وحدة الرصد والمتابعة في مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي “مينا”
كان الشعب الأيزيدي من أكثر الشعوب التي لحقت بها الإبادة الجماعية والتاريخ يشهد على ذلك.
وسنبدأ بذكر تواريخ وأحداث حتى نصل إلى الفرمان السادس والسبعين، لذا فالقرار أو ما يسمى (فرمان) الإبادة الجماعية التي نفذها بدر الدين لؤلؤ هو الفرمان الأول بحق الأيزيدين، نفذ (سنة ٦٤٤ هجرية/ ١٢٤٦م)، ليأتي الفرمان الثاني الذي نفذه بدر الدين لؤلؤ (سنة ٦٥٢ هجرية / ١٢٥٤م)، لتتعاقب الفرمانات وصولاً إلى الفرمان الخامس والخمسين الذي نفذه والي الموصل عمر باشا (سنة ١٨٤٠ م)، عندما قام هذا الوالي بقتل أعداد من (آبيرة) من الأيزيديين، و”الأبيرة هم الشريحة المتصوفة في الديانة الأيزيدية ولهم مكانة دينية كبيرة”، والفرمان السادس والخمسين الذي نفذه والي الموصل محمد باشا اينجة بيرقدار (سنة ١٨٤٢)، والفرمان السابع والخمسين الذي نفذه والي الموصل محمد شريف باشا (سنة ١٨٤٤)، والفرمان الثامن والخمسين وصولاً إلى الفرمان التاسع والخمسين.
وكانت الإبادة رقم واحد وستين تلك التي أصدرها مدحت باشا السلطان العثماني خلال ولاية حكمه لبغداد (١٨٧٢ – ١٨٦٩ م) فرمان بشن عدد من حملات الإبادة تجاه أيزيديي (شنكال) مع فرض أحكام صارمة على الأيزيديين بهدف النيل منهم وبشتى الوسائل الممكنة، وكالعادة فقد سالت دماء الأيزيديين مع ارتكاب القوات الغازية سلسلة من الأساليب القمعية المتمثلة في هتك الأعراض وسبي الأطفال والنساء وقتل الشيوخ قبل الكبار وحرق المزروعات وغيرها من المشاهد المؤلمة.
توثيق المجازر
لمحة عن التسلسل التاريخي لحملات الإبادة بحق الأيزيدين
وُثقت 67 حملة إبادة جماعية بحق الشعب الأيزيدي، ولا تكاد تخلو أعوام متعاقبة إلا وللأيزيدين نصيب من حملات الإبادة الجماعية التي طالت وجودهم ودينهم ومعتقداتهم، وسنكتفي بعرض سريع وسرد بسيط لوقائع بعض حملات الإبادة الجماعية (الموثقة تاريخياً)، إلى جانب تأكيد كثير من الباحثين والأكاديميين وجود حملات إبادة أخرى قد تجاهلها التاريخ ولم تدون في صفحاته، إضافة إلى أنه من خلال بحثنا هذا كان من اللافت للانتباه في حملات الإبادة الجماعية للأيزيديين أنها تتضمن أجندات متشابهة تماماً، وببصمة من دموية من القتل والذبح والتنكيل وسبي النساء والأطفال واعتقال القادة الأيزيديين والتمثيل بجثثهم وتعليقها على الأماكن المرتفعة وقتل الأسرى وحرق البساتين والاستيلاء على الغنائم بأشكالها المتعددة وغيرها من المساوئ التي لا يتجرأ العقل على الإيعاز لأنامل الإنسان بمسك القلم وتدوينها، ليبقى هذا الشعب محافظاً على وجوده حتى الآن.
(شنكال) آخر حملة إبادة جماعية ما يزال ينزف منها الشعب الأيزيدي
إن ما حدث في 3 آب عام 2014، هي الإبادة الأحدث تاريخياً وترقم بالإبادة رقم 67، إبادة جماعية نفذها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، جرت هذه الإبادة بعد أن بدأت الحرب بين تنظيم داعش وإقليم كردستان في شمال العراق، وذلك عندما انسحبت قوات البيشمركة انسحاباً مفاجئاً من بلدة (شنكال) ليسيطر عناصر تنظيم داعش على البلدة في 3 آب 2014، ويقتلوا عدداً كبيراً من الأيزيديين يصل إلى حوالى 5000 شخص وقد سبوا عدداً من النساء الأيزيديات، بينما هرب البقية إلى جبل سنجار وحوصروا هناك أياماً عدة ومات كثير منهم بسبب الجوع والعطش والمرض وطول مشقة الطريق، إلى أن تمكنت قوات البيشمركة وحزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب الكردي وبدعم جوي من قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة تأمين هرب الأيزيديين من جبل (شنكال) إلى مناطق أكثر أماناً، لتقوم عدد من الجهات ومن بينها هيئة الشؤون الاجتماعية والهلال الأحمر الكردي بإنشاء مخيم (نوروز) في الأراضي السورية الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية.
وزارة الأوقاف والشؤون الدينية تصدر آخر إحصاءاتها بعد مرور ثلاث سنوات من حملة إبادة (شنكال)
ومن الوثائق التي صدرت عن وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في العراق بعد مرور ثلاث سنوات من تاريخ 3 آب 2014 أكدت المعطيات الأساسية من إقليم “كُردستان العراق” أن حملة الإبادة التي قام بها مسلحو داعش بحق الكُرد الأيزيديين في شنكال في ذلك التاريخ أسفرت عن مقتل آلاف من الأيزيديين، فيما خُطف 6417 أيزيدياً على يد داعش، هذا وقد قدم “خيري بوزاني” عضو إدارة الشؤون الأيزيدية التابعة لوزارة الأوقاف والشؤون الدينية في إقليم كُردستان العراق، معلومات عن وضع الأيزيديين الذين خُطفوا.
وأوضح بوزاني أنه منذ الثالث من آب عام 2014 جرى تحرير 3315 أيزيدياً من أصل 6417 كانوا مختطفين من قبل داعش، وأن مصير 3102 شخصاً ما يزال مجهولاً، أي ما يعادل 48.3 في المئة، إذ يظن أن يكونوا في قبضة التنظيم الإرهابي إن لم يكن قد ارتكب مجازر بحقهم، وهم بالتالي مجهولو المصير.
والمعطيات الأخيرة لإدارة الشؤون الأيزيدية التي قبلتها الأمم المتحدة رسمياً كانت على الشكل الآتي: فقد بلغ عدد الأيزيديين في العراق وعموم مناطق كردستان ما يقدر بـ 550 ألفاً، وعدد الأيزيديين الذين هاجروا من (شنكال) في الوقت الذي جرت فيه حملة الإبادة على شنكال في 3 آب عام 2014 يقدر بحوالى 360 ألفاً، عدد الأيزيديين الذين نزحوا إلى العراق وإقليم كردستان يقدر بحوالى 100 ألف، وكان قد قتل مسلحو داعش في أول يوم من الحملة 1293 شخصاً، وقد جرى العثور على 69 مقبرة جماعية في شنكال حتى الآن إضافة إلى المقابر الفردية، وبلغ عدد المقابر والمعابد والأماكن المقدسة بالنسبة إلى الأيزيديين التي جرى هدمها وإزالتها من قبل داعش 68، ويبلغ الأطفال الذين أصبحوا بلا أب أو أم 2742 طفلاً أيزيدياً منهم 1759 فقدوا آباءهم، و407 فقدوا أمهاتهم، 389 فقدوا الاثنين معاً، الأطفال الذين ما يزال أبواهم في أيدي داعش ولم يجرِ تحريرهم 220، ويبلغ عدد الأيزيديين الذين جرى خطفهم من قبل داعش 3548 إناثاً، 2869 ذكوراً، وأما عدد الأيزيديين الذين جرى تحريرهم من داعش، فيبلغ مجموعهم 3315، 1155 إناثاً، 337 ذكوراً، الفتيات 953، والفتية 870، ويبلغ عدد المخطوفين الذين لم يعرف مصيرهم حتى الآن 3102 شخصاً.
النساء اللواتي جرى سبيهم في عاصمة الخلافة المزعومة الرقة والموصل
خطف مسلحو تنظيم داعش عام 2014 آلاف النساء الكرديات الأيزيديات من قضاء سنجار في إقليم كُردستان، وباعوهن في أسواق “النخاسة” في مدينتي الموصل العراقية والرقة السورية سافرات الرأس، قبل أن يُلبسوهن عباءات وأغطيةً متشحةً بالسواد بعد بيعهن، إذ كانت مدينة الرقة السورية مركز الإتجار بالنساء الكرديات الأيزيديات، وبعد هزيمة التنظيم، ما تزال محاولات تعقب آثار أولئك النساء والبحث عنهن مستمرة، وخلال الهجوم الذي شنه داعش على قضاء سنجار عام 2014، خطف مسلحو التنظيم أكثر من 6 آلاف كُردي أيزيدي، أغلبهم من النساء والأطفال، وأخذوا قسماً كبيراً منهم أسرى إلى مدينة الرقة التي كانت تعتبر عاصمة التنظيم في سوريا، وبعد تحرر الرقة حُررت أعداد كبيرة من الأسرى والمختطفين.
الدموية والتنكيل بالجثث وسبي النساء هو القاسم المشترك لحملات إبادة الأيزيدين
استناداً إلى ما وثق في صفحات التاريخ التي أشارت إلى أن حملات الأيزيديين خلفت آثاراً سلبية وأحداثاً دموية ألحقت الأذى الكبير بالموروث الحضاري الأيزيدي فضلاً عن تأثيراتها المباشرة في اجتثاث الشعب الأيزيدي من أراضيه وتشتت عناصره في مناطق نائية وكان الهدف من تلك الحملات الدموية واضحاً وهو إخضاع الأيزيديين للسياسات القاسية والتدميرية واتبعت من خلالها أساليب وحشية تمثلت في القتل والتمثيل بالجثث أمام الناس والتهجير والبطش والتنكيل من دون رحمة وشفقة مع الغدر، وارتكاب أعمال السلب والنهب وهتك الأعراض وسبي الأطفال والنساء وحرق الدور والقرى بأكملها وقطع الأشجار وحرق المزروعات والبساتين بعد الحصول على الكفاية من الغنائم والممتلكات وتدمير البنى التحتية للدور الدينية المقدسة والمعالم الحضارية، والتراثية وإفناء المعالم الفكرية والانتماء الحضاري للشعب الأيزيدي، وكان الحكام والسلاطين والأمراء والولاة والقادة يستخدمون السلاح الديني ضد الأيزيديين ويصدرون الفتاوى ضدهم قبل الفرمان (حملة الإبادة) ويصبح قتلهم علناً، وبيعهم في الأسواق شرعاً.
هدفهم اجتثاث الديانة الأيزيدية ومعالمها الحضارية
وبالعودة إلى الأهداف والغايات الحقيقية من وراء حملات الإبادة بحق الشعب الأيزيدي، وفقاً لما وثقه المؤرخون والباحثون في علم التاريخ والشعوب المهددة الذين توصلوا إلى نتائج نهائية وإحصائية، أجمعوا أن الهدف من تلك الحملات اجتثاث كل ما يتعلق بالأيزيدية من أصول وتاريخ وديانة ومعالم وحضارة، وإلا لما كانت صبغتها واحدة وهي الدموية والإبادة الجماعية في كل (فرمان)، فمنها اجتثاث الامتداد التاريخي والحضاري السومري البابلي للشعب الأيزيدي، ومحو اللغة الأيزيدية واجتثاث الديانة الأيزيدية التي هي امتداد للديانة البابلية، والقضاء على المعالم الحضارية والتاريخية والتراثية للشعب الأيزيدي، والاستحواذ على المناطق والجغرافية الأيزيدية بأكملها، استغلال الطاقات البشرية من الأيزيديين الذين يقعون تحت رحمة الغازين لمهنة العبيد وتجنيدهم في صفوف الجيوش الغازية، وسلب الأطفال واختطاف النساء، القضاء على الشعب الأيزيدي بهدف عدم تنامي قدراته البشرية والجغرافية والفكرية والإدارية.
الشعب الأيزيدي في ظل الحكومات العراقية المتوالية
إلى جانب أن هناك دراسات عدة جاءت مدعمة بالوثائق والكتب الرسمية التي كانت تهدف إلى تشويه تاريخ الأيزيدية في الحركة التحررية الكردية أو التي تهدف إلى تعريبهم وترحيلهم، حملت أيضاً بعض الوثائق أدلة على إصدار الأحكام على مئات بمصادرة أموالهم المنقولة وغير المنقولة أو مصادرة دورهم وممتلكاتهم أو ترحيلهم عنوة كما حصل في (شنكال) و(شيخان) بحسب ما ذهب إليه عدد من المؤرخين في دراساتهم، والدراسة التي لخصت جملة من السياسات التي انتهجتها الحكومات العراقية المتعاقبة ضد الكرد الأيزيديين اعتبرت أن ذلك يدخل في باب عمليات تعريب مناطق الأيزديين التي اكتسبت استراتيجية مهمة، بهدف تقليص حدود كردستان العراق ومحاصرتها ومن ثم الوصول إلى عمق “كردستان “ومن هنا وبحسب بعض الدراسات فإن الحكومات العراقية استخدمت الوسائل كافة؛ السياسية والعسكرية والاقتصادية للسيطرة على هذه المناطق ومن ثم جلب القبائل العربية إليها وتشجيعها على الاستيطان فيها، إلى جانب ذلك تشير الدراسة بوضوح إلى إن الحكومات العراقية المتعاقبة حاولت تشويه الهوية القومية للكرد الأيزيديين واعتبرتهم عرباً، مع أنها كانت تنتهج في تعاملها مع الأيزيديين خفية التعامل نفسه الذي كانت تسلكه مع بقية الكرد، وتستعرض الدراسات الإجراءات التي اتبعتها الحكومات بحق الأيزيدية من إسكانهم في مجمعات قسرية أو إقامة جوامع فيها ورفض تعليمهم باللغة الكردية على الرغم من أنها لغتهم الأم ولغة نصوصهم الدينية، وفي المادة 140 من الدستور العراقي الذي أشير فيه إلى المحافظة على وحدة الأيزيدية، لأنهم عانوا كثيراً بسبب موقعهم الجغرافي إذ كانوا الخط الفاصل بين إقليم كوردستان والإقليم العربي.
محافظة الأيزيدين على وجودهم ومعتقداتهم
وهناك جانب مهم لا بد من ذكره إذ دافع الأيزيديون عن وجودهم كثيراً عبر التاريخ وهناك ما يثبت ذلك من خلال مواجهتهم كل من يعتدي عليهم للمحافظة على وجودهم، لتكون الإبادة الثالثة والستين وغيرها أمثلة وبراهين ربما علينا ذكره، وذلك عندما قام هذا الفرمان على أيزيدية جبل (شنكال) بقيادة بكر باشا في سنة (١٨٩٤م) وعندما علم الأيزيديون بذلك تجمعوا في قرية بكران وأوسفان بقيادة سفوك مطو باشا واستعدوا للقتال وعلى الرغم من كبر عدد جنود بكر باشا المهاجمين والأسلحة المتطورة أنزل بهم الأيزيديون هزيمة ودحروهم وقاوموهم بكل عزيمة وشجاعة ما أدى إلى انسحاب بكر باشا من جبل (شنكال)، فيما قاد الفرمان الرابع والستين عام 1922م، محمد فائز أفندي على الشعب الأيزيدي في (شنكال) وطالب بأداء الجندية إجبارياً على الأيزيدية وإخضاعهم تحت سيطرة الإمبراطورية العثمانية وكانت تظهر بين الحين والآخر اضطرابات داخلية بهدف الانسلاخ عن الدولة العثمانية، وأما الفرمان الخامس والستين حصل عام 1913 (يجب تصحيح التاريخ فلا يمكن أن يكون الفرمان 64 عام 1922 والفرمان 65 عام 1913) وذلك عندما أرسلت الدولة العثمانية قواتها إلى المناطق الأيزيدية بهدف إخضاع الأيزيديين للتجنيد الإلزامي وفي إثرها قامت الحملة بتدشين عمليات ظالمة بحق الأيزيديين مع أن الأيزيديين أنزلوا بهم خسارات كبيرة أدت إلى عدم تمكنهم الاستمرار في تمرير سياساتهم المجحفة بحق الشعب الأيزيدي، وكان الفرمان السادس والستين بحق الأيزيدين عام 2017 (يفضل التحقق من دقة التواريخ)، الفرمان قبل الأخير الذي قام فيه قائم مقام (شنكال) آنذاك إبراهيم بك والمعروف (بحجي إبراهيم باشا) بتنفيذ الحملة على الأيزيديين في (شنكال) في عهد والي الموصل محمد أوج بك ما أدى إلى تدمير عدد كبير من أجزاء المنطقة وقتل عدد من أهاليها.
خاتمة
حاولنا التطرق إلى جانب من الممارسات الوحشية التي تنفذها جماعات متطرفة بحق مكونات أخرى، لتمحي وجودهم ومعالمهم بأبشع الممارسات من تنكيل وقتل وتدمير وإلغاء وإقصاء الآخر، وكانت حملات الإبادة الجماعية المنفذة بحق الأيزيدين هي المعضلة الكارثة التي نشهدها وترتكب بحق كل ما هو إنساني، لتتخطى فيها الرقم الصعب على استيعاب العقل البشري له ليرقم بـ 67 حملة إبادة جماعية عبر التاريخ، وتبقى حملة الإبادة في (شنكال) وصمة عار على جبين الإنسانية لعجز مجلس الأمن والمنظمات الإنسانية والحقوقية عن تحرير النساء المحتجزات لدى تنظيم داعش الإرهابي، وجعلهن سبايا يجري بيعهن بـ150 دولاراً في أسواق النخاسة ونحن في القرن الواحد والعشرين.
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال افريقيا الإعلامي.