متوقع لصدور قرار حل الحزب، الذي كان يعتبر واجهة سياسية للحكم الإخواني في البلاد، إلا أنها أشارت إلى أنه سيصدر قريباً بعد اتخاذ كافة الخطوات القانونية، وأن ما تبقى من قضية حظر الحزب في البلاد هو إجراءات قانونية وحسب.
مطالب شعبية وخطوات إضافية
الموقف من الحزب الحاكم السابق التوجه حله، لم يرتبط فقط بالشأن السياسي، وإنما ارتبط أيضاً بمطالب الشارع السوداني، التي عبرت عنها المظاهرات الأخيرة التي انطلقت عدة مناطقـ والتي جدد موقفها الرافض لوجود حزب البشير، والمطالبة بمحاكمة كامل رموزه، بعد ثلاثين عاماً قضوها في السلطة.
إلى جانب ذلك، أشارت المصادر إلى أن المجلس السيادي ومجلس الوزراء وقوى إعلان الحرية والتغيير قد اتفقوا على تشكيل لجنة تنسيق من أربعة أعضاء من كل جهة من الجهات الثلاثة المذكورة، مهمتها دراسة تفكيك نظام “البشير” وإنهاء سيطرة الإسلاميين على مؤسسات الدولة، لافتةً إلى أن المسألة لم تعد سوى مسألة وقت حتى يتهلص السودانيين من إرث النظام السابق.
أما رصاصة الرحمة للنظام السابق، فقد تجلت فيما أعلنت عنه وكالة الأنباء السودانية، نقلاً عن النائب العام السوداني “علي الحبر”، بأن النيابة العامة، ستعمل على التحقيق في كافة الجرائم والانتهاكات التي وقعت منذ العام 1989، بما فيها القتل خارج القانون والانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان، وكافة الجرائم التي اهتز لها الضمير العالمي.
وما دعم توجه تصفية تركة “البشير” الثقيلة المصبوغة بالدم، هو لقاء النائب العام “الحبر” بوفد الاتحاد الأوروبي في السودان، والذي أكد دعمه للسودان في هذه المرحلة الإنتقالية، مشيراً الى أن كثيراً من الأسئلة بشأن الأحداث السابقة طوال فترة الـ 30 عاماً تدور في أذهان المجتمع الدولي، ومنها موقف السودان من المحكمة الجنائية الدولية وتسليم الرئيس المخلوع “عمر البشير”، والأحداث الأخيرة في فض الاعتصام والتي تهم الإتحاد الأوروبي أيضاً للإجابة عليها.
كما تساءل الوفد عن موقف النيابة العامة من الانتهاكات السابقة التي حدثت خلال الثلاثين عاماً، وما هي المعالجات لذلك، مؤكداً استعداده لتقديم الدعم الفني في مجال بناء القدرات لأعضاء النيابة العامة وبقية أجهزة تنفيذ القانون الوطنية فيما يلي التحقيقات في جرائم الفساد وغسل الأموال، وكافة أوجه الجريمة عابرة الحدود التي تشمل أكثر من دولة .
ثلاثون عاماً من العزلة
عملياً فإن عزلة السودانيين عن العالم لم تبدأ مع العزلة السياسية التي فرضها المجتمع الدولي على “البشير”، وإنما بدأت منذ عام 1989، مع قدوم النظام العسكري الجديد آنذاك، والذي بنى “البشير” عبره أسواراً عالية،فصل فيها السودان والسودانيين عن الاتصال بالالم الخارجي، عبر تشديد الرقابة على الصحف ووسائل الإعلام، وتشديد الرقابة الأمنية على الفكر والثقافة، وقمع المعارضين، وسجن كل صاحب رأي، ليبقى الإعلام الرسمي هو النافذة الوحيدة للسودانيين على العالم، حاله حال كافة الديكتاتوريات المشابهة، على حد وصف محللين سياسيين سودانيين.
وغمرة العزلة عن العالم الخارجي، استغل النظام السابق الأوضاع لصالحه، ليرتكب مئات المجازر بحق المدنيين، في دافور وكردفان وعدد من المناطق التي انتفضت على حكمه، لتواصل آلية القتل التابعة له بحصد أرواح المدنيين، حتى آخر ساعات للرئيس المخلوع داخل القصر الرئاسي، قبل أن يطيح به انقلاب عسكري بدعمٍ من الثورة الشعبية التي انطلقت ضده طيلة أشهر ماضية، وفقاً لما يرويه ناشطون سودانيون.
وتعتبر مذابح درافور إحدى أبرز المراحل التاريخية التي مر بها السودان خلال فترة حكم “البشير”، حيث ادت المعارك التي دارت بين قوات الحكومة السودانية التابعة للرئيس المخلوع وميليشيات داعمة لها من جهة وبين فصائل مسلحة من دارفور، إلى مقتل أكثر من 300 ألف مدني وتهجير مئات الآلاف، لتصدر محكمة الجنايات الدولية على إثرها مذكرة اعتقال باسم “البشير” واعتباره المسؤول الأول عن ما شهدته البلاد من أعمال عنف وقتل.
الكاتب السوداني “محمد جميل أحمد” من جهته، وفي سرده لجانب من حقبة حكم النظام السابق، اتهم نظام “عمر حسن البشير” بتدمير البنية السياسية للعمل الحزبي في كل أنحاء البلاد، وبخاصة في شرق السودان، وحولها إلى هياكل قبائلية ومناطقية من أجل السيطرة عليها.
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي.