ثمة دراسات كثيرة تتحدث عن العلاقة المباشرة بين الإخوان المسلمين والمآل الحزين والمأسوي الذي وصل إليه الربيع العربي، مأسوي لدرجة أن بعضهم بات يسميه (الخريف العربي) أو (الخريف الإسلامي)، الأمر الذي يطرح علينا أسئلة نقدية تتعلق بصحة هذا العنوان من عدمه، تعالج الورقة هذا السؤال من خلال المحاور الآتية:
- هل كان للإخوان المسلمين دور قبل الربيع العربي؟
- كمون إخواني قبل الربيع العربي.
- الإخوان والسلفية الجهادية وتكرار لعبة الاستبداد.
- هل اتهامهم حقيقة أم افتراء؟
المدخل
هل كان للإخوان المسلمين دور قبل الربيع العربي؟
بفعل قدرة النظام العربي الرسمي على الإمساك بدفة السلطة العربية في البلدان العربية أغلبها منذ سبعينات القرن الماضي، وبفرض النظام والطاعة بقوة الاستبداد حيناً والسياسة حيناً، لم يكن للإخوان المسلمين أي وجود شعبي في بلدان مثل سوريا وليبيا والعراق (أيام صدام حسين)، في حين كان لهم وجود في الشارع المصري عبر لعبة توزانات السلطة أيام حسني مبارك، وفي الشارع الجزائري من جراء حاجة السلطة إلى تربية أحزاب إسلامية أليفة ومقربة منها لقطع الطريق على الراديكاليين والجهاديين الذين أقلقوا ليالي الجزائريين في ما بات يعرف بسنوات الرصاص.
إذاً، إن قوة الدولة السلطوية العربية أدت إلى تجفيف المجتمع السياسي، وقد كان هذا التجفيف تاماً في بلدان مثل سورية والعراق، في حين إنه كان نسبياً في بلدان مثل مصر واليمن. وفي البلدين الأخيرين استفاد الإخوان من الانفتاح النسبي الموجود، فكان لهم أحزابهم وتجمعاتهم، إذ استفادوا أيضاً من كون الاستبداد الذي خرب الحياة السياسية دفع الناس دفعاً نحو العودة إلى الدين، بالتوازي مع هزيمة المشروعات اليسارية والقومية في العالم العربي، فذهبت الجماهير أفواجاً نحو التدين.
وقد كان هذا بفعل مقصود من السلطة، لإدراكها أنه يمكنها احتواء هذا الشارع المسيس دينياً أكثر ما يمكنها احتواؤها الشارع المسيس مدنياً، ولهذا عملت السلطات العربية على تخريب السياسة في مجتمعاتها وفتح المجال أمام التدين وتغذيته عبر احتواء رجال الدين وأئمة المساجد الذين تحولوا إلى موظفين أو مخبرين إن شئت لدى السلطة، فنما لدينا إسلام رسمي يدار من السلطة، وإسلام شعبي يدين به عامة الناس وإسلام سياسي كان من رصيد الإخوان وتوابعهم، ومن بين هؤلاء سيخرج الإسلام الجهادي بأشكاله المتعددة لاحقا.
كمون إخواني قبل الربيع العربي
ثمة دراسات كثيرة تتحدث عن العلاقة المباشرة بين الإخوان المسلمين والمآل الحزين والمأسوي الذي وصل إليه الربيع العربي، مأسوي درجة أن بعضهم بات يسميه (الخريف العربي) أو (الخريف الإسلامي)، الأمر الذي يطرح علينا أسئلة نقدية تتعلق بصحة هذا الكلام من عدمه، فهل حقاً كان الإخوان وراء تخريب الربيع العربي؟ وكيف ولماذا؟
إذاً؛ حين بدء لحظة الربيع العربي في تونس ومصر، كان الإسلاميون في حالة كمون وتنظيم نسبي سمحت بها الأوضاع السابقة، الأمر الذي سمح لهم بقطف ثمار البدايات الأولى في مصر وتونس.
أمام هذا الانتشاء بنصر لم يكن أحد يتوقعه حتى هم، ظنوا أن بإمكانهم الهيمنة على العالم العربي كله، فتوازى هذا الوهم المحلي للإخوان مع سعي دول عربية وإقليمية وعملها على إيصال الإخوان إلى السلطة، إذ كانت كل من قطر وتركيا تعملان منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في تركيا على مشروع إمبراطوري طموح، يهدف إلى استعادة الخلافة العثمانية، بعد أن تمكنت الأخيرتين (تركيا وقطر) من إقناع واشنطن وبعض الدول الغربية بأنه يمكن للإسلام السياسي أن يكون بديلاً سلطوياً مقبولاً، وأنه قادر على التآخي مع الديمقراطية وحقوق الإنسان، وهو الوهم الذي صدقته بعض الأقطاب الغربية، وجرى السير في هذا السياق منذ عام 2011 حتى عام 2013، إذ وصل الإخوان إلى السلطة جزئياً في تونس وكليا في مصر، إضافة إلى وصول حزب العدالة والتنمية المغربي إلى سدة السلطة التنفيذية في المغرب، ضمن لعبة عرفت السلطة كيف تديرها لمصلحتها.
هذا الأمر رفع مستوى الثقة بالنفس عند الإخوان، فتقدموا بسرعة لإعلان أجندتهم، إذ أعلن تنظيم الإخوان المصري نياته بالهيمنة على الدولة المصرية ومؤسساتها، في حين بدأ الإخوان في سوريا واليمن وليبيا بالاستعداد للهمينة عبر السلاح، فجرى تسليح الثورات وتصوير الربيع على أنه ربيع إسلامي، فيما بدأت تركيا تسهل دخول المقاتلين الإسلاميين إلى سوريا، بالتوزاي مع دعم قطري في المستوى المالي من جهة، والإعلامي من جهة أخرى، أولاً بتغطية الإسلاميين عبر الجيش الحر في سوريا وتقديمهم بوصفهم مدافعين عن الحرية والشعوب في وجه الاستبداد، وحين تمكن هؤلاء من الإمساك بالأرض بدؤوا يعلنون أجندتهم التي تدل أسماء الكتائب وحدها عليها، وهي كلها ذات أجندة إسلاموية بدءاً من النصرة التي ليست إلا فرعاً من تنظيم القاعدة، وليس انتهاء بأحرار الشام وجيش الإسلام وغيرهم، علماً أن صفوف الإسلاميين المقاتلين في سوريا سجلت لنا حضوراً كبيراً لوجود التوانسة بينهم، الأمر الذي يضعنا في مواجهة سؤال: من أين أتى هؤلاء؟ وهل من علاقة بينهم وبين وصول النهضة إلى الحكم في تونس؟
الإخوان والسلفية الجهادية وتكرار لعبة الاستبداد
حين وصول النهضة إلى السلطة التنفيذية في تونس، عملت على احتواء السلفيين والجهاديين التوانسة في محاولة منها لجذبهم إليها، ليشكلوا خزاناً انتخابياً لها من جهة، ولتخيف المجتمع التونسي بهم من جهة أخرى، في محاولة للعب اللعبة نفسها التي كان يلعبها الاستبداد بإخافة الناس من وصول الإسلاميين إلى السلطة ليبقى البديل الوحيد، وهو ما حاولت أن تلعبه النهضة إذ قالت: إما أنا أو الجهاديين.
إلا أن الجهاديين والسلفيين التوانسة، كان لهم حساباتهم الأخرى، فاستخدموا الغطاء الذي منحته لهم حركة النهضة، وبدؤوا العمل على الحشد والتوسع داخل المجتمع التونسي، فنشطت وتحركت وتمددت واستقطبت كثيرين. وهنا استفادت هذه الحركات من الخيبة التي ارتسمت في أرواح التوانسة من جراء عدم قدرة أقطاب الحكم بعد الثورة على إيجاد حل للمسألة الاقتصادية الاجتماعية، فازداد هبوط أعداد كبيرة من التوانسة نحو مستنقع التطرف والإرهاب، ورفدوا الساحتين السورية والتونسية بمزيد من المقاتلين.
هل اتهامهم حقيقة أم افتراء؟
ما سبق أوصل الواقع العربي إلى لوحة سوريالية، إذ كان الإخوان والإسلاميون قطباً أساسياً في مفاصلها كلها؛ حرب أهلية مدمرة في ليبيا، سقوط اليمن في مستنقع الفوضى والتمدد الإيراني، إلى جانب سوريا التي غرقت في حرب أهلية ضروس وسط تشتت الفصائل وتبعيتها للخارج، واقع مصري محتقن أخاف دولة العسكر المصرية العميقة والشارع المصري الذي لم يكن يريد الخروج من استبداد إلى استبداد آخر، فيما كان الغرب والخارج حائراً بين الاستمرار في دعم الإسلاميين أو العمل على إقصائهم.
هنا جاء عامل الاضطرابات التي قامت بها جماعة (أنصار الشريعة) في تونس ضد السفارة الأمريكية، ثم مقتل السفير الأمريكي في ليبيا؛ لتدفع الغرب وواشنطن إلى اتخاذ خيارهم بعدم المراهنة على الإسلاميين بعد اليوم، وبدؤوا العمل على ذلك بالشراكة مع قوى محلية لها مصلحة بعدم وصول الإسلاميين إلى السلطة.
وقد استفاد هؤلاء من مناخ الامتعاض الشعبي الذي خلّفه الإخوان طوال هذه السنوات من جراء سياساتهم ونهمهم اللامحدود لاستلام السلطة، فكان الشارع مرحباً بسقوط الإسلاميين وإن لم يكن مرحباً بعودة الثورة المضادة ممثلة بالسيسي في مصر والسبسي في تونس، إلا أنهم بين الخيارين اختاروا الأخير من دون شك، لأنه حين المفاضلة بين الاستبداد العسكري والاستبداد الديني، فإن الشارع يختار الأول لأنه يريد الاحتفاظ بالسلطة لنفسه في حين يترك الخيارات الاجتماعية للبشر كما هي، وفي حين إن الاستبداد الديني يريد أن يفرض عقيدته وشرائعه على الناس، وهو ما يصبح عبئاً ثقيلاً لا يحتمله الناس الذين شهدوا من الخيبات كثيراً، وعلى رأسها موت أحلامهم في الحرية والعدالة والدولة المدنية والنظام الديمقراطي وسيادة حقوق الإنسان، والأهم من ذلك حق العمل الشريف، ولم يكونوا على استعداد لإضافة خسارات أخرى إليها، علاوة على شعور عاطفي دفعهم إلى الثأر من الإخوان لإدراكهم العميق بأنهم السبب وراء فشل ربيعهم وأحلامهم.